جامعة كربلاء
كلية التربية للعلوم الانسانية/ قسم التاريخ
صفاء عبد حسن صالح/ دراسات عليا/ ماجستير التاريخ الحديث والمعاصر
 
الحركة الوطنية الفلسطينية لمقاومة الاستعمار البريطاني اليهودي بين الطموح والواقع_ انتفاضة موسم النبي موسى في القدس عام1920 انموذجاً-
أصبحت فلسطين بشكل فعلي تحت وطأة الانتداب البريطاني في أحوال إدارية وسياسية تضمن لهم إقامة وطناً يهودياً فيها، وكان من الطبيعي ان تكون هناك مقاومة عربية واسعة وكبيرة لهذا الاحتلال, فقد انتفضت الشعوب العربية بشكل عام والشعب الفلسطيني بشكل خاص ضد الاحتلال البريطاني الجديد, فبدأ الفلسطينيون في تنظيم انفسهم سياسيا فتشكلت العديد من الهيئات والاندية الفلسطينية والجمعيات السياسية للدفاع عن ارضهم والمقاومة ضد من يحاول السيطرة عليها، ثم استعاضوا عن ذلك بتأسيس الجمعيات الوطنية الإسلامية- المسيحية في كل المدن الفلسطينية والتي كانت تضم خيرة رجال الوطن الاكفاء للدفاع عن حقوقهم المسلوبة ، وتعد هذه الجمعيات التي بدأ تشكيلها عام 1918أول تنظيم سياسي قام بها الفلسطينيون بعد الاحتلال البريطاني لبلادهم، فقد هبت فلسطين بأجمعها للكفاح والمقاومة ومحاربة الاستعمار البريطاني الصهيوني حرباً لا هوادة فيها ولا انقطاع, على اثر القرار الصادر من مجلس الحلفاء القاضي بجعل فلسطين تحت الانتداب البريطاني وكذلك تنفيذ ما جاء بوعد بلفور, فازداد الجو الفلسطيني توتراً, لذا قادت الحركة الوطنية الفلسطينية بدعوى من ابرز شخصياتها ومنهم امين الحسيني وعارف العارف وموسى كاظم الحسيني, الذين حثوا الجماهير المحتشدة خلال الاحتفال بموسم النبي موسى على المطالبة بوحدة سوريا ومن ضمنها فلسطين, والدفاع عن بلادهم من اجل الاستقلال ورفض تحويلها الى وطن لليهود, وخلال الفترة (4-8 نيسان 1920) نظمت تظاهرة حاشدة في القدس تحولت الى هجوم على اليهود والاصطدام بهم استشهد فيها اربعة من العرب وجرح (21) منهم, بينما قتل تسعة من اليهود وجرح(250) شخصا، فعملت حكومة الانتداب على ارهاق الشعب الفلسطيني وتخويفهِ وذلك بتحليق الطائرات فوق القدس وإعلان منع التجوال وقطع الطرق المؤدية الى القدس خوفاً من وصول النجدات العربية للمتظاهرين في المدينة كما زودت السلطات البريطانية المستوطنات اليهودية بالمعلومات, وعندما بلغ التوتر ذروتهِ بين العرب والصهاينة في الجليل أرسل حاكم الجليل كوكس(Cox) في نيسان من العام نفسه الى احد ابرز رجال الصهاينة المدعو يوسف خماني وحذرهُ من عمليات هجومية مقبلة للعرب وقام بتزويدهِ بالأسلحة اللازمة التي وزعت على المستوطنات اليهودية دون علم الحركة الوطنية العربية، وقد اصدر الجنرال بولز بياناً على اثر هذه الحوادث ذكر فيه : “ان في هذه البلاد حكومة واحدة وهذه الحكومة هي انا ، واني مجهز بقوة عسكرية هائلة لسحق كل من يعكر الامن” وقد أعلنت حكومة الانتداب عن محاسبة قادة المتظاهرين فشنت حملة تفتيش واعتقالات واسعة في صفوف العرب والصهاينة وتشكلت في القدس محكمة عسكرية أصدرت حكماً غيابياً بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً على كل من عارف العارف والحاج امين الحسيني الذي احتج اخوه الشيخ كامل الحسيني مفتي القدس على الاعمال الوحشية التي تقوم بها الإدارة البريطانية تجاه سكان البلاد وايضاً على تفتيش بيتهِ بحثاً عن أخيه دون سابق انذار واطلاق النار على ابنهِ ظناً منهم انه الحاج امين الحسيني فما كان منه إلا ان سلم الوسام الذي منحهُ إياه البريطانيين احتجاجاً على هذه الاعمال, كما زجت سلطة الانتداب الكثير من الشباب الفلسطيني بالسجن, وحكمت المحكمة العسكرية ايضا على اليهودي جابوتنسكي بالسجن خمسة عشر عاماً, إلا ان صموئيل افرج عنه بعد ايام من توليه السلطة وافرج ايضا عن جميع  الفلسطينيين المحكومين عليهم بالانتفاضة بإستثناء قادتها عارف العارف وامين الحسيني اللذان بقيا هاربين في دمشق حتى اصدر صموئيل عفوا عنهما بعد زيارته لشرق الاردن وطلب اعيانها منه ذلك الامر ، واعرب حاكم فلسطين العام ومندوبها السامي هربرت صموئيل في بيانا عقب اخماد تلك الانتفاضة والاجراءات التي اتخذها عن امله بأن تكون جميع الاسباب التي ادت الى حدوثها قد زالت, وهدد في حال وقوع مثل هذه الاضطرابات سوف تقمع بجميع القوات التي تحت امرتهِ وحينها لا يحدث مثل هذا التسامح، وبعث قاضي القدس رسالة الى الحكومة البريطانية أوضح فيها ان المنظمة الصهيونية لها ضلع في هذه الاحداث وعليها مغادرة البلاد خلال خمسة ايام, وبعد تصاعد الاحداث وتطورها ارسلت الحكومة البريطانية في 12 نيسان من العام نفسه لجنة عسكرية برئاسة الجنرال بالين (Balin)  للتحقيق في اسباب الثورة عرفت باسم (لجنة بالين 1920) نسبة له، واستمعت اللجنة لشهادة (152) شخصا يتكلمون ثمان لغات ومنها الفرنسية والانجليزية والعربية والعبرية وغيرها ولم يسمح صموئيل بنشر تقرير اللجنة ذلك لأنه كان مليئاً بالحقائق التي لا ترضي الصهاينة اذ بينت اللجنة ان أسباب الاضطرابات تعود الى  يأس العرب من تحقيق الوعود التي قطعت لهم في اثناء الحرب بحصولهم على الاستقلال, واعتقادهم ان وعد بلفور يتضمن انكار حقوقهم في تقرير مصيرهم وخشيتهم ان يؤدي انشاء الوطن اليهودي القومي الى زيادة الهجرة اليهودية وهذا يؤدي الى استبعادهم اقتصادياً وسياسياً من قبل اليهود والاستيلاء على جميع بلادهم، اضف الى ذلك ان تقرير اللجنة أوضح ان السلطات البريطانية تعمل على خدمة المشروع الصهيوني وحمّل الصهاينة والحكومة البريطانية أسباب الاحداث؛ لذا عمدت الحكومة البريطانية لإخفاء نتائج التقرير لأنه يعرقل تنفيذ وعد بالفور الذي اخذت على عاتقها تنفيذه. وكانت من النتائج المترتبة على الثورة اقدام الادارة العسكرية على اقالة رئيس بلدية القدس موسى كاظم الحسيني من منصبه وعينت راغب النشاشيبي بدلا منه, وكان قصد الادارة العسكرية من وراء ذلك التغيير لاعتبارات ثلاث, أولها لأحداث انقسام وتصدع في الحركة الوطنية الفلسطينية, ثانيا توليد عداء كبيرا بين الاسرتين الحسينية والنشاشيبية لإلهائهم عن تحقيق اهدافها, ثالثا والأهم من اجل افراغ بلدية القدس من الزعماء المضادين والمناوئين لسياستها, وكانت لهذه السياسة (فرق تسد) التي اتبعتها الإدارة البريطانية في عهديها العسكري والمدني في فلسطين  أثار كبيرة على ضعف الحركة الوطنية وتضافر جهودها لمقاومة الانتداب البريطاني ومشروع الوطن القومي اليهودي.
إلا ان تلك الاجراءات المشددة من قبل سلطة الادارة العسكرية لم تمنع الفلسطينيون من المحاولة لعقد الاجتماعات والمؤتمرات السياسية, اذ اجتمع في النادي العربي بدمشق في 31 أيار عام 1920 كثير من الشباب الفلسطيني وقرروا تأسيس الجمعية العربية الفلسطينية وانتخبوا لها لجنة إدارية تألفت من كل من عارف العارف ورفيق التميمي وعزة دروزة ومعين الماضي والحاج امين الحسيني, وسليم عبد الرحمن وغيرهم وانتخبت اللجنة عارف العارف رئيساً وعزة دروزة اميناً مالياً, والحاج امين الحسيني معتمداً للجمعية وكانت اهم اعمال هذه الجمعية الاحتجاج على مقررات مؤتمر سان ريمو ورفض تعين هربرت صموئيل مندوباً سامياً على فلسطين, ثم عقد الفلسطينيون في 13كانون الاول عام 1920 في حيفا المؤتمر الفلسطيني الثالث وانتخبوا له لجنة تنفيذية لقيادة العمل الوطني، وانتخب المؤتمرون السيد موسى كاظم الحسيني رئيساً له، وكانت اهم مطالبه رفض انشاء وطن قومي يهودي في فلسطين ورفض الهجرة اليهودية, وانشاء حكومة وطنية مسؤولة امام مجلس نيابي, وقد بعث المؤتمر مذكرة الى المندوب السامي اوضح فيها ضرورة قيام الحكومة البريطانية بتشكيل حكومة وطنية مسؤولة امام برلمان منتخب من قبل الشعب العربي الفلسطيني, وبينت المذكرة ايضا عدم موافقة المؤتمر على شكل الإدارة الحالية وذلك لقيامها بسن قوانين بدون تشكيل مجلس تشريعي منتخب وقبل مصادقة عصبة الامم على الانتداب, واعترافها بالجمعية اليهودية الصهيونية كهيئة رسمية, وشروعها بجعل اللغة العبرية لغة رسمية وموافقتها على العلم الصهيوني, اضافة الى قيامها بإدخال المهاجرين اليهود الى بلادهم. كما بعث المؤتمر برقية الى الشريف حسين في مكة اوضح فيها ان بريطانيا عازمة على تطبيق وعد بلفور, وان المندوب السامي فتح ابواب فلسطين على مصراعيها امام الهجرة اليهودية, كما ذكر ان سلطة الانتداب تسعى الى الإقتراض لمساعدة العمال المهاجرين, وان خيرات وثروات البلاد اصبحت حكرا على الصهاينة, وقيام هربرت صموئيل بإلغاء القوانين العثمانية وسن قوانين جديدة لا رأي للشعب فيها, واعتراف المندوب السامي بالمؤتمرات الصهيونية وبالمقابل عدم اعترافه بمؤتمراتنا, وجاء رد الملك على تلك البرقية قائلا: “ليس لي ما أبديه في هذا إلا الأسى والحزن”. والجدير بالذكر انشأ عارف العارف صحيفة فلسطينية ناطقة باسم الحركة الوطنية اسماها سوريا الجنوبية وهي اول صحيفة رسمية تمثل الوطنيين من سكان البلاد ظهرت بعد الاحتلال البريطاني لفلسطين.
 
المصادر المعتمدة في المقال:
  • عبد الكريم الكرمي أبو سلمى، كفاح عرب فلسطين، منشورات مؤسسة اللاجئين الفلسطينيين العرب, دمشق, د.ت.
  • اسماء فتحي ابراهيم الصوفي, الحركة الوطنية الفلسطينية(1918-1948), بحث منشور, مجلة الدراسات التاريخية والاجتماعية, ع 65, 2024.
  • صبري جريس, تأسيس الوطن القومي لليهود في فلسطين(1917-1923): في ظل الحكم العسكري البريطاني: كانون الاول 1917- حزيران 1920), بحث منشور, مجلة شؤون فلسطينية, منظمة التحرير الفلسطينية: مركز الابحاث, ع 95, 1979.
  • عبد القادر ياسين, الحركة الوطنية الفلسطينية في القرن العشرين, مركز دراسات الوحدة العربية, بيروت, 2021.
  • كامل محمود خلة, فلسطين والانتداب البريطاني (1922- 1939), مركز الابحاث, بيروت, 1974.
  • علي اكرم فضل مهاتي, العلاقات الصهيونية البريطانية في فلسطين (1918-1936), رسالة ماجستير غير منشورة, كلية الآداب, الجامعة الاسلامية_ فلسطين, 2010.
  • تيسير جبارة, تاريخ فلسطين, دار الشروق للنشر والتوزيع, فلسطين, 1998.
  • عارف العارف, المفصل في تاريخ القدس, ج 1, ط 5, مطبعة المعارف, القدس, 1999.
  • ناجي علوش, المقاومة العربية في فلسطين(1917-1948),  دار الطليعة للطباعة والنشر,ط2, بيروت, 1970.




شارك هذا الموضوع: