مريم ابراهيم لطيف/ قسم اللغة العربية/ ماجستير ادب عربي
المقدمة
عرف العرب في العصر الجاهلي حياة بدوية قائمة على الترحال، وكانت الحروب جزءًا أساسيًا من نمط حياتهم. أثرت هذه الحروب بشكل مباشر على الشعر الجاهلي، الذي يعتبر انعكاسًا صادقًا لحياة العرب آنذاك. شكّل الشعر وسيلة للتعبير عن البطولات والفخر القبلي، وأداة للدفاع عن الشرف وإظهار التحدي.
الشعر والحرب
من اسباب نظم الشعر هو الحرب اذ يقول ابن سلام الجمحي في ذلك: ” وَإِنَّمَا كَانَ يكثر الشّعْر بالحروب الَّتِى تكون بَين الْأَحْيَاء نَحْو حَرْب الْأَوْس والخزرج أَو قوم يغيرون ويغار عَلَيْهِم والذى قلل شعر قُرَيْش أَنه لم يكن بَينهم نائرة وَلم يحاربوا وَذَلِكَ الذى قلل شعر عمان وَأهل الطَّائِف . . ” () .
يعلل قلة الشعر في الطائف انها لم تكن في حالة حرب لذا يعتبر الحرب هي من مصدر الهام شعري ففيه تنظم قصائد المدح والهجاء والحماسة ورثاء.
وَكَانَ أُميَّة بن أَبى الصَّلْت يمدح أهل فَارس حِين قتلوا الْحَبَشَة فى كلمة قَالَ فِيهَا() :
لله دِرْهَم من عصبَة خَــــــــــــــــــــــــــــرجُوامَا إِن ترى لَهُم فى النَّـــــــــــاس أَمْثَالًا
لَا يرمضون إِذا حرت مـــــــــــــغافرهموَلَا ترى مِنْهُم فى الطـــــــــــــــــــعْن ميالا
من مثل كسْرَى وسابور الْجنُود لَهُأَو مثل وهرز يَوْم الْجَيْش إِذْ صالا
وكما يقول شوقي الضيف: ” لعل أهم ما يميز حياة العرب فى الجاهلية أنها كانت حياة حربية تقوم على سفك الدماء حتى لكأنه أصبح سنّة من سننهم، فهم دائما قاتلون مقتولون، لا يفرغون من دم إلا إلى دم” ()
الثأر ام الدية عند العرب
الثأر عند العرب كان له اولوية خاصة لا يمكن ان يتنازل عنه الطرفين حتى وان فنيت القبيلة ، وجمع البحتري في حماسته اشعارا وجعل للثأر وعدم قبول الدية بابا في حماسته .
ويقول شوقي ضيف في ذلك : ” أكبر قانون عندهم يخضع له كبيرهم وصغيرهم هو قانون الأخذ بالثأر، فهو شريعتهم المقدسة، وهى شريعة تصطبغ عندهم بما يشبه الصبغة الدينية، إذ كانوا يحرّمون على أنفسهم الخمر والنساء والطيب حتى يثأروا من غرمائهم “()
وكانت العرب تهجر النساء والخمر حتى الاخذ بالثأر، وكانو ينبذون الصلح ويرون ذلك عاراً لا يمكن تقبله الا في حالات الضرورة بعد ان تأتي الحرب على الحرث والنسل()
وقالت كبشة، شقيقة عمرو بن معد يكرب، مطالبة بالثأر لأخيها عبد الله، رغم أن عمرو، شقيقها من والدها، كان قد أظهر ميلاً للصلح، كما ورد في الروايات() :
أرسل عبد الله إذ حان يومهإلى قومه لا تعقلوا لهمو دمي
ولا تأخذوا منهم إفالًا وابكرا وأترك في بيتٍ بصعدة مـــظلم
فإن أنتم لم تثأروا اتـــــــــديتمو فمشوا بآذان النعام المــــــــــصلم
ولا تردوا إلا فضول نسائـــكمإذا أرتملت أعقابهن مـــــــن الدم
وهنا حث واضح انه لا لا تقبلوا الدية فعدم الاخذ بالثأر سيجعل قبره عليه مظلما ، وان لم تأخذوا الثأر كونوا صمًّا لا تسمعون؛ لأن الناس سيتحدثون عن قعودكم عن الثأر ويذمونه ولا تكونوا كالنساء بعد اغتسالهن من الحيض وهنا كناية للذل بعد ان يترك دم المقتول() .
يقول عبد المعزّى الطائى:
إذا ما طلبنا تبلنا عند معشرأبينا حلاب الدّرّ أو نشرب الدّما()
فهم لا يرضون بالدية ويرونها ذلا ما بعده ذل أن يستبدلوا الدم بالإبل وألبانها، فالدم لا يشفيهم منه إلا الدم()
الشعراء الفرسان
كان فرسان العرب وهم يقاتلون ينشدون الابيات ليحمسوا اصحابهم ويدعوهم الى الحرب.
من هؤلاء الشعراء المهلهل بن ربيعة التغلبي في حرب البسوس، ويقول عندما اكثر القتل بعدوه() :
أكثرت قتل بني بكر بربّهمحتى بكيت وما يبكي لهم أحد
آليت بالله لا أرضى بقتلهمحتى أبهرج بكرا أينما وجدوا
ويقول() :
قتلوا كليبا ثم قالوا أربعواكذبوا وربّ الحلّ والإحرام
تشكل الحروب في العصر الجاهلي محورًا أساسيًا للشعر الذي يعكس حياة العرب وواقعهم الصعب. فقد كانت الحروب مصدر إلهام للشعراء، حيث ظهرت في قصائدهم مشاعر الفخر، الحماسة، والرثاء، وأصبحت سجلاً تاريخيًا للمعارك والصراعات التي خاضتها القبائل. شكّل الشعر وسيلة لإبراز القيم القبلية مثل الشجاعة، التضحية، والثأر، وفي الوقت ذاته كان سلاحًا معنويًا يُستخدم لتحفيز المقاتلين وإذكاء نار العداوة بين القبائل. رغم دموية الحروب وما خلفته من مآسي، إلا أنها أوجدت حالة من الإبداع الشعري الذي خلّد أسماء الفرسان وأحداث المعارك، مما ساهم في توثيق التاريخ الجاهلي.
المصادر
تاريخ الأدب العربي، شوقي ضيف، دار المعارف، مصر.
الحماسة للبحتري، أبو عُبَادة الوَليد بن عُبَيد البُحتري (ت ٢٨٤ هـ)، تحقيق: محمَّد إبراهيم حُوَّر، هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، أبو ظبي – الإمارات العربية المتحدة، ٢٠٠٧ م.
الشعر والشعراء، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت ٢٧٦هـ)، دار الحديث، القاهرة – مصر.
طبقات فحول الشعراء، محمد بن سلّام الجمحي ، أبو عبد الله (ت ٢٣٢هـ)، تحقيق: محمود محمد شاكر، دار المدني، جدة – السعودية.
العقد الفريد، أبو عمر، ابن عبد ربه الأندلسي (ت ٣٢٨هـ)، دار الكتب العلمية – بيروت، ١٤٠٤ هـ.
لباب الآداب، أسامة بن منقذ (ت ٥٨٤هـ)، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مكتبة السنة، القاهرة، ط2، ١٩٨٧ م.
المرشد إلى فهم أشعار العرب، عبد الله بن الطيب بن محمد المجذوب (ت ١٤٢٦ هـ)، دار الآثار الإسلامية، وزارة الإعلام الصفاة، الكويت، ط2، ١٩٨٩ م.
المفضليات، المفضل بن الضبي (ت ١٦٨هـ)، نحقيق: أحمد محمد شاكر وعبد السلام محمد هارون، دار المعارف – القاهرة، ط6.