الحقيقة ليست في القراءة الأولى
   د.علي حاكم الكريطي
       
        إنّ القراءة أداة الإنسان في مكاشفة الآخرين ، بصمتٍ ، والحديث معهم لساعات، وهي ما يمكّننا من العودة إلى الماضي، على الرّغم من استحالة ذلك على وجه الحقيقة، فحين نقرأ للجاحظ (ت255هـ) ـــ مثلًاــ تجد نفسك بين يديه ، تسمع منه ، وتعيشه ثقافة عصره . لكنّ القراءة ليست دومًا هي مفتاح الخير ، فيمكن أن تكون العكس ، وبخاصة القراءات الأُوَل ، فإنّك لا تعلمُ حقيقة أمرها ، هل هي ما أبتغيه فعلاً ؟ هل هذه الأفكار دون غيرها هي الأصوب ؟ . يمكن أن تكون كذلك، ويمكن أن لا تكون ، بل هي إلى الأخيرة أقرب . لا نستطيعُ الجزم ــ أبدًاــ ذلك أنّنا نخبو خلف لا شيء ، لا نعرفُ شيئًا بعدُ ، فالذّهن خالٍ من أيّة معلومة تدافع أمام القراءات الجديدة ، تدافعُ فتقبلُ، أو تدافعُ فترفض.
         ذاك الاندهاش الذي يصحبُ القراءة الأولى ، يُدنينا من قبول الأفكار غالبًا ، الاندهاش في المعرفة الجديدة، التي لم تسبق بمعرفة . أما القراءات الأُخَر ، الثانية ، والثالثة، والرابعة… إلى آخره. تدلّك على معالجة الأفكار الأخرى ، وموازنتها مع السّابقات ، فيحكِّمُ العقلُ نفسَهُ ، في أيّهنِّ أقربُ إلى الحقيقة.
          والعدلُ أن نقولَ أن القراءة الثانية ، هي مفتاحُ التّحرّرِ من النّفس ، والعقلِ ، فما كان راسخًا ، أو شبه يقينيٍّ في ذواتنا ، تطرحه القراءة الثانية ، وتصدعُ ثوابته . لتأتي بثوابتَ جديدة ، تتناسبُ والقراءات الأُخَر .

شارك هذا الموضوع: