الخبرة الإدارية والقانونية في مؤسسات الدولة العراقية:                             رحيم عويز عباس\ اللغة الإنكليزية \المرحلة البحثية
 بين الفساد واستغلال المواطن
 
في ظل تعقيدات النظام الإداري والقانوني للدولة العراقية، تبرز إشكاليةٌ جوهرية تتمثل في غياب الكفاءة الإدارية والقانونية لدى الموظفين، وما يترتب على ذلك من آثار سلبية تمس حقوق المواطن واستقرار المجتمع. فغياب الخبرة لا يقتصر تأثيره على بطء الإجراءات الروتينية فحسب، بل يصبح بوابةً لتفشي الفساد، واستغلال النفوذ، وضياع الحقوق.  


الفجوة بين الخبرة والواقع: كيف تُفتح أبواب الفساد؟
لا يُمكن فصل ضعف الأداء المؤسسي عن  نقص الخبرة الإدارية والقانونية لدى الكثير من الموظفين، خاصة في المناصب الحساسة. فعدم إدراك الموظف للأنظمة والقوانين يجعله عُرضةً لارتكاب أخطاءٍ إجرائية، أو الانجرار وراء إغراءات الاستغلال المادي، كطلب رشاوى لتسهيل معاملات المواطنين. والأخطر من ذلك، أن غياب الكفاءة يُسهِّل على بعض الموظفين ذوي النوايا السيئة تزييف الوثائق أو التلاعب بالقرارات الإدارية لصالح جهاتٍ أو أفراد، تحت ذريعة “جهلهم” بالتشريعات النافذة.  
 
المواطن ضحيةٌ ثلاثية: الجهل، والإخفاء، والتأخير
  • جهل المواطن بحقوقه القانونية:
   يُعدّ عدم وعي المواطن بحقوقه وواجباته البيئة المثلى لاستغلاله. فالكثير من العراقيين لا يعرفون آلية المطالبة بحقوقهم في الوظائف أو الخدمات أو التعويضات، مما يُسهِّل على موظفي الدولة ابتزازهم عبر إقناعهم بأن تحقيق أي خدمة يحتاج إلى “مُساعدات مادية” خارج إطار القانون.  

  • إخفاء المعلومات عن الموظف والمواطن:
   تعمد بعض المؤسسات إلى عدم توضيح الحقوق والواجبات  بشكلٍ مُعلن أو شفاف، سواءً عبر إبقاء التعليمات غامضة أو نشرها بصورة انتقائية. بسبب هذا الغموض يُترك الموظف في حيرة، والمواطن في ضياع، ليصبح القانون أداةً طيّعة في يد من يتحكم بمفاصله.  
 
  1.  الدولة تسترد حقوقها سريعًا.. وتُهمل حقوق الآخرين:  
   تُلاحق الدولة المواطن عند أي تأخير في دفع الضرائب أو الرسوم، لكنها تتلكأ في تطبيق حقوقه، كصرف الرواتب التقاعدية أو منح الترضيات القانونية. هذا التناقض يُعمّق الشعور بالظلم، ويفقد المواطن الثقة بمؤسسات الدولة.  


انعدام الشفافية: القانون سيفٌ ذو حدين  
تتحول القوانين والتعليمات إلى أداة قمع أو استغلال عندما تُطبق بانتقائية. فغياب آلية نشر التشريعات بشكلٍ واضح ومُحدد – مثل تفاصيل تحصيل الرسوم أو شروط الحصول على الخدمات – يسمح للموظفين تفسيرها وفق أهوائهم. والأمثلة عديدة:  
  • تحصيل مبالغ غير قانونية تحت مسمى “رسوم إضافية” وهمية.  
  • التمييز في تقديم الخدمات بين المواطنين بناءً على الواسطة أو الانتماءات.  
  • تأخير إصدار الوثائق الرسمية وغيرها من المعاملات
 
مقترحات للإصلاح: نحو مؤسسات كفؤة ومواطن واعٍ
1- تعزيز الكفاءة الإدارية:
   – تدريب الموظفين دوريًا على الأنظمة القانونية والإدارية.  
   – ربط الترقيات الوظيفية باختبارات كفاءة مُلزمة.  
 
2 – حملات توعية للمواطنين:
   – إطلاق منصات إلكترونية وتلفزيونية لشرح حقوق المواطن وواجباته بلغة بسيطة.  
   – تفعيل دور منظمات المجتمع المدني في رصد الانتهاكات وتقديم الاستشارات القانونية المجانية.  
 
3 – إجبارية الشفافية:  
   – نشر جميع القرارات والتعليمات الرسمية على مواقع المؤسسات الحكومية بشكلٍ مُفصل.  
   – إنشاء خطوط شكاوى مباشرة للتبليغ عن حالات الاستغلال أو الفساد.  
 
4 – إصلاح النظام القانوني والإداري:
   – تبسيط الإجراءات الروتينية لتقليل التفاعل المباشر بين الموظف والمواطن (مثل التحول إلى الخدمات الإلكترونية بشرط ان لا تكون بابا جديدا من أبواب السرقة كفرض رسوم كبيرة والتعرض للنصب والاحتيال).  
   – فرض عقوبات رادعة على الموظفين المتلاعبين بالأنظمة.  
 
 الفساد ليس قدرًا  
الفساد الإداري في العراق ليس مشكلةً مستحيلة الحل، لكنه يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية، ومشاركة مجتمعية فاعلة. فالدولة مطالبة بتحويل شعارات الإصلاح إلى أفعال، عبر بناء مؤسسات قائمة على الكفاءة والشفافية، بينما يتعين على المواطن أن يتحول من “ضحية” إلى “رقيب” يساهم في كسر حلقة الاستغلال. القانون يجب أن يكون حاميًا للضعفاء، لا سلاحًا بيد المُتنفذين.

شارك هذا الموضوع: