الخراج في كتاب الأحكام السلطانية والولايات الدينية

  • د عبير عبد الرسول محمد التميمي
  عالج الماوردي الجزية والخراج في الباب الثالث عشر، فقد تناول الجزية في فصل والخراج في فصل آخر، وقبل تفصيل القول فيها فإنه اعتقد بأنهما يجتمعان ويفترقان في وجوه ثلاثة هي، فأما ما يجتمعان فيه:
‌أ.   كل واحد منهما مأخوذ من مشرك صغار وذله.
‌ب.   إنهما مالا للفيء فيصرفان في أهل الفيء.
‌ج.   أنهما يجبان بحلول الحول، ولا يستحقان قبله
وهما يفترقان من وجوه :
‌أ.   الجزية وجبت بالقران الكريم والخراج بنظر الامام.
‌ب.  ‌الجزية تأخذ دون الإسلام واما الخراج معهما.
وكما هو واضح من وجوه الشبه والافتراق أن الماوردي يتبنى آراء الشافعي وهو إمام مذهبه.
  أما الجزية فهي فريضة مالية على رؤوس مأخوذة من الجزاء  , اما على كفرهم او اماناً لهم والامتناع عن قتالهم كما نصت عليه سورة التوبة  .
والذي يهمنا من ذلك أن في تفسيرها قد ظهر فيها تأويل هما:
–   الأول: عن الغنى والقدرة.
–   الثاني: إن يعتقدوا أن لنا في أخذها منهم يدا وقدرة عليهم.
    ومع التأويل الأول نجد أصالة الفكر المالي لدى الماوردي وعمق نظرته، وقوله هذا في ربط الجزية بالقدرة على الدفع أي (بالغنى) يأتي معبرا عن ذات الفكرة، لا سيما وان الشافعية ومن ضمنهم الماوردي، يرون أن الجزية تتفاوت وليست واحدة، فأقلها محددة بالسنة وهو دينار، وأكثرها غير محدد بل إنه خاضع للاجتهاد، وهو رهين بالقدرة على الدفع أو بالقدرة الاقتصادية لدى المكلفين، كلا وفق عصره ومستواه الاقتصادي بحيث يكون الدفع موجبا للإصغار.
–   أما من تجب عليه الجزية فهم أهل الرسالات السماوية , كما تأخذ من المجوس والصابئين والسامرة  .
      والعرب عند الماوردي مثل غيرهم, وهي تجب على الرجال الأحرار العقلاء، فلا تؤخذ من امرأة ولا صبي ولا مجنون ولا عبد ولا من شيخ كبير , ثم فصل الماوردي آراء الفقهاء في سعر هذه الفريضة , أما مقدار الجزية حسبما ذكر الفقهاء , ومنهم: ابو حنيفة (80-150 هـ/ 699-767م)  ,ومالك بن أنس (93-179هـ / 711-795م) , فذكر أقلها وأكثرها بالاجتهاد، والشافعي أقلها دينارا وأكثرها بالاجتهاد أي وفقا لمستوى الحالة المعيشية ورأي الإمام  .
 
   وتجب الجزية عند الماوردي مرة واحدة في السنة الهلالية  , ومن مات أخذت من تركته بقدر ما مضى من السنة، وكذا من أسلم خلال السنة كما أن الذي يبلغ من الصبيان أو يفيق من المجانين يستقبل بهم حولا، ثم تؤخذ منهم الجزية وهي تؤخذ من الفقير إذا أيسر وأنظر بها إذا أعسر, وهذا ما يؤكد وجهة نظر الماوردي في ربط الجزية بالقدر على الدفع، ولا تسقط الجزية عند الماوردي عن شيء فإذا امتنعوا عن أداء الجزية كان هذا نقضا لعهدهم، وهذا لا يستوجب قتلهم عند الماوردي ما لم يقاتلوا، بل يجب إخراجهم من بلاد المسلمين إلى أدنى بلاد الشرك طوعا وإلا كرها  .
–      أما الخراج فيعرفه الماوردي ما فرض من أموال على الأراضي, وذكر ان الاصل في ذلك قوله تعالى في سورة المؤمن  ، وطبقه الرسول (صلى الله عليه واله وسلم ) , وربطه بالضمان  .
     وعرفه ايضا على أنه الكراء والغلة ، ثم ميز بين الخراج وهو من الرقاب,  والخراج وهو من الأرض ,فالأول عند الماوردي بمعنى الجزية الوارد فرضها في القرآن الكريم ، ومرة أخرى نجد الماوردي يربط بين الفريضة المالية والقدرة على الدفع ، (( فأما مقدار الخراج المضروب فيعتبر بما تحمله الأرض))   ,وروى الماوردي بإن الخليفة عمر استعمل عثمان بن حنيف ووضع ما تحتمله الأرض, فوضع على كل مقدار من الكرم والشجر الملتف عشرة دراهم ,ومن التمر ثمانية دراهم ومن قصب السكر ستة دراهم ومن الرطبة خمسة دراهم ومن البر أربعة دراهم ومن الشعير درهمين, وهكذا فقد راعى في كل أرض ما تحتمله  ,وذهب الماوردي إلى أبعد من ذلك ضمن إطاره التحليلي الذي ربط فيه الخراج بالقدرة على الدفع فحلل العوامل الاقتصادية المؤثرة في زيادة طاقة الأرض أو نقصانها وبالتالي زيادة الخراج ونقصانه وذلك بما يأتي:
1-   ما يختص بالأرض من إذ تختلف إنتاجية الأرض تبعا لتباين الخصوبة.
2-   ما يختص بالزرع وأنواعه ، وبالتالي تختلف طاقة الأرض تبعا لاختلاف دخل المزارع، فمن الطبيعي أن يزداد الخراج مع زيادة الثمن والدخل الزراعي ويقل مع انخفاضهما.
3-   ما يختص بالسقي والشرب، فما ترتب على سقيه مؤنة لا يحتمل من الخراج ما يتحمله وما يترتب على سقيه ومؤونته.
وهنا ربما ابتكر الماوردي ذلك قياسا على تباين مقادير زكاة الزروع تبعا لتباين كلف سقيها، بل إن الماوردي ذهب أبعد من ذلك ففصل قضية السقي وقسمها على أربعة أقسام  :
  1. 1.   ما سقاه الآدميون بغير آلة سيحا، وهو أوفر المياه وأقلها كلفة.
  2. 2.   ما سقاه الآدميون بآلة، وهو أكثر المياه مؤونة وأشقها عملا.
  3. 3.   ما سقته السماء بمطر أو ثلج ويسمى بالعذب.
  4. 4.   ما سقته الأرض بندواتها وما استكن من الماء في قرارها ويسمى البعل.
والمهم في ذلك تأكيد الماوردي على ربط ارتفاع أثمان المحاصيل المزروعة فيها وانخفاض تكاليف السقي، وتؤدي إلى ارتفاع طاقة الأرض على التحمل، فتوفر إمكانية زيادة الخراج والعكس بالعكس، فإن الخراج طاقة الأرض وذلك ما كشف عن أصالة الفكر الاقتصادي عند الماوردي: ((وإذا استقر الأمر على ما ذكرناه فلا بد لواضع الخراج من اعتبار ما وضعناه من الأوجه الثلاثة… ليعلم قدر ما تحتمله الأرض من الخراج، فيقصد العدل فيها فيما بين أهلها وبين أهل الفيء من غير زيادة تجحف بأهل الخراج – المكلفين- ولا نقصان يضر بأهل الفيء)) .
    وأضاف الماوردي  عاملاً رابعاً مؤثراً في الخراج ذلك هو القرب والبعد من الأسواق ، إذ يؤثر ذلك البعد أو القرب في أثمان المحاصيل جراء التباين في كلف النقل.
        والماوردي يرى أثر هذا العامل في حالة كون الخراج ورقاً نقداً, ولا يؤثر في حالة كون الخراج عيناً, وربط بين الخراج وعمارة الأرض, فأكد على ضرورة أن يترك واضع الخراج لأرباب الأرض بقية يجبرون بها النوائب, مما يؤدي إلى استمرار عمارة الأرض ، وذلك واضح فيما نقله عن عبد الملك بن مروان(26 هـ – 86 هـ / 646 – 705م)   ,في كتابه الى الحجاج(40 هـ/660 م – 95 هـ/714 م)   , الذي جاء فيها الحرص الشديد على الأموال الخراجية , فالدرهم غير المقبوض , هو أيضا للدولة إنما هو متروك للزارع ,كي يمارس عملية الاستثمار الزراعي، وأشار الماوردي إلى أن للخراج أنظمة ثلاثة، وهي :
  1. 1.   إن يوضع على كسائح الأرض. وهنا يكون معتبرا بالسنة الهلالية.
  2. 2.   إن يوضع على كسائح الزرع، وهناك يكون معتبرا بالسنة الشمسية.
  3. 3.   إن يجعله مقاسمة وهنا يكن معتبرا بكمال الزرع وتصفيته.
     وإن وضع الخراج انطلاقا من العوامل المذكورة سابقا فإنه يبقى دون زيادة ولا نقص طالما بقيت العوامل ثابتة أي طالما بقيت الأرض على حالها وسعيها ومصالحها وطاقتها، أما إذا تغيرت طاقة الأرض في سعيها ومصالحها إلى زيادة أو نقصان فيراعي ملاحظة أن يكون على أحد شكلين:
‌ أن تكون الزيادة أو النقص بسبب المزارعين، فلا يزداد الخراج ولا ينقص بل يبقى الخراج على حاله من ذلك نفهم كيف أن الماوردي عند الخراج ضابط إيجابيا للتنمية الزراعية، حسب قوله: ((ويؤخذ بالعمارة لئلا يستخدم خراجها فيعطل))  .
إن يكون حدوث ذلك من غير جهتهم، فيجب، على الإمام العمل من الأموال المتحصلة، والا فالخراج ساقط عنهم إذا عدم الانتفاع بها وان أمكن الانتفاع بها في غير الزراعة استأنف وضع الخراج بحسب ما تحتمله، أما الزيادة فيها فإذا كانت دائمة راعي الإمام فيها المصلحة لأرباب الضياع أهل الفيء، العمل بالزيادة أو الترك بما يكون عدل بين الفريقين، ومن ذلك نفهم أنه يراعي مصلحة أهل الفيء بتوفير الحصيلة المالية ومصلحة أهل الخراج بعمارة الأرض، ورائدة في ذلك تحقيق العدالة بين الفريقين، وبذلك فإن الخراج عند الماوردي ارتبط بالتمكن من الانتفاع ((وخراج الأرض إذا أمكن زرعها مأخوذا منها وإن لم تزرع)) , وهذا مما يجعل من الفريضة المالية عاملا إيجابيا لزراعة الأرض وتحقيق التنمية الزراعية وهذا مما يبرز مبدأ العدالة مع كافة رعايا الدولة الإسلامية لأن الأصل في أرض الخراج أنها تستغل من قبل المسلمين.

شارك هذا الموضوع: