الخطط الصناعية ومتطلباتها الأساسية
م.د الاء حسين الخفاجي
أشرنا سابقا إلى أن التخطيط الصناعي يعتمد على النظام الاقتصادي المتبع في الدولة. ففي الدول ذات النظم الاقتصادية المستندة على آلية السوق يكون التخطيط الصناعي تأشيرياً، لذلك فإن الخطة الصناعية على المستوى القومي تكون تأشيرية فقط ذات مؤشرات اقتصادية عامة وغير ملزمة للشركات الصناعية. وعلى الرغم من ذلك فإن الشركات الصناعية والوحدات الإنتاجية التابعة لها تضع خططها الاستثمارية والإنتاجية بكل دقة وشمولية استناداً إلى دراسات السوق معتمدة على بيانات إحصائية تفصيلية، وتكون أهدافها ملزمة لإدارتها، ويتم تقييم كفاءة أداء تلك الإدارات بموجبها في الاجتماعات السنوية للهيئات العمومية لتلك الشركات. وفي كثير من الأحيان تأخذ خطط الشركات الصناعية بنظر الاعتبار ببعض التوجيهات الواردة في خطة الدولة.
أما في النظم الاقتصادية التي تتبع أساليب التخطيط المركزي الشامل، فإن الخطة الصناعية المركزية تكون عادة شاملة وذات مؤشرات كمية لكافة الفروع الصناعية والمختلف الجوانب الاستثمارية والإنتاجية والتسويقية والأيدي العاملة والتكاليف والأسعار والاستيرادات والصادرات وغيرها، وتكون مؤشراتها وأهدافها ملزمة لكافة الوحدات الإنتاجية بموجب القرارات الصادرة عن أجهزة التخطيط المركزية.
وبالنسبة للخطط الصناعية في الدول النامية، فتكون عادة مزيجاً من بعض الأهداف الملزمة والمؤشرات التوجيهية العامة. وفي كل الأحوال يجب أن تتضمن البيانات التفصيلية على المستوى الاقتصادي الكلي والقطاعي وعلى مستوى المشاريع أيضاً في كثير من الحالات.
ولابد لأي خطة تنموية أن تتضمن ستراتيجية شاملة للتصنيع، حيث أن ذلك سيوفر القاعدة الأساسية لتخطيط البرامج الصناعية القطاعية وتحديد المشاريع المدرجة فيها، وفي كثير من الأحيان، نرى أن بعض الخطط تفتقر إلى مثل تلك الستراتيجية مما يجعل الخطط الصناعية المنبثقة عنها، ما هي إلا مجموعة متناثرة من المشروعات الصناعية الفردية ذات استثمارات غير مترابطة. وحتى المشروعات الفردية المدرجة فيها، والتي قد تكون مشروعات جيدة بحد ذاتها، كل على انفراد، إلا أنها يمكن أن تفشل بعد إنجازها، بسبب غياب التنسيق والتكامل بين مدخلاتها من مواد أولية ومستلزمات تشغيلية تكميلية، وبينها وبين البني الارتكازية التي تحتاج إليها، وكذلك الحال بالنسبة لتخصيصات العملة الأجنبية والتمويل المطلوب لها، وكلها مستلزمات يمكن أن توفرها الخطة الصناعية، إذا ما تم إعدادها بشكل جيد.
ومن المتطلبات الأساسية التي تحتاجها الخطة الجيدة هي الأخذ بالاعتبار، وبصورة منظمة الفعاليات الاقتصادية المتوافقة مع بعضها، وخاصة الترابطات التشابكية بين الفروع الصناعية. ومن المتطلبات الأساسية الأخرى هي ضرورة حصول تناغم وتناسق بين مكونات الخطة الصناعية نفسها، فمن الضروري تجنب التناقضات التي قد تتواجد بين الأهداف المختلفة مع بعضها، أو بين الوسائل المستخدمة في الخطة، وكذلك التناقضات بين الفترات الزمنية للخطة، أو على الأقل محاولة التوفيق بين تلك المكونات قدر الإمكان. فقد تحدد الخطة أهدافا واضحة ومحددة كأن يكون التوسع في استخدام الأيدي العاملة (تعظيم الاستخدام) من جهة، وزيادة كمية الإنتاج بشكل كبير تعظيم الإنتاج، من جهة أخرى، ولأن الإنتاجية الإجمالية في الصناعات كثيفة رأس المال عادة ما تكون أعلى مما هي عليه في الصناعات كثيفة العمل، يصبح من المستحيل تحقق أهداف الخطة، تكون الهدفين المذكورين متناقضين مع بعضهما. لذلك فمن الضروري أن يتم تهيئة الخطة بحيث يمكن تحقيق توازن معقول بين الموارد المتاحة والأهداف الاقتصادية المطلوبة. إن ذلك سيشجع صانعي القرارات الاقتصادية، والمستثمرين الصناعيين بالتفكير على مسارات مماثلة. وأخيرا، فإن الخطة المعدة بصورة جيدة، يجب أن تقلل من احتمالات الغموض وعدم التأكد الاقتصادي فيها. إن مثل هذه
المتطلبات الأساسية ليست متطلبات مزاجية، أو غير متصلة بالاقتصاد، بل على العكس، هي ذات أهمية حاسمة لضمان نجاح الخطة في اقتصاد يتميز بتاريخ طويل من الركود ومستوى متدني من التوازن الاقتصادي، فإذا لم يتأكد المستثمرون والمنظمون بأن بعض المشروعات المدرجة في الخطة سيتم تنفيذها بجدية، وإن القوة الشرائية في البلد ستتوسع، وإن مشاريع البنى الارتكازية ستتحقق فعلا، فمن المحتمل ألا يقدمون على مشروعاتهم المقترحة حتى وإن كانت مربحة تجارياً وذات جدوى للاقتصاد الوطني، وبناء عليه يكون هنالك حاجة ماسة التوفير برنامج فعال للمعلومات بحيث يتوفر للأفراد الذين يقومون بصنع القرارات الاقتصادية في البلد صورة واضحة ودقيقة عن الأهداف المقررة مع ضمان كاف للإجراءات التكميلية والفعالة اللازمة لتحقيقها .
ولابد للخطة الصناعية أن تتضمن إضافة إلى الأهداف، تفاصيل الموارد اللازمة لتحقيق تلك الأهداف مع تحديد الأساليب الضرورية لضمان تنفيذ المشروعات المدرجة فيها. ولابد هنا من التوافق بين الموارد والإمكانات المتاحة من جهة، والأهداف المطلوبة في الخطة، من جهة أخرى، كما يجب أن تتضمن الخطة الفترة الزمنية المعقولة لتنفيذها، فلكل دورة تخطيطية قصيرة أو متوسطة أو طويلة الأمد، متطلباتها من حيث الأهداف والأساليب والمستلزمات.