د. مروه مكي جعفر كلية التربية للعلوم الانسانية/ قسم التاريخ
نتيجة لسياسات الامويين التعسفية تجاه البلدان المفتوحة فقد ساعد هذا الأمر على وجود بيئة خصبة لنمو المعارضة للحكم الاموي ومن هذه الافكار التي سرت في بلاد المغرب هي الدعوة الإباضية الخارجية، التي أقبل عليها العامة في بلاد المغرب، بعد ان وجدوا في مثل هذه الدعوات طريقاً للتحرر من سيطرة الدولة وتكوين دويلات مستقلة خارجة عن سلطتها.
وذي بدأ نعرض للإباضيةفي بداية نشأتها في المشرق وتحديدا في العراق إذ أن عملها في ظل الحكم الاموي كان يكتنفه السرية والغموض لتفادي بطش السلطة خصوصا وانهم عاصروا بطش الامويين بفرق الخوارجعلى يد الوالي زياد بن ابيهوابنه عبيد الله، لذا من الصعب تحديد نشاطهم بصورة دقيقة إلا أن اغلب المصادر تنسبه إلى جابر بن زيد، واكتسب تسميته من عبد الله بن إباضالذي تنسب اليه، على الرغم من ان اغلب المصادر الاباضية تنسبه الى جابر بن زيد، الذي يمكن ان نقول انه كان المنظر للمذهب الاباضي وعبد الله بن اباض كان من يناقش ويناضر الفرق الاخرى.
واما عن نشاط جابر بن زيد في الدعوة الإباضية فأنه انتقل من عُمان الى البصرة التي كانت مركزا لنشاطه وبرز بشكل كبير ايام الحجاج بن يوسف الثقفيوعرض عليه القضاء فاعتذر، وكان من ابرز تلاميذ ابو الشعثاء جابر بن زيد في البصرة، هو ابو عبيدة مسلم بن ابي كريمة، الذي تولى الدعوة الاباضية عقب وفاة ابو الشعثاء ونشر دعاته في الامصار الاسلامية، وذكر أنه اتبع منهج السرية لاعداد الدعاة ويطلق عليها مرحلة الكتمان، وفيها يعملون لحين مرحلة الظهور، ويعد ابو عبيد المؤسس الحقيقي للحركة الاباضية التي نتج عنها تكوين امارتان واحدة في المشرق واخرى في بلاد المغرببفضل حنكته وسياسته القائمة على الكتمان لحين مجئ الوقت المناسب للظهور.
ومن أبرز دعاة ابو عبيدة في بلاد المغرب هو سلمة بن سعدإذ إنه أول من وطأ ارض المغرب من الإباضية في بداية القرن الثاني للهجرة ، ويظهر أن نشاط سلمة بن سعد وتحمسه الشديد للإباضية أثمر عن تكوين قاعدة جماهيرية له في بلاد المغرب، ويمكن القول ان ما دفع الدعاة الإباضية الى بث دعوتهم في بلاد المغرب، وذلك لانها بعيدة عن مركز السلطة الاموية في المشرق، وكذلك لأن أهلها كانوا يقاومون الولاة بشدة، فاستطاعوا أن يجدوا فيها تربة خصبة لبث افكارهم.
ونظرا للاقبال الذي ناله سلمة بن سعد من عامة أهل المغرب، فانه قام بانتداب مجموعة من الطلبة البارزين في مجالسه، واطلق عليهم تسمية “الخمسة النفر حملة العلم إلى أرض المغرب”، وأرسلهم إلى مركز الإباضية في البصرة لتلقي العلوم على يد استاذه ابي عبيدة مسلم بن ابي كريمة، وكانت المجالس تعقد بسرية تامة ويطلق عليها اسم حلقة واستمروا هناك لمدة خمس سنوات، ويغلب الظن انهم كانوا يجتمعون في السراديب ولزيادة الامان كانوا يجلسون أحد افرادهم على باب السردب ينبههم بتحريك السلاسل فيسمعون اصواتها ويتوقفون عن العلم ويشتغلون بالقفاف مهنة استاذهم ابي عبيدة.
وعند مراجع اسماء حملة العلم نرى انهم من خلفيات اجتماعية وقبيلية مختلفة فمنهم من العرب وهو ابو الخطاب عبد الاعلى بن السمح المعافري، ومنهم من الفرس وهو عبد الرحمن بن رستم، ومنهم من البربر وهم عاصم بن جميل السدراتي، واسماعيل بن درار الغدامسي، وابو داوود النفزاوي، وهذا الامر يدل على مدى استقطاب الاباضية لشرائح وخلفيات متباينة من المجتمع،
وكان لهؤلاء الدعاة أثر كبير في نشر المذهب الاباضي في المغربين الادنى والاوسط، ومما يجدر ذكره أن ابا عبيدة اشار على حملة العلم الى المغرب بتولية ابي الخطاب امامة الظهور وابن درار القضاء.
ويمكن القول إن السبب الرئيس الذي ساعد الدعوة الاباضية بالنجاح في بلاد المغرب هي الظروف التي كانت تمر بها المنطقة من صراعات بين الولاة الامويين، وسياستهم التعسفية مع عامة الناس في بلاد المغرب، وكذلك اسلوب اللين وجذب قلوب عامة الناس الذي امتاز به دعاة الاباضية، فضلا عن ذلك نسج احاديث عنالنبي محمد(صلَى الله عليه وآله وسلم) تمجد من دور البربر في احياء الاسلام وشريعته التي ماتت على يد الولاة الامويين، ومن هذه الاحاديث: “قوم يحيون دين الله بعد ان يموت، ويجددونه بعد اذ يبلى” ، وكان هذا الاسلوب لجذب عامة الناس لمذهبهم عن طريق احاديث نبوية ويبدو أن هذه الدعوة في ظاهرها مهادنة وركون لعدم اثارة انتباه السلطات الحاكمة وباطنها تهيئة المجتمع لثورة حقيقة على الحكام الجائرين، مستغلين مسالة الدعوة إلى المساواة بين الناس والرجوع الى الاسلام الحقيقي ونسج احاديث وروايات عن النبي محمد (صلَى الله عليه وآله وسلم) تمجد من دورهم في اعادة احياء السنة النبوية جعلهم يتمكنون من تكوين قاعدة جماهيرية منظمة اعدت لمرحلة الظهور والقيام بالثورات ضد الولاة الامويين ومن ثم العباسيين.
المصادر والمراجع:
الاشعري، أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إسحاق، ت: 324هـ/ 935م، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، تصحيح: هلموت ريتر، ط3، دار فرانز شتايز، المانيا، 1980 م.
الشهرستاني، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبى بكر أحمد ، ت: 548ه/ 1153م، الملل والنحل، مؤسسة الحلبي، د.م، د.ت.
يحيى، احمد، ت: 325ه/936م، الخوارج طليعة التكفير في الاسلام (رسالة الرد على مسائل الاباضية) تحقيق: امام حنفي سيد عبد الله، دار الافاق العربية، القاهرة، 2002.
معمر، علي يحيى، الإباضية في موكب التاريخ، مراجعة: سليمان ابراهيم بابيز،ط3، مكتبة الضامري، سلطنة عُمان، 2008.