صفية كاظم محمد- طالبة دكتوراه في اللغة العربية/ اللغة
لا يخفى على من تتبع سيرة د. خديجة (ره) العلمية، أنّها شغُفت بالعلم منذ صغرها، وسعت إلى طلبه، وتكلّل سعيها بعدّها أول امرأة في الوطن العربي تختص بعلم الصرف، وتتفوق فيه.
تعرض النحو على مدى تأريخه الطويل إلى محاولات تيسيرية قديمًا وحديثًا، وقام بها علماء أجلّاء هدفوا إلى تيسير النحو وتبسيطه للمتعلمين، إذ تنبهوا إلى ذلك وسعوا إلى تبسيط المادة النحوية.ويُعدّ تيسر النحو من أهم القضايا التي شغلت عقول العلماء والباحثين قديمًا وحديثًا، إذ ارتبطت هذه القضية بموضوع نشأة النحو العربي ووجوده ارتباطًا وثيقًا. ولعل أول محاولة تيسيرية كانت في القرن السادس الهجري على يد ابن مضاء القرطبي (ت 592ه) في كتابه (الرّد على النحاة)، الذي دعا فيه إلى إلغاء نظرية العامل والعلل الثواني والثوالث، وتتالت الدعوات بعدها، واستمرت حتى عصرنا الحاضر، ولقد وجدت هذه الدعوة صدى لدى مجموعة من اللغويين المعاصرين أمثال د. إبراهيم مصطفى في كتابه (إحياء النحو)، ود. شوقي ضيف في كتابه (تجديد النحو).
ترى د. خديجة أنّ القدماء لم يتعرضوا لقضية العامل، والقياس، وابواب النحو، بل تعرضوا إلى المادة النحوية في المختصرات، وهذا برأيها ليس من التيسير في شيء، معللة ذلك بقولها: ” إنّ هذه المختصرات هي كتب تعليمية وليست تيسيرية لأنّها اعتمدت تعليلات، وتقديرات لا يُحتاج إليها، وجدل منطقي نقلوه من الدراسات الفقهية، والمنطقية، والفلسفية، ولا سيما في تناولهم أصول النحو العربي”.
وهي ترى أنّ هذا ما لا يحتاجه المتعلم في النطق، وضربت لذلك مثالًا وهو اختلاف النحويين في علامة رفع الأسماء الستة، أ هي الواو؟ أم الضمّة؟ أم الواو والضمّة؟ أم الضمّة المقدرة على الواو؟ فهذه الأشياء وأمثالها في الجدل والتعقيد للدراسة النحوية لا يفيدنا نطقًا. فالتيسير عندها يمس النطق وهو ما يفيد المتكلم، أمّا الخلافات النحوية والجدل الدائر بين مس قضية النطق وهو ما يفيد المتكلم، وما حول العلماء قسم من المسائل النحوية فهو من الجدل العقيم الذي لا طائل من وراءه.
وعرّفت د. خديجة تيسير النحو ” بأنّه اتباع الطرق الحديثة في تدريس النحو التي تفسر وتعدد وتمثل وتعلل كل حكم من أحكام النحو لتبين غرض المتكلم منه، ويربط اللفظ المنطوق بالمعنى المراد”. وفي موضع آخر عرّفته قائلة: “إنّه عرض للمادة النحوية عرضًا مشوقًا يشدّ المتعلم، ويرغبه في فهم أساليب لغته وتذوقها وإيضاح العلاقات اللغوية والمعاني التي تقيدها التراكيب على اختلاف الأبواب النحوية، فضلّا عن العناية بالشواهد الرفيعة التي تنمي الذوق، والأمثلة التي تعبر عن واقع المتكلمين”.
كان لدعوة ابن مضاء تأثير واضح على محاولات التيسير الحديثة، إذ ظهرت ثلاثة اتجاهات عند المعاصرين في مفهومهم لقضية التيسير النحوي:
الأول: يدعو إلى اتباع وسيلة ممكنة لتيسير النحو، ويضم هذا الاتجاه أكثر الباحثين الداعين للتيسير على اختلاف آرائهم.
الثاني: يدعو أصحابه إلى إلغاء النحو العربي بشكل كامل، ووضع قواعد للعربية العامية يدرسها الطلاب في كل أنحاء الوطن العربي، وهذه دعوة خطيرة جدًا.
الثالث: يدعو إلى التمسك بما جاء به الأولون من النحاة، إذ ليس بالإمكان أن يكون النحو ابدع ممّا جاء به الأوائل، وأنّ العودة إلى كتبهم هو المنهج الصحيح؛ لأنّ كل محاولات التيسير ابتداءًا من ابن مضاء إلى العصر الحديث لم تأتِ بجديد.
ونلحظ أنّ د. خديجة من أنصار الاتجاه الثالث الذي يدعو إلى المحافظ على أصول وقواعد النحو العربي التي وضعها علماء العربية، فهي ترى أنّ النحويين بعقلهم ومتابعتهم للأساليب العربية الفصيحة، ووضع التسميات والأبواب لكل ظاهرة يلاحظونها، لهي ثروة عظيمة فيها المعالم الواضحة لمن يريد أن ينحو نحو أسلوب الكتاب العزيز، ونحو العرب الفصحاء فيما تكلموا به، وما يصح فيها من تقديم وتأخير، وفصل ووصل، وذكر وحذف، وإعراب وبناء، وإظهار وإضمار، ليكون المتعلم والمتكلم بمنجاة من الخطأ والزلل واللحن. وهذه الأمور لا تصعّب النحو ولا تجعله عسيرًا على المتعلم، بل على العكس من ذلك فإنّ تركها وإهمالها تجعل العربية ليس لها معنى وعقيمة؛ لذلك نجد د. خديجة تدعو إلى الاهتمام بتدريس النحو، وأن يكون معلمه قادرًا على أن يفسر ويعلل لطلبته الأصول والقواعد؛ لأنّها تسهل عليهم الدراسة وتحببها إلى نفوسهم. ورافضة المحاولات التيسيرية النحوية الحديثة التي تفضي إلى إلغاء بعض الموضوعات من النحو، أو دمج موضوعات بأخرى، وترى أنّ التيسير في النحو يكون عن طريق اتباع الأساليب العلمية البسيطة الميسرة في تدريس هذه المادة والتي تقرب للقارئ المعلومة النحوية وتحبب إليه دراسة النحو.
روافد البحث:
إحياء النحو، د. إبراهيم مصطفى، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، ط1، 1959م.
تجديد النحو، د. شوقي ضيف، دار المعارف- القاهرة، (د- ت).
خديجة الحديثي وجهودها النحوية، رسالة ماجستير تقدمت بها: أمل صالح مهدي إلى مجلس كلية التربية- جامعة تكريت، بإشراف د. جمعة حسين محمد، 1423ه- 2003م. متضمنة مقابلة شخصية مع رسائل شخصية من د. خديجة الحديثي.
الرد على النحاة، أحمد بن عبد الرحمن بن مضاء القرطبي اللخمي (ت 592ه)، تح: د. محمد إبراهيم البنا، دار الاعتصام، ط1، 1399ه- 1979م.
الدور اللغوي للمرأة في العراق، د. مؤيد عبد الجبار خضير، مجلة التراث العلمي العربي، العدد الثالث، 2017م، (خديجة الحديثي انموذجًا).
الكتاب، عمرو بن عثمان بن قنبر، سيبويه (ت 180ه)، تح: عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي- مصر، ط3، 1408ه- 1988م.
في النحو العربي نقد وتوجيه، د. مهدي المخزومي، البابي الحلبي، ط1، 1966م.