الدكتور : آلان دونو ونظرته إلى الجامعات
من خلال كتابه نظام التفاهة .
أ.د. عباس التميمي
قبل الولوج في مسارات هذا الموضوع وضع الدكتور : آلان دونو ثلاث محاور أرتكز عليها في الدخول لتحليل عصارة ما توصل إليه وتتمثل بالأتية
1 – لغة خطاب التفاهة
على خلاف ما تقومنا النظم الأيديولوجية، فإن السلبية قيمة، تدفع التعاليم الأيديولوجية الناس دفعاً إلى اتخاذ موقفي ما نحو المناطق الفكرية الخلاقية. فتحتهم إما على تكوين راي جديد او اعتناق رأي مالك، مع التعبير السياسي الواضح عن ذلك من خلال النقاش / الكتابة / التظاهر / الاقتراب / الاعتراض / الاعتصام) , ولكن هذه الأب بداء ويات ناسی ارشناسي – أن قدرات النابي محدودة، ا يا الاداء الدية) وإذا إعداداً ( جهل معرفي) وإذا كسلاً (القاصي) رانا نارا (صحاب الشخصية) وإذا حرفاً (حلية الانتقام إن المهارة الأولية التي ايلي الجليدها المنام لیست نهاره احتمال الراقي، إلى مهارة .
– استنافية : أي القدرة على تراد مسافرين النفس والرأي، مع معاوية إفراء الانتماء إلى معسكر فكري رغم عدم القدرة على النحاة القرار.
– أداة لغوية هامة هي اللغة الخشبية langue de bois التي يتحدث عنها المؤلف في بعض مواضع الكتاب، وهو يشير بذلك إلى اللغة الجوفاء المحملة بالحقائق والتأكيدات التوتولوجية Tautology، أي النطق بتحصيل الحاصل الذي يقوم على الحشو أو مجرد التكرار بألفاظ مختلفة، وكان في الأمر قضية جديدة تدفع بمعرفتنا إلى الأمام، رغم أنه لا يضيف عما هو معروف عن الشيء أساساً، بما يعني أنها محض الفاظ زائدة على أصل المعنى من دون فائدة بذلك .
فالمقصود بهذه اللغة هو الخطاب الأجوف الصالح لكل زمان ومكان، الذي هو في حقيقته من لا يحذقه – عكس ما يظن – إلا قلة من الناس» .
محور الأهم فيما نسعى إليه وهو نظرته الفكرية للجامعة في ضوء التطورات والثورات التكنولوجية جاء فيه :
يتحدث المؤلف، باستفاضة عن الأحوال المؤسفة للجامعات في زمننا هذا. والحقيقة أن كثيراً مما يناقشه هي أمور تعرفها جامعاتنا العربية، وأكثر، ولعلنا نزيد على ما ذكر ظاهرة طلب العلم لأغراض المظهر الاجتماعي، لا طلباً للحكمة العالية. وبما يذكر بظاهرة الهوس بالحصول على الشهادات العلمية العالية من ماجستير ودكتوراه لأغراض الظهور الاجتماعي وحده، كتب الجغرافي والمؤرخ العثماني حاجي خليفة المعروف بكاتب جلبي الذي عاش في القرن السابع عشر الميلادي، والمعروف كأبرز كاتب موسوعي بين أقرانه العثمانيين …. ومنها أن يقصد بالعلم غير غايته، كمن يتعلم علماً للمال أو الجاه، فالعلوم ليس الغرض منها الاكتساب، بل الاطلاع على الحقائق، وتهذيب الأخلاق على أنه من تعلم علماً للاحتراف لم يأت عالماً، إنما جاء شبيهاً للعلماء. ولقد كوشف علماء ما وراء النهر بهذا الأمر ونطقوا به لما بلغهم بناء المدارس ببغداد، فأقاموا مأتم العلم، وقالوا : كان يشتغل به أرباب الهمم العالية، والأنفس الزكية، الذين يقصدون العلم لشرفه، والكمال به، فيأتون علماء ينفع بهم ويعلمهم، وإذا صار عليه أجرة تداني إليه الأحساء وأرباب الكل، فيكون سبباً لارتفاعهم.
ولكن أبرز ما ناقشه المؤلف في كتابه هذا هو مسألة تسليع المعرفة الأكاديمية وبيعها للجهات الممولة للجامعات من خلال سلسلة تبدأ أولى حلقاتها في سعي الأستاذ الجامعي للحصول على المنح من هذه الجهات الممولة. وهكذا، ينحدر العمل بالجامعة إلى درك التفاهة، فتتحول فيه من منتج للمعرفة إلى تاجر فيها، يعمل في وسط من الاعتبارات الكمية والقيم الزبانية .
ولعل استنتاج ماكس فيبر Max Weber يصل إلى نفس النتيجة عندما يناقش الجامعة، فالتفاهة فيها أصبحت دارجة إلى درجة أن الخيارات المؤسسية صارت تقع ضمن محيط كل من الحظ والصدقة العشوائيين. وهذه الأيام، وجد أسلوب المخاطر طريقه إلى الإدارة وصار يلعب دوراً رئيسياً فيها، إذ يجادل فيير Weber إنه ليس من العدالة أن تساءل القصور الشخصي لأعضاء هيئة التدريس أو لوزارات التربية فنجعلهم مسؤولين عن حقيقة أن هناك تفاهات عديدة تلعب دوراً مؤثراً في الجامعات. إن شيوع التفاهة إنما يُعزى إلى قوانين التعامل البشري، لا سيما تعامل عدة أطراف معاً […]، كما ذكر في كتابه العلم بوصفه حرفة Science as a vocation)) الذي نشر عام 1919 .
ن تحليل فيبر Weber هذا ما زال يثبت صحة حتى اليوم، فأسلوب الإدارة بالمخاطر ما زال مسيطراً على المؤسسة، فالباحث المقاد بشغف مسيطر، حلمي قوي، خيال متملك وفهم لطبيعة العمل لن يكون بوسعه النجاح إلا إذا حصل على منحة تمكنه من المناورة وسط التعقيدات المؤسسية، حيث تكون السيادة للمعايير الكمية واعتبارات الرعاية، إن هذه لا تعدو أن تكون بعضاً فقط من الظروف الخارجية لمهنة الرجل الأكاديمي، وفقاً لتعبير فيبر Weber .
أما عن المبالغة في الإكثار من خلق التخصصات الجامعية الدقيقة، فهذه أيضاً يرى فيها المؤلف سبباً آخر للتفاهة، فالجامعات الآن تسطح المعارف من خلال اهتمامها بتعميقها بدلاً من توسعتها، فلا تعنى – في معرض تدريس العلوم الموضوعية – بترسيخ القيم العلمية في طلبتها من تفكير نقدي والوقوف على العلاقات بين الموضوعات المتفرقة والفضول المعرفي، وغيرها .
والحقيقة هي أن هذه مادة للتفكير فعلاً، إذ ما هو التحدي العلمي الأعظم: أن تحفر، عميقاً، في تربة علمك الدقيق، مثل قندس – فلا ترى إلا جزيئاته . لتخصص؟ أم أن تحلق عالياً، في سماء مجاله الأرحب، مثل نسر يُشرف على المشهد بأكمله – على أن تفوتك منه دقائقه – لتغليف.