تمتاز المجتمعات المتقدمة بتوفر البيئة المشجعة على الإنجاز، وتنبع عناصر التشجيع من العائلة أولاً، بأن تربي أبنائها على روحية الانجاز والإبداع والتطوير، ويأتي بعدها دور مناهج التعليم، وأخيرا المجتمع الذي يشجع المنتجين والعاملين. فلا يمكن لأمة أن تنهض، وتتقدم وتزدهر إلا إذا كان العلم هو المحرك لفكرها، وثقافتها، والمعبر عن تطلعاتها وآمالها ومستقبلها، فبالعلم النافع تقوى وترقى الأمم، وتغدو منارة وانموذجاً يحتذى، قال الله تعالى: ﴿أَفَمَن یَعۡلَمُ أَنَّمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ كَمَنۡ هُوَ أَعۡمَىى إِنَّمَا یَتَذَكَّرُ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ﴾()والحق الذي أنزله الله تعالى على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) حض على العلم، وأعلى من قدر أهله فأي شيء أجل وأعظم من الإشادة بأهل العلم في قول الله تعالى: ﴿شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ وَأُو۟لُوا۟ ٱلۡعِلۡمِ قَاۤىِٕمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ﴾()، أي شيء ابلغ في إثارة الفكر، والترغيب في استكشاف ما في الكون من آيات، والوقوف على ما بها من أسرار، ثم بيان أن أهل الخشية الحقيقية لله تعالى هم المتأثرون بهذه الآيات، والواقفون على ما بها من شواهد على قدرة الله تعالى وحكمته.
الدوافع لغة:
(( ” دفع” الدال والفاء والعين أصل واحد مشهور، يدل على تنحية الشيء، يقال دفعت الشيء أدفعه دفعا، ودافع الله عنه السوء دفاعا، والمدفع: الفقير; لأن هذا يدافعه عند سؤاله إلى ذلك ))()، والدَفعَةُ بالفتح ، ما دفعته بيدك، المرة الواحدة().
وجاء في لسان العرب: (( الدوافع أسافل الميث حيث تدفع في الأودية، أسفل كل ميثاء دافعة، وقال الأصمعي: الدوافع مدافع الماء إلى الميث، والميث تدفع إلى الوادي الأعظم)) () .
الدوافع اصطلاحا:
ان الدافع هو سعي الانسان لان يتحرك وان يفعل فعلا معينا لنيل غايته، ومعنى هذا ان الانسان يستطيع ان يفعل كثر مما يقوم به فعلا لأنه يميل دائما الى ان يبذل مجهودا اقل مما يتوفر لديه،وتعتبر الدوافع من المؤثرات الأساسية التي تلعب دوراً هاماً وحيوياً في سلوك الأفراد، ومن خلالها يمكن خلق الرغبة لديهم في الأداء()، كما عُرف الدافع على انه الرغبة في القيام بالمهمة من اجل المهمة ذاتها().
أنواع الدوافع:
تعددت انواع الدوافع لأسباب كثيرة منها: ان الدافع الواحد يؤدي الى صور من السلوك، تختلف باختلاف الافراد، وان الدافع الواحد قد يؤدي الى صور مختلفة من السلوك لدى الفرد نفسه باختلاف الزمان والمكان، وان السلوك الواحد قد يصدر عنه دوافع مختلفة، وان السلوك الانساني غالبا ما يكون نتيجة لتدخل افع من الدوافع، وهناك نوعان رئيسان للدوافع هما:
الدوافع الفطرية :
هي تلك الدوافع التي لم يكتسبها الفرد من بيئته عن طريق الخبرة والمران والتعلم، وانما هي عبارة عن استعداد يولد الفرد مزودا به()، قال تعالى: { فِطْرت اللهِ التِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيهَا }()، ومن هذه الدوافع افع الجوع والعطش.
الدوافع المكتسبة:
يقصد بها تلك الدوافع التي يكتسبها الأنسان من البيئة من خلال التفاعل بين الأنسان وبيئته التي يعيش فيها، فمثلا دوافع الحب والحنان لها جذور عميقة في حياة الانسان، فالوليد البشري يولد عاجزا عن التكيف بنفسه مع البيئة الاجتماعية او الطبيعية التي يعيشها، لذلك يوصي القرآن بإتمام الرضاعة عامين كاملين تاكيدا لاشباع دافع الحب والحنان للطفل الرضيع().
أهمية الدوافع:
تساعد الانسان على زيادة معرفته بنفسه وبغيره, وتدفعه إلى التصرف بما تقتضيه الظروف والمواقف المختلفة.
تجعل الفرد أكثر قدرة على تفسير تصرفات الآخرين, فالأم في المنزل والمربية في المدرسة مثلاً ترى في مشاكسة الأطفال سلوكاً قائماً على الرفض وعدم الطاعة, ولكنها أذا عرفت ما يكمن وراء هذا السلوم من حاجة إلى العطف وجذب الانتباه فإن هذه المعرفة ستساعدها على فهم سلوك أطفالها.
تساعد الدوافع على التنبؤ بالسلوم الإنساني إذا عرفت دوافعه, وبالتالي يمكن توجيه سلوكه إلى وجهات معينة تدور في إطار صالحه وصالح المجتمع.
لا تقتصر أهمية الدوافع على توجيه السلوك بل تلعب دوراً مهماً في بعض الميادين: ميدان التربية والتعليم والصناعة والقانون فمثلاً في ميدان التربية تساعد على حفز دافعية التلاميذ نحو التعلم المثمر .
تلعب الدوافع دوراً مهماً في ميدان التوجه والعلاج النفسي لما لها أهمية من تفسير استجابات الأرفاد وأنماط سلوكهم ().