الدواوين في الدولة الفاطمية
د. مروه مكي جعفر        كلية التربية للعلوم الإنسانية/ قسم التاريخ
     تطور مفهوم الدواوين في البلاد الاسلامية بمرور الوقت، وكما هو معروف كان بداية استخدام الدواوين في خلافة عمر بن الخطاب، وتطور فيما بعد على عهد الدولة الاموية، و بعدها العباسية واستمد تطوره من الحضارات التي سبقته، وبالاخص البيزنطية والفارسية، وبالتالي فان ماشهدته مصر في عهد الفاطميين من تطور في الدواوين، ماهو الا استمرارًا للتطور الطبيعي للسياسات الدول على مرّ التاريخ.
     لم يعرف الفاطميين اغلب الدواوين خلال المدة التي قضوها في شمال افريقيا ، وان قسما كبيرا من الدواوين استحدث عند انتقالهم الى مصر، فنتظيم الدواوين يعود الى يعقوب بن كلس الوزير المحنك الذي نظمها بشكل دقيق وصارم.
   ويمكن ان القول ان الدواوين في العصر الفاطمي كانت متطورة فتارة تظهر لنا دواوين حسب الحاجة وتنتهي وتنزول بزوال الحاجة ولهناك دواوين شبه ثابته ومنها ديوان الجيش وديوان الخراج، ديوان البريد، ديوان الرسائل، ديوان النفقات وديوان الخاص، اما التي استحدثت فهي ديوان الكتاميين، وديوان دمشق او الشام، وديوان ام الخليفة المسنتصر، وديوان الزمام وديوان الاولياء الكبار وديوان الطحاوية او الظاهرية والديوان الفرحي، واغلب هذه الدواوين لا يتم ذكرها في عصر الدولة الفاطمية الأخير، فمن المرجح انها زالت بزوال السبب فمثلا ديوان الكتاميين تلاشى في بداية القرن الخامس الهجري، وديوان ام الخليفة المستنصر اندثر بتغير نساء القصر الفاطمي، وكذا ديوان الشام ودمشق انتهى بخروج الشام عن سيطرت الفاطميين سنة 468هـ.
    ومن اهم الدواوين في الدولة الفاطمية الذي تطور وتغير اسمه بمرور الوقت هو ديوان الرتيب او الترتيب واشهر من تولاه هو المؤرخ المسبحي في عهد الحاكم بامر الله (386-411هـ) ، عمل هذا الديوان هو التنسيق بين الدواوين الاخرى وعرف فيما بعد بديوان التحقيق واستحدث في عهد الوزير الأفضل سنة 501هـ،  وكان لا يتولاه الا كاتب خبير ويلحق بمتولي النظر.
    ويعد ديوان المجلس من اهم دواوين الدولة الفاطمية  وفيه علوم الدولة باجمعها ويسمى متوليه بصاحب ديوان المجلس ويشرف على اداراته المختلفة عدد من الكتاب لكل واحد منهم مجلس خاص، ويشرف على الانعامات والاعطيات ومنح الكسوات، وتسجيل مايرد من تحفيات، وهدايا الى الملوك والامراء، وضبط ما ينفق كل سنة لمعرفة مقدار التفاوت وكل هذا في دفتر المجلس، وكذلك من مهام هذا الديوان اعداد الميزانية العامة للدولة (الاستيمار) وتقدير نفقاتها.
    وكذلك من الدواوين المهمة ديوان النظر، وكان صاحبه يراس دواوين الاموال ، وكان له العزل والولاية، ويتولى عرض الاوراق على الخليفة او الوزير، ولم يكن يتولى هذا الديوان الا المسلمين ولكن تغيير الحال في اواخر الدولة الفاطمية وتحديدا سنة 530هـ، اذ تولى الاخرم النصراني هذا الديوان بالضمان في عهد الخليفة الحافظ لدين الله (524-544هـ) وظهر مفهوم جديد في الدولة وهي تضمين المناصب.
    فضلا عما سبق كان هناك ديوان يعرف بديوان الخاص يشرف على نفقات الخليفة والقصر وكان يجمع الى ديوان المجلس ويسمى(ديواني المجلس والخاص السعيدين) او (ديوان الخاص والمجلس) ، وكانت هذه الدواوين تنسب الى الخلفة الحاضر مثلا الديوان الخاص الامري وديوان المجلس الفائزي وديوان النظر الحافظي، وفي وقت استبداد الوزراء يسمى بهم مثل ديوان التحقيق الافضلي السعيد.
     اما ديوان الانشاء فهو مختص في المكاتبات والمراسلات وكان يتولاه كاتب الديوان ويسمى كاتب الدست الشريف وهناك من يقوم بتبيض الكتب الرسمية قبل ارسالها وهناك خازن لهذه الكتب والمراسلات ويرتبها.
وبالنسبة للديوان المسؤول عن الخراج فقد اعتنى به الفاطميون على اساس ان الاقتصاد عصب الحياة وكان له فروع في اقاليم الدولة المختلفة، وكان تقدير الخراج حسب نوع الارض وطريقة زرعها وسقيها تقدر القيمة المجبات على اساسها، وكان الخراج في مصر يجبى بالدينار المعزي بعدما كان يجبى قبل قدوم الفاطمين بالدينار الراضي، وبلغت قيمة الخراج سنة 360هـ باربعة ملايين دينار، وبالتاكيد فان قيمة الخراج تختلف من سنة الى اخرى تبعا لناتج الارض والعوامل الطبيعية.
    وكان هنالك ديوان للجزية تاخذ من اهل الذمة والجزية تفرض على الرؤوس والخراج على الارض وتفرض الجزية على البالغ العاقل والا تفرض على النساء والصبيان فضلا ان هناك اختلافات في قيمتها بين الاغنياء والفقراء كلا حسب دخله.
    اما الديوان الذي يعد من اهم الدواوين على الاطلاق فهو ديوان الجيش لان اعتماد الدولة وكيانها وبقاءها عليه بشكل اساسي، وقد اختص هذا الديوان بمعرفة احوال الاجناد من حيث اعدادهم واحوالهم الجسمية التي تميز كل جندي عمن سواه، وتعرف بـ(الحلا) ما شرح ما تحت يده من الخيول والبغال،  وهو مايعرف بـ(الشيات) ، وكان من مهام هذا الديوان صرف الاسلحة للجنود المنتسبين له واستبدال الاسلحة المستهلكة بالجديدة عن طريق خزائن الدولة التابعة لهذا الديوان.
     وكانت الدواوين في القصر الفاطمي في القاهرة الذي بناه جوهر الصقلي للخليفة المعز الفاطمي (341-365هـ) وبعد تولي العزيز (365-386) نقلت الدواوين الى قصر الوزير يعقوب بن كلس وبقيت فيه الى ان توفي سنه 380هـ ، فارجعوها الى القصر الخلافي في القاهرة، وفي خلافة الحاكم بامر الله (386- 411هـ) انتقلت الدواوين الى دار وزيره ابي الفتح مسعود بن الطاهر سنة 409هـ، وبعدها ارجعت الى القصر الخلافي، وعلى عهد الافضل بن امير الجيوش انتقلت الى قصر المعروف ببدر الملك في الفسطاط سنة 501هـ، وعند وفاته ارجعت سنه 515هـ الى القصر في القاهرة ، وبقيت فيه الى حين سقوطها على يد صلاح الدين الايوبي سنة 567هـ.
 
 
المصادر والمراجع
  • ابن الطوير ، ابو محمد المرتضى عبد السلام بن الحسن، ت:617هـ، نزهة المقلتين في أخبار الدولتين ، تحقيق أيمن فؤاد سيد ، المعهد الألماني للأبحاث الشرقية ، بيروت.
  • المقريزي، أحمد بن علي بن عبد القادر، ت: 845هـ، اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء، تحقيق: جمال الدين الشيال و محمد حلمي محمد أحمد، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية – لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة، د.ت.
  • السيد، ايمن فؤاد، الدولة الفاطمية في مصر( تفسير جديد)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2007.

شارك هذا الموضوع: