“الذرة من اجل السلام “
باكورة البرنامج النووي العراقي
” اشعر اني مضطر للتحدث اليوم بلغة
جديدة لغة كنت قد امضيت الكثير من
حياتي في المهنة العسكرية، كنت أفضل
عدم استخدامها ابدا، تلك اللغة
الجديدة هي لغة الحرب الذرية ”
الرئيس الأمريكي دوايت ايزنهاور
طالب الماجستير الحديث :شهاب احمد راشد
المسعودي
بدأت القصة في 8 كانون الأول 1953 بدايتها في الخطاب القاه الريس الأمريكي دوايت ايزنهاور امام الجمعية العامة للأمم المتحدة في مدينة نيويورك ، إ اطلقت الولايات المتحدة ذلك البرنامج الذي قدم المعدات والمعلومات للمدارس والمستشفيات والمؤسسات البحثية داخل الولايات المتحدة وفي جميع دول العالم ، لم يكن خطابا عابرا بل حمل معه فلسفة كبيرة ورؤية استراتيجية اختلف العالم في تحديد مساراتها ، فهو جزء من حملة إعلامية على مستوي عال سميت ب “عملية الصدق ” حاول المختصون في الامن القوي الأمريكي طرح رؤية جديدة تبنتها الولايات المتحدة الامريكية لتنوير الرأي العام العالمي حول ” مخاطر وامال المستقبل النووي ” ، جاءت بناءا على تقارير رفعها مستشاري وزارة الخارجية الامريكية حول نزع السلاح ، بغية إعطاء انطباع ذو مسارين أولهما اعتماده قدر من السرية في البرنامج الولايات المتحدة الامريكية ، وثانيا توفير مساحة من الصدق بين الإدارة الامريكية أسسها توضيح الحقائق الغامضة عن مستقبل التوازن النووي ومخاطر الحرب النووية التي تتحكم في أسس العلاقات الدولية .
فعلاً كان الخطاب إشارة الى نقطة التحول في العلاقات خاصة ان الولايات المتحدة ارادت تصحيح مسارها عن طريق التحول التركيز العالمي للطاقة النووية من الاستخدام العسكري الذي ارعب العالم بحادثتي هيروشيما وناغ زاكي عام 1945 الى الاستخدام السلمي الذي يمكن دول العالم المختلفة فية ، خاصة الاوربية منها والتي حاول ايزنهاور جرها الى تلك الاستخدامات كجزء من مناورات الحرب الباردة . والتأكد من حلفاءه في واربا يتماشون مع استراتيجية الناتو الجديدة وعدم التركيز على الأسلحة التقليدية باهضه الثمن ، وان الخطاب الجديد سيعطي فرزا عالميا اخر يتجسد من خلال الرفض السوفيتي للاقتراح الأمريكي وسيحدد بأريحيه كبيرة مسارات القطبين ومن لف حولهما من الدول الصديقة والمتحالفة .
فلاول مرة يكتشف النقاب عن المعلومات الدقيقة للبرنامج هذا الذي مر بمراحل تطور في غاية السرية بموجب اتفاقية “كئبيك ” عام 1943 ناهيك عن محاولة رفع الحواجز بين السلطة والجمهور الأمريكي والحليف من خلال الكشف عن خطة في غاية الأهمية تمس الامن القومي الأمريكي ، ورغم ان ذلك المسعي لم يكن موظف بشكل جدي من قبل الرئيس الأمريكي ،وذلك لاعتقاد مجلس الامن القومي الأمريكي ان أولويات الولايات المتحدة الامريكية يجب ان تنطلق من استعدادها للبقاء في موقف الهجوم لردع السوفييت ،لكن ذلك التوجه لم يخل من فائدة بالنسبة لا مريكا خاصه وان مقتنيات الولايات المتحدة الامريكية النووية ارتفعت من 1005الى20000 قطعة سلاح اشترتها الدول الحليفة والصديقة .
فتح برنامج “الذرة من اجل السلام ” إمكانية البحث النووي للمدنيين والدول التي لم تملك التكنولوجيا النووية من قبل ومنها العراق موضوع بحثنا. إذ تأسست لجنة الطاقة الذرية العراقية عام 1956 إثر ذلك البرنامج، بعد ان قدمت الولايات المتحدة الامريكية “مكتبة نووية صغيرة وشاملة ” أصبحت المرجع العراقي الرئيسي للتخصيب النووي بعد قرابة ثلاثين عاما، وكما حصل العراقي على مفاعل تجريبي صغير لم تكن الظروف السياسية ملائمة لوصوله بسبب احداث ثورة 14 تموز 1958.
تكمن الأهمية حصرا في المكتبة النووية لأنها احتوت على بحوث القنبلة الذرية ضمن “مشروع مانهاتن ” في السنوات الثلاث الأخيرة من عقد الخمسينات والمخصص لانتاج القنابل القنبلتين الذريتين اللتين القيتا على مدينتي هيروشيما وناكا زاكي اليابانيتين في 6و9 اب 1945م.
لم يستمر التعاون النووي الأمريكي – العراقي بعد احداث ثورة 1958 وذلك بسبب تغير مسار السياسة الخارجية العراقية نحو معسكر الشرقي، الامر الذي دفع الولايات حجب مساعدتها، وحول المفاعل النووي الصغير المحمل على ظهر باخرة كادت ان تقترب من ميناء البصرة الي ميناء بوشهر الإيراني في تموز من ذات العام، ونصب هذا المفاعل في جامعة طهران وكان البداية للمشكلة النووية التي تحرك العلاقات الإيرانية الاوربية الامريكية الان . في حين توجه العراق صوب الاتحاد السوفيتي لشراء “مفاعل بحثي ” بطاقة اثنين ميغاوات مع المستلزمات والتقنيات الداعمة وسمي بـ ” مفاعل الرابع عشر من تموز ” تيمنا بتلك الثورة التي قلبت موازين القوى الخارجية التي يتحكم بها العراق قبل قيامها. واختيرت منطقة التويثة جنوبي العاصمة بغداد بمسافة 25 كم مكانا لا نشاء المفاعل النووي، الذي وصل الى حالته التشغيلية في عام 1967، وتعاقد العراق على زيادة طاقته الى خمسة ميغاوات بحلول عام 1982.
كان مفاعلا علميا لدرجة كبيرة حتى قل نظيره في المنطقة خاصة وانه ضم مجموعة كبيرة من خيرة العلماء والمهندسين العراقيين الذين امتلكوا الخبرة العلمية من الداخل وتعززت خبراتهم عندما ابتعثوا الى خارج العراق لتلقي دورات مختصة ، فضلا عن ابتعاث قسم منهم للحصول على شهادات عليا في اختصاصاتهم لدول من الدرجة أولى كالولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والاتحاد السوفيتي ، حتي ان تلك النتاجات كانت تصب عمليا وعلميا في خطوط الاعتراف الدولي الذي تضمنه ” الوكالة الدولية للطاقة الذرية ” والتي أسهمت في رعايتها المؤتمر العالمي الأول للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية في بغداد في نيسان 1975 احتراما لما وصل اليه هذا البلد من سياسة علمية منهجية محترمه تختص في رصف الجهود العلمية والعملية خدمة للمشروع الذري السلمي .
كان البرنامج النووي العراقي معتمدا على قدراته الذاتية في تشغيل المفاعل النووي وركز الدكتور خالد سعيد مدير مركز البحوث النووية على قسم الكيمياء بضرورة الاعتماد على القدرات الذاتية التي يمتلكها الكوادر العراقية المختصة التي ينقصها الإمكانات اللوجستية وفي مقدمتها المختبرات الكيميائية، الامر الذي اضطرته الخبرات العراقية الى اجراء اختباراتهم للبحوث الكيمائية في وارسو وبولندا وما ان بلغ العام 1979 حتى أسس النموذج الأول للمختبر الكيميائي الاشعاعي. سبقه في عام 1976 ان اشترى العراق من فرنسا مفاعلين تجريبيين نوع ” اوزيريس ” سما بـ “تموز1″ و”تموز2” ووضعا تحت اشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية لضمان استخدامهما السلمي للطاقة الذرية.
ان التطور النووي العراقي السريع والقدرة العراقية على الابداع كان مدعاتا لنكث الاتفاقات كما جاء ذلك من قبل فرنسا التي اختلفت مع العراق حول كمية اليورانيوم المخصب التي لم يستلم منها العراق سوى 12 كيلو غرام ، فضلا عن حماة الاغتيالات التي طالت مجموعة من العلماء العراقيين والعرب العاملين في العراق ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر والعالم النووي المصري البارز في لجنة الطاقة الذرية العراقية الدكتور يحي المشد في 13 حزيران 1980 بباريس والمهندس الكهربائي الدكتور سلمان اللامي الذي أصيب بمرض غير معروف في جنيف عام 1981 اكتشف لاحقا من تدبير الموساد الإسرائيلي .
بدأ العمل جيدا في المفاعلين النوويين العراقيين انفي الذكر، رغم محاولات الاغتيال ومحاولات التخريب التي طالت معدات أساسية في مرفأ فرنسي من قبل عملاء الموساد، او من خلال التأثير على الكوادر المشغلة للمفاعلين البالغ عددهم 60 مهندسا وخبيرا مختص الذين يتدربون في مركز ساكا لاي النووي قرب باريس بين عامي 1980 و1982. ومع وصول الشحنة الفرنسية من الوقود عالي التخصيب الى العراق في مطلع عام1981 وسجلت اصوليا عند الوكالة الدولية للطاقة الذرية وفق متطلبات معاهدة الحد من الانتشار النووي ، عد ذلك تطورا سريعا في تطور وازدهار البرنامج النووي العراقي السلمي المعتمد على القدرات الذاتية في التشغيل ، الامر الذي دفع إسرائيل تجاوز الأعراف الدولية والمعاهدات الموقعة وانضمام العراق للاتفاقية انفة الذكر ، شن سلاح الجو الإسرائيلي في 7حزيران 1981 غارات مفاجئة على مركز البحوث النووية في التويثة الحقت دمار كبير في منشآت العراق النووية لتطوير خلالها صفحة من الإرث العلمي العراقي الذي قل نظيره في المنطقة العربية ، ذلك الإرث الذي ميز القدرة العراقية في بناء القدرات التكنولوجية والعلمية رغم محاولات التشذيب الدولي عانى منها العراق منذ نهاية الخمسينات وحتي عام 1981 .