الذكاء الاصطناعي 
(ودوره في تخطيط المدن) 
م. د. نهى نعمة محمد الموسوي
جامعة كربلاء – كلية التربية للعلوم الإنسانية – قسم الجغرافية التطبيقية.
    مع  استمرار نمو سكان المناطق الحضرية، أصبح تخطيط المدن مع مراعاة الاستدامة أمرًا ضروريًا. إذ يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا مهماً وحاسمًا في تطوير المدن ومعالجة التحديات الحضرية الحديثة ، فهو يساعد في جمع وتحليل البيانات الضخمة بكفاءة عالية. وهذا يمكّن المدن من اتخاذ قرارات أفضل في مجالات مختلفة. 
    كما ويحسن الذكاء الاصطناعي كفاءة البنية التحتية والنقل والأمن في المدن . كما يطور الخدمات الحكومية والرعاية الصحية وإدارة البيئة. ويساعد صناع القرار على التخطيط والتنفيذ بشكل أكثر فعالية. كما ويقدم الذكاء الاصطناعي تجارب ذكية للمواطنين في المدن الحديثة. فهو يوفر خدمات حكومية رقمية ورعاية صحية شخصية وحلولًا سكنية متطورة. وهذا يحسن جودة الحياة ويزيد رضا الناس عن الخدمات المقدمة. 
     للذكاء الاصطناعي دور مهم في تخطيط المدن : إذ يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل مجموعات كبيرة من البيانات من مصادر مختلفة، مثل أنماط المرور واستخدام الطاقة وأجهزة الاستشعار والشبكات المحمولة. ومن خلال معالجة هذه البيانات، يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين التنقل وتحسين البنية الأساسية وتعزيز كفاءة الطاقة ودعم التخطيط لبيئات حضرية أكثر استدامة وكفاءة .يُستخدم الذكاء الاصطناعي (AI) في إدارة المدن وتخطيطها لتحسين كفاءة وفعالية العمليات الحضرية. يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل التعلم الآلي، ومعالجة اللغات الطبيعية  ، ولكمبيوتر، أن تساعد مخططي ومديري المدن على تحليل مجموعات البيانات الكبيرة، وتحديد الأنماط والاتجاهات، واتخاذ قرارات تعتمد على البيانات. 
     يمكن للمخططين استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين التخطيط الإقليمي وتقسيم المناطق. كما يساعد في إدارة البنية التحتية بشكل أكثر كفاءة. على سبيل المثال، يمكن تحليل أنماط التنقل لتحديد أفضل مواقع شبكات النقل العام. إذ يستخدم التخطيط الحضري الذكي الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات المدينة الضخمة. يشمل ذلك التركيبة السكانية وأنماط حركة المرور والعوامل البيئية. هذه التحليلات تساعد المخططين على اتخاذ قرارات أفضل لتطوير المدينة وتلبية احتياجات السكان المتغيرة بشكل أفضل. وتخطيط المساكن والخدمات الأساسية بناءً على هذه المعلومات. ويمكن في هذا المقال طرح السؤال التالي : (كيف يمكن ان يلتقي الذكاء الاصطناعي بالتخطيط الحضري؟)
      بدأ الكثير من العلماء في منتصف القرن العشرين استكشاف نهج جديد لبناء الآلات الذكية استنادا على الاستكشافات الحديثة في علم الاعصاب والنظريات الرياضية وتطور علم التحكم الالي وفي عام 1950 بدأت نشأة الذكاء الاصطناعي بينما في عام بدأت نوفي عام 1956 بدأت ملامح العلم الحديث للذكاء الاصطناعي تبدو جليا ، ومنذ ذلك الحين ظهر مصطلح الذكاء الاصطناعي ، وفي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت تطبيقات الذكاء الاصطناعي الأولية  مقتصره على تحليل البيانات الأساسية والنمذجة، مع التركيز على التنبؤات القائمة على الخوارزميات لإدارة المرور والسلامة العامة. 
     ولكن بحلول أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مهد ظهور تقنيات البيانات الضخمة والإنترنت الطريق لتطبيقات أكثر تطوراً للذكاء الاصطناعي في التخطيط الحضري. بدأت أنظمة الذكاء الاصطناعي في جمع المعلومات والمراجعة المتبادلة من نقاط بيانات متعددة في وقت واحد، مما أتاح الحصول على رؤى وتحليلات أكثر شمولاً. كان تحسين استخدام الطاقة والبنى التحتية الحضرية المعززة للإنتاج والنقل العام أول تطبيقات العالم الحقيقي لهذه التكنولوجيا الناشئة.ولكن منصات إدارة المدن المبكرة ــ أو ما يسمى “أدمغة المدن” ــ كانت تعاني من عقبة كبيرة: تتمثل في زمن الوصول المرتفع. فقد كان حجم البيانات التي يتعين معالجتها هائلا للغاية بحيث لا تستطيع الشبكات اللاسلكية القائمة التعامل معه. وجاء التحول النموذجي التالي مع طرح تقنية الجيل الخامس، التي جعلت العديد من حالات الاستخدام المبكرة في متناول اليد. واليوم أصبحت المدن الذكية القائمة على تقنية الذكاء الاصطناعي وتقنية الجيل الخامس حقيقة واقعة، حيث تعمل على تحسين نوعية الحياة في البيئات الحضرية ودفع التقدم نحو مستقبل أكثر استدامة.
      ومن اهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التخطيط والتطوير الحضري: تتضمن بعض التطبيقات منها:
    • تحليل البيانات وتقنية التوأم الرقمي:  يتم إنشاؤها من خلال دمج البيانات التي تم جمعها عبر أجهزة الإنترنت. والغرض منها هو استخدام البيانات في الوقت الفعلي لمحاكاة عمليات المدينة، مما يسمح للمخططين باختبار نماذج مختلفة وسيناريوهات افتراضية. مثل تعديلات تدفق المرور، أو تعديلات المناظر الطبيعية الحضرية أو تغييرات توزيع الطاقة.
    • البنية التحتية والمرافق الذكية: يساهم الذكاء الاصطناعي في تحسين إدارة النفايات بالمدن الذكية. فالصناديق الذكية تكتشف امتلاءها بفضل أجهزة الاستشعار.يقلل هذا النظام من الرحلات غير الضرورية لجمع النفايات. وبالتالي يعزز بيئة أنظف وأكثر استدامة للمدينة.  يمكن للأنظمة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي أن تقلل بشكل كبير من البصمة الكربونية في البيئات الحضرية، مما يجعل المدن أكثر استدامة. 
    • تحسين التنقل وتحسين التخطيط الحضري: الذكاء الاصطناعي يحسن تدفق حركة المرور ويقلل الازدحام. الإشارات الضوئية الذكية وخوارزميات التوجيه تساعد في إنشاء شبكات نقل أكثر سلاسة.يمكن للذكاء الاصطناعي أن يجعل المدن أكثر كفاءة من خلال تحسين طرق النقل والبنية الأساسية في مرحلة التخطيط. 
  • السلامة العامة والأمن:  يعزز الذكاء الاصطناعي السلامة والأمن في المدن الذكية. فهو يستخدم أنظمة مراقبة وتحليل فيديو متطورة. كما تحدد التهديدات الأمنية المحتملة وتساعد السلطات من تنفيذ الأنظمة والقوانين .
       وعلى الرغم من الإمكانات الهائلة التي تتمتع بها الذكاء الاصطناعي لإحداث ثورة في التنمية الحضرية، تظل هناك تحديات يتعين معالجتها لضمان استفادة جميع المواطنين من هذه التكنولوجيا منها : 
  • مخاوف الخصوصية: من بين القضايا الأساسية التي تطرحها استخدامات الذكاء الاصطناعي في البيئات الحضرية احتمالات انتهاك الخصوصية. ولكي تعمل أنظمة الذكاء الاصطناعي بفعالية، يتعين عليها جمع البيانات من مصادر متعددة، بما في ذلك كاميرات المراقبة، وتطبيقات الهاتف المحمول، ووسائل التواصل الاجتماعي، وأجهزة الإنترنت .وهذا يثير المخاوف بشأن كيفية استخدام البيانات للمراقبة الشخصية أو معلومات المجموعة.
  • التحيز في أنظمة الذكاء الاصطناعي وقضايا المساواة.
        ختاما : يقدم الذكاء الاصطناعي  امكانات هائلة لتحويل المدن الى مراكز حضرية متطورة وذكية إذ يمثل الأداة الفعالة في تحسين جودة الحياة وتعزيز الاستدامة البيئية والاقتصادية، ويتطلب نجاح المدن الذكية التوازن بين قدرات الذكاء الاصطناعي ومعالجة التحديات. هذا يستلزم تخطيطًا وتنفيذًا حكيمًا للمبادرات القائمة عليه. كما يضمن الحفاظ على الخصوصية والأمن وتحقيق التكامل التقني الفعال. ومع الأسف فان اغلب  تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مدننا العربية بصورة عامة ومدننا العراقية بصورة خاصة  تواجه تحديات مختلفة منها يتعلق  بالخصوصية والأمن والتكلفة.


شارك هذا الموضوع: