الرؤية السردية
      تطرح عادة مصطلحات عدة لمفهوم واحد، من ذلك مصطلح “الرؤية”()،أو “جهة النظر”()، أو”زاوية الرؤية”()، أو”التبئير”()، أو”الموقع”().
    ولعل مصطلح ” (وجهة النظر) هو الأكثر شيوعاً. وعلى الخصوص في الدراسات الأنجلو امريكية التي تركز على (الراوي) الذي من خلاله تتحدد (رؤيته) الى العالم الذي يرويه بأشخاصه وأحداثه.”()
    لقد مرّت دراسة مصطلح (وجهة النظر) بمرحلتين: “بدأت الأولى مع النقد الأنجلو امريكي في بدايات القرن العشرين واستمرت حتى أواخر الستينات، وخلالها احتلت (الرؤية) مركز الصدارة في تحليل الخطاب الروائي. وبدأت المرحلة الثانية في مطلع الأربعينات مع التطور الذي تُوّج بظهور (السرديات).”()
    نبدأ من الشكلانيين الروس، فالناقد (توماشفسكي) يميز بين نمطين من السرد:”سرد موضوعي (Objective)، وسرد ذاتي (Subjective) ففي نظام السرد الموضوعي يكون الكاتب مُطلعاً على كل شيء، حتى الأفكار السرية للأبطال، أما في نظام السرد الذاتي فإننا نتتبع الحكي من خلال عيني الراوي (أو طرف مستمع) متوفرين على تفسير لكل خبر: متى وكيف عرفه الراوي والمستمع نفسه.”() 
إذا فالرؤية تركز على الجانب الايديولوجي.  
    ويكاد يتفق معظم النقاد والباحثين على أن هذا المفهوم [أي مفهوم الرؤية] هو وليد استحدثه النقد الأنجلو امريكي في بدايات هذا القرن [أي القرن العشرين] مع الروائي هنري جيمس، وعمّقه اتباعه وبالخصوص بيرسي لوبوك في كتابه (صنعة الرواية) الواضع الأساسي لأحجار زاوية الرؤية.”()
    فمن خلال قراءة بيرسيل وبوك لرواية (مدام بوفاري) حيث يرى أن الأحداث يتم استعراضها من جانبين، الأول: الجانب البانورامي، والذي يكون الراوي عليما بكل شيء، والجانب الثاني: الجانب المشهدي: الذي يترك الراوي استعراض الأحداث والوقائع للشخصيات الروائية، التي تقدمها بصورة مباشرة للمتلقي.”()
    ومن الكتب أيضاً التي اهتمت بمصطلح (الرؤية) كتاب (الزمن والرواية) لجان بويون، حيث صنّف كاتبه الرؤية الى ثلاثة أصناف:
  1.  “السارد> الشخصية الروائية (الرؤية من الخلف) وهذه الصيغة هي التي يستعملها السرد الكلاسيكي في أغلب الأحيان. في هذه الحالة يكون السارد أكثر معرفة من الشخصية الروائية، وهو خلف الجدران كما يرى ما يجري في دماغ بطله”().
  2. “السارد = الشخصية الروائية (الرؤية مع)، هذا الشكل الثاني من مظاهر السرد منتشر ايضاً في الأدب وخاصة في العصر الحديث، وفي هذه الحالة يعرف السارد بقدر ما تعرف الشخصية الروائية، ولا يستطيع أن يحدها بتفسير للأحداث قبل أن تتوصل إليه الشخصيات الروائية.”()
  3. “السارد < الشخصية (الرؤية من الخارج) في هذه الحالة الراوي يعرف أقل مما تعرف أي شخصية من الشخصيات الروائية، وقد يصف لنا ما تراه وما تسمعه … الخ لا أكثر.”()
   بعد ذلك يأتي (نورمان فريدمان) مستوعباً لآراء سابقيه وليقترح تصوره في كتابه (وجهة النظر في الرواية: تطور المفهوم النقدي، والذي حصر فيه أشكال الرؤية فيما يأتي: 
“1- المعرفة المطلقة للراوي، حيث وجهة نظر المؤلف  غير محدودة.
2- المعرفة المحايدة للراوي، حيث يتكلم الراوي بضمير الغائب ولا يتدخل، ولكن الأحداث لا تقدم إلا كما يراها هو، لا كما تراها الشخصيات.
  1. المعرفة المتعددة، حيث يوجد أكثر من راوٍ واحد، والقصة تقدم كما تحياها الشخصيات.
  2. المعرفة الأحادية، حيث يوجد راوٍ واحد، ولكنه يركز على شخصية مركزية نرى القصة من خلالها.
  3. النمط الدرامي، حيث لا تقدم إلا أفعال الشخصيات واقوالها.
  4. الأنا الشاهد، فري روايات ضمير المتكلم حيث الراوي مختلف عن الشخص وتصل الأحداث الى المتلقي عبر الراوي.
  5. الأنا المشارك حيث الراوي المتكلم هو شخصية محورية.”() 
    أما (تودوروف) فيعد في تصنيفه الثلاثي للرؤية في كتابه (الأدب والدلالة) على تصنيف بويون، وهي كالآتي:
  1. ” الراوي > الشخصية (الرؤية الخلفية) يستخدم السرد الكلاسيكي هذه الصيغة غالباً، في هذه الحالة يعرف الراوي أكثر من الشخصية.”()
  2. ” الراوي = الشخصية (الرؤية المحايدة) هذا الشكل الثاني واسع الانتشار في الأدب، وخاصة في العصر الحديث. تتطابق في هذه الحالة معرفة الراوي مع معرفة الشخصيات ولا يمكنه أن يقدم الينا تفسيراً للأحداث قبل أن تجده الشخصيات ذاتها.”()
  3. الراوي < الشخصية (الرؤية الخارجية) في هذه الحالة يعرف الراوي أقل من اي واحدة من الشخصيات، ولا يستطيع أن يصف سوى ما يراه أو يسمعه…الخ.”()
ومع مطلع “السبعينات طرح الباحث السوفياتي (أوسبتسكي) (وجهة النظر) بطرق جديدة من خلال ما سماه (بويطيقا التأليف) ساعياً الى معاينة المواقع التي يحتلها المؤلف، من خلال أربعة منظورات هي:
  1. المنظر الايديولوجي.
  2. المنظور التعبيري.
  3. المنظور النفسي.
  4. المنظور الزمكاني.”() 
استوعب (جيرار جنيت) لكل الآراء السابقة بخصوص الرؤية في كتابه(خطاب الحكاية)،وقد صنفها على ثلاثة أصناف:
   1-الحكاية غير المبأرة أو ذات التبئير الصفر،وهي التي تمثل”الحكاية الكلاسكية عموما.”()
  2-” التبئير الداخلي سواء أكان أ)ثابتا…،ب)متغيرا…،ج)متعددا.”()
  3-“التبئير الخارجي:حيث يتصرف البطل أمامنا دون ان يسمح لنا بمعرفة أفكاره أو عواطفه.”()


شارك هذا الموضوع: