الرجوع إلى الغيبيات :
من الأنماط التقليدية لصورة المرأة ، هي تلك التي تمثل المرأة على انها سريعة اللجوء للغيبيات إذا  واجهت المصاعب في الحياة ، وهي صورة توحي بالسلبية والضعف فضلا عن الركون إلى عدم الفعل بالمعنى المادي وذلك حين تلقي بالمسؤولية على قوى خارقة لا يمكن هي أن تجاريها ، فقد قُرر في الثقافة الذكورية إن المرأة خلقت ” اشد تأثرا بالمشاعر والدّين منها بالمعقول ” () ، وهي في المجتمع المتخلف تحديدا تتميز بـ ” قصور التفكير الجدلي ، واستحكام الخرافة ” () ، ولما غلب ” على الرؤية الكونية العربية التسليم بالقدر ودوره في رسم مستقبل الانسان ، وعامل الحظ والنصيب في ما يحدث للبشر من نجاح أو فشل ” () ، فان الشاعر العربي الذي أراد التنبيه إلى سلبية الركون إلى القدر في البحث عن حلول الازمات ، وجد في ما شاع عن المرأة في هذا المجال مساحة اوسع لطرح هذه الفكرة .
و(الشرقاوي) يجريه مثلا على لسان ضابط اسرائيلي من اصل ايطالي وهو يصف ضعفا في زميله ذي الاصل العربي بعد أن مال الأخير إلى أصوله العربية فاخذ يتلو صلاة اثناء الهجوم يرجو فيها العودة إلى الطريق القويم :
” هكذا ينتحب النسوة إن شخن وأدمنَّ زيارات المعابد ” ()
وبهذا التشبيه فهو يشير صراحة إلى إن العودة في الشدة إلى القوى الغيبية من صفات النسوة بغض النظر عن الجنسية والعرق ، فالشاعر هنا أراد إعمام النمط على نساء الكون طرا لا حصرا بالعربيات منهن .
وقد اندرجت تحت هذا النمط عدد من الشخصيات النسوية ذات الدور الثانوي في المسرحيات الشعرية ؛ ففي مسرحية (حكاية من وادي الملح ) لـ(محمد مهران السيد) يدور حوار بين ام الفلاح – وهو الشخصية الرئيسة في المسرحية – وزوجته ، إذ اعترض هذا الفلاح على السلطة الحاكمة المتمثلة بالآلهة وما تقوم به من سلب لممتلكات الرعية بلا شرعية فتمت معاقبته ، وحين انتقدت الام سلوكه الثائر هذا وأرجعت سبب المعاقبة التي وقعت عليه إلى نتائج معارضته ، اعلنت الزوجة استسلامها لما حل به إلى انه تقدير الهي متغافلة عن بحث الأم في الأسباب المنطقية().
ولما يصور الشاعر (محمد مهران السيد) في مسرحيته (الحربة والسهم) ابا وابنا لهما من الوعي العميق ما جعلهم يرفضون الواقع المتردي الذي آلت إليه بلادهم ومجتمعهم ، تطلب إليهم الأم أن يركنوا إلى الكاهن وتقديم القرابين للمعبد حتى تطرد الارواح الشريرة التي حلت بهم فجعلتهم (يتأملون ويفكرون) ().
و (مهردكار) الأميرة الفارسية المتعلمة والحكيمة والرافضة للزواج حتى لا يتباطأ سعيها لتحصيل المزيد من المعرفة ، والعازفة عن الحب لما امتلأ قلبها بهوى الكتب ، يكفي أن يسوق لها القدر العرافة لتخبرها إنها ستواجه تغييرا في حياتها ، لتتقبل ذلك ويبدأ فؤادها يخفق () .
و(صلاح عبد الصبور) يشير بوضوح إلى إن لجوء (سلوى / المرأة) إلى الكنيسة وقيامها بالاعتراف للقسيس وإيقاد الشمع للعذراء لا يدل إلا على ضعفها وابتعادها عن الفكر التقدمي وحين تدافع عن سلوكها هذا بأنه التماس للقوة من الدين يرفض (حسان/الرجل) ذلك معلنا إن القوة تصدر من داخل النفس ، من ثم يترك الشاعر (سلوى) تتعلل بان لا وقت لها لتشرح موقفها :
” حسان : لكني لا أتصور 
أن فتاة متقدمة الفكر
تعترف لقسيس أو توقد شمعا للعذراء
سلوى : ماذا في ذلك ؟
 حسان : إنا لا نحتاج إلى الدين
 بل نحتاج إلى القوة
سلوى: إني التمس القوة في ديني 
حسان : التمسيها داخل نفسك
سلوى: لا وقت لكي اشرح لك ” () 
 فيختم الشاعر الحوار موحيا بضعف الحجة لـ(سلوى) حين هربت بحجة ضيق الوقت دون أن تثبت وجهة نظرها أو تغير رأيها ، مما يدل على رسوخ الميل إلى الغيبيات داخل نفسها حتى حين تجادل بحجج أقوى من ملكتها الثقافية فضلا عن الإشارة إلى قصورها في الحجاج المنطقي لـ ” أن الأدب النسقي يقتضي عدم مواجهة الفحل ولزوم الصمت أمامه حتى ولو اخطأ فان أخطاء الفحول صواب مجازي إن ما لا يجوز لغيرهم يجوز لهم فهم أمراء الكلام وكل فحل ثقافي فهو محصن ومحروس تحرسه الثقافة بكل وسائل الحماية وتتخذه نموذجا للقدوة الاجتماعية ” ().
 

شارك هذا الموضوع: