الرسوم والشارات في الدولة الفاطميةد. مروه مكي جعفر
الرسوم والشارات في الدولة الفاطمية
د. مروه مكي جعفر كلية التربية للعلوم الإنسانية/ قسم التاريخ
الرسوم: ومفردها رسم وتعني الاحتفالات الرسمية للبلاط سواء استوجب ذلك موكبا اما لا، كما يطلق على مجموع الاحتفالات ونظام التشريفات الذي يطبق في المجالس والاجتماعات او المواكب وقد استعيض عنه في الوقت الحالي بـ(الاحتفالات الرسمية) او رسمي.
وان رسوم الفاطميين لم تكن موجودة في بلاد افريقية، ولكنها تطورت في مصر، ويذهب بعض المؤرخين الى القول انها جاءت لتحاكي ما كان موجود من احتفالات ورسوم في الدولة العباسية، التي هي بالاصل ماخوذه من الحضارة الساسانية، فضلا عن معاصرتها لبيزنطة وارادوا ابراز ابهة الدولة وعظمتها عن طريق هذه الرسوم والاحتفالات، هذا ويجب ان لا ننكر ان الفاطميين ورثوا حضارة مصرية عميقة تمتد جذورها الى الفراعنة ووجدنا هناك رسوم واحتفالات تعود الى الفراعنة منها الاحتفالات في ارتفاع النيل ووصوله لحد الوفاء.
ونجد ان الرسوم في الدولة الفاطمية اصطبغت بلون خاص بالفاطميين كونهم اصحاب مذهب مختلف عن مذاهب الدول الإسلامية، انذاك لذا نجد ان الفاطميين كانوا يركزون على هذه الرسوم لتثبيت عقائدهم الإسماعيلية، ومن جانب اخر ان ثراء مصر ساعد على البذخ على هذه الرسوم والحفلات الرسمية، وكان هم الفاطميين تثبيت سلطانهم السياسي على الشعب المصري السني وقد نجحوا في استقطابهم في احتفالاتهم الرسمية والبذخ عليها لكسب قلوب المصريين.
وان الرسوم بصورة عامة في الدولة الفاطمية وفي مصر بالتحديد مرت بمراحل النشاء، والتطور والازدهار والانحلال، فيذكر ان او من استن الرسوم هو المعز لدين الله (341-365هـ)(4)، وانها وصلت الى ذروتها في عهد الآمر باحكام الله (425-524هـ)، اذا قام وزيره المامون البطائحي باعادة الرسوم وجددها واعطاها بهجتها بعد ان لغاها في وقت سابق الوزير الافضل بن بدر الجمالي سنة 515هـ.
ومن رسوم الدولة الفاطمية هو ركوب الخليفة في الاعياد والمناسبات الدينية والمذهبية واختلفت التسمية من مؤرخ لاخر فقد عرفت بالموسم او الموكب، وكان الخليفة الفاطمي يخرج مع حاشيته من رجال الدولة والبلاط والجيش تطوف في الشوارع بحسب مراسيم معرفة.
ومن المواكب موكب اول العام الذي يخرج فيه الجيش لاستعراض قوته وهيبته وفيه عدة اصناف من البربر والسودان والمغاربة والمشارقة، وهناك طوائف خاصة كالامرية، والحجرية الكبار، والحجرية الصغار، والجيوشية وغيرها.
اما بالنسبة للشارات: فقد عرفها ابن خلدون بــ((إعلم أن للسلطان شارات وأحوالا تقتضيها الابهة والبذخ فيختص بها ويتميز بانتحالها عن الرعية والبطانة وسائر الرؤساء في دولته فلنذكر ما هو مشتهر منها بمبلغ المعرفة وفوق كل ذي علم عليم الآلة فمن شارات الملك اتخاذ الالة من نشر الالوية والرايات وقرع الطبول والنفخ في الابواق والقرون)).
وان مايميز الشارات الفاطمية ان لها طابع خاص بهم ومن هذه الشارات: التاج وقضيب الملك والسيف الخاص، والدواة والرمح والحافر، والمظلة والاعلام والمذبتان، والسلاح والعماريات، الخيام والنقارات والفساطيط، وكانت هذه الشارات لا تظهر مجتمعة في احتفال واحد ولكن كل مجموعة لها احتفاله الخاص .
وكذلك المظلة من شارات الخلافة المهمة هي والعمامة او التاج، وكانت تحمل عند خروج الخليفة لصلاة الجمعة في رمضان، ويجب ان تكون المظلة بلون الثياب، وكان الخلفاء الفاطميون يرتدون لكل احتفال ملابس خاصة تصنع في دار الطراز وتحفظ في خزانة الكسوة وكان لحاشيتهم ثياب تصنع ايضا في دار الطراز لكي يرتدوها في الاحتفالات، وكان شعار الفاطميين البياض، وكانت ثيابهم تصنع من الحرير الذي يعرف بـ (الدبيقي) نسبة الى ديبق مدينة في مصر السفلى، والمصطلح الاكثر اشارة الى ثياب الفاطميين يعرف بـ(البدلة) ويعني به البدلة الموكبية التي تتكون من اثنى عشر قطعة، وفي شهر رمضان وايام العيدين كانوا يلبسون الطيلسان وهولباس القضاة والفقهاء او اللباس الخاص الجمعي.
ومن الشارات المهمة هي الاعلام وهي عبارة عن رايات والوية وبنود التي ترمز الى الخليفة والوزير وقواد الجيش وحتى بعض الموظفين، وكانت اهم هذه الرايات او الاعلام الخاصة بالخليفة كان لونها ابيض تزين بالتطريز بالذهب ، وكذلك المذنبتان وهما مثل النخلتان يحملهما صقلبيان في موكب الخليفة، وكانت معروفة قبل الفاطميين.
مما سبق يتضح اهتمام الفاطميين بشكل مبالغ فيه بالرسوم والشارات التي عدوها جزء مهم لفرض سلطانهم سواء في داخل الدولة الفاطمية او خارجها، اي انها نوع من الاعلام لاظهار عظمة وابهة الفاطميين امام العالم انذلك، سقوط الدولة ومجئ دول اخرى حكمت مصر الا ان اثار هذه الاحتفالات ظلت مستمرة في مصر.وقد شكلت هذه الرسوم والشارات قوة للدولة، ولكن بمرور الوقت اصبحت عبئ على الدولة، وصارت تكلفها كثيرا من الاموال وكان لاطائل منها لذا نرى انها في بعض الاحيان تلغى وترجع في اوقات اخرى، وهذا الامر راجع الى سياسة الدولة بصورة عامة ، ومن الامور الملفته للنظر ان رسوم الفاطميين وشاراتهم اضحت ارث للمصريين يتوارثه على الرغم من
المصادر والمراجع:
ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد المغربي (ت:808هـ)، العبر وديون المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، دار الكتاب اللبناني، بيروت،1981
القلقشندي، احمد بن علي (ت:821هـ)، صبح الاعشى في صناعة الانشاء، دار الكتب العلمية، بيروت، د.ت.
المقريزي، أحمد بن علي بن عبد القادر (ت:845هـ)، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والاثار، دار الكتب العلمية، بيروت، 1997.
السيد، ايمن فؤاد، الدولة الفاطمية في مصر تفسير جديد، مكتبة الاسرة، القاهرة، 2007.
ماجد، عبد المنعم، نظم الفاطميين ورسومهم في مصر، ط3، المطبعة الانجلومصرية، القاهرة، 1978.