الزيادة في المبنى تقابلها زيادة في المعنى
هذه مقولة لغوية شهيرة ، كثيرا ما نسمعها في قاعة الدرس ، ونلمس وجودها على صفحات بعض المؤلفات اللغوية ولا سيما التعليمية ، ولها مصاديق متناثرة في تلك المؤلفات ، فصارت كأنها قاعدة ثابتة غير قابلة للرد .
وعلى الرغم من شيوعها بين الدارسين إلا أنها غير مطردة ، فلكل قاعة شواذ ، بل تكون أحيانا غير صائبة إذ يؤدي النقص في المبنى زيادة في المعنى ، ومن ذلك ما ورد في قول الشاعر : ( الطويل )
قُلتُ لِغَلّاق بِعَرنانَ ما تَرى فَما كادَ لي عَن ظَهرِ واضِحَةٍ يُبدي
تَبَسَّمَ كُرهاً وَاستَبَنتُ الَّذي بِهِ مِنَ الحَزَنِ البادي وَمِن شِدَّةِ الوَجدِ
إِذا المَرءُ أَعياهُ الصَديقُ بَدا لَهُ بِأَرضِ الأَعادي بَعضُ أَلوانِها الرُبدِ
يتحدث الشاعر عن مروره وصاحبه ” غلاق ” بمنطقة ” عرنان ” وهما غريبان عن تلك المنطقة وكان الصمت مسيطر عليهما فسأل الشاعرُ عرنانَ ولم يضفر منه بإجابة إلا تبسم على كراهة ففهم الحزن والوجد المسيطران على صاحبه لعدم وجود الأصدقاء في تلك المنطقة ، فإذا خلى المكان من الأصدقاء صار مكانا معاديا .
والناظر للبيت الأول يجد التفعيلة الأُولى من البيت ” عُولُنْ ” دخل عليها زحاف الخرم : وهو حذف الحرف الأوّل من الوتد المجموع في التفعيلة فأصلها ” فَعُولُنْ ” ؛ لأن المقطوعة من البحر الطويل .
ولم يكن الشاعر مضطرا إلى هذا الزحاف، إذ كان بإمكانه أن يقول ” فَقُلتُ ” ويستقيم له الوزن من دون أن يلجأ لهذا الزحاف ، ولكنَّ المعنى الذي أراده الشاعر فرض عليه ذلك الحذف ، فعندما قال ” قُلتُ ” من دون أنْ يسبقها بحرف عطف بيَّنَ الصمت المطبق الذي كان سائدا بينهما قبل هذا القول ، ولو جاء بحرف العطف لَما أفاد هذا المعنى.
ومن هنا نقول إنَّ النقص في المبنى يؤدِّي احيانا إلى زيادة في المعنى ، لا تؤدِّيها الزيادة في المبنى .