الزي الموحد بين الرفض والقبول
بات من الواضح أن الزي الموحد في الجامعات قضيَّة لها جوانب إيجابية على الظاهر((أو كما يشاع عنها للوهلة الأولى))، فهي تُقارب بين الوشائج المجتمعية باعتبار التسوية بين الأغنياء والفقراء ، فضلاً عن الجانب السايكولوجي لها والمتضمن برمزية اللون الأبيض إلى السلام والنقاء، فعُدَّ سيمياء واضحةً في الأوساط إلى الهوية الأكاديمية للشخص.
وعلى هذا فالإرشاد والتوجيه الأكاديمي يعتمد إيضاح هذه الثيمات إلى الطلبة الجدد، بيد أنَّ من المؤسف حقاً استغلال هذه القضية لمآرب شخصية، فقد برزت حالات متعدِّدة تشير إلى نفور الطلبة من الالتزام بالزي الموحد كالذي حدث في إحدى جامعات بغداد من استنفار شديد لدى الطلبة والخروج بمظاهرة كبيرة أعربوا فيها عن رغبتهم في إلغاء قانون الزي الموحد.
كثير من هذه الحالات الرافضة للزي الموحد نتيجة لتصرُّف غير مقبول من لدن أحد مسؤولي الأمن الجامعي أو أعضاء الإرشاد، لأسباب شتَّى ، منها : التحرش الجنسي ، الغيرة، الإيذاء النفسي بدوافع تسلُّطية.. إلخ، فقد ذكرت طالبة في إحدى الجامعات أن أحد التدريسيين طالبها بخلع ( الجاكيت) أمام زملائها وزميلاتها للتأكد من القميص الأبيض الذي ترتديه فضلاً عن سيل من الإهانات غير اللائقة وغير المقبولة، متناسياً أنَّ وظيفته هي الإرشاد والتوعية وتوجيه الطلبة إلى كل ما هو مفيد ومهم.
ومن الجدير بالذكر أن في معظم المناسبات التي تقيمها جامعات العراق تجد الطلبة على كافة المراحل الدراسية يرتدون ملابس ذات ألوان براقة ومختلفة، في حين تجد في احتفالات الجامعات العالمية ارتداء الطلبة للزي الموحد، وهذا يدلُّ عن افتخارهم بهذه الهوية الجامعية على العكس من طلبتنا الذين يعبِّرون بشكلٍ خفي عن رفضهم لهذا المظهر الحضاري بسبب سوء التوجيه والمعاملة.
ويبدو أن هناك إشارة خفية إلى أن الزي الموحد (الأبيض) لم يعد يمثل الجانب الإيجابي لهُ، بل على العكس؛ فتجد نظرات السخرية والاحتقار من لدن بعض الكادر الإداري والتدريسي في الجامعات، وكأنَّ هذا الزي يحدد مدى احترام الشخص وقيمته وطرق معاملته في الأوساط الأكاديمية، ولو راجعنا الحقب الزمنية السابقة لرأينا أن كل مجموعة من الفئات لها لبس خاص بها، فطبقة الأشراف لهم لبس خاص بهم وطبقة العبيد كانت تلبس ملبساً خاصاً ليتميَّز أفرادها عن بقية الناس، وكذلك الجيش والشرطة، فالزيُّ الموحَّد هو تعبير سيميائي عن الهوية الأكاديمية الذي يخلق نوعاً من التوحيد والانضباطية في الجو الدراسي.
إنَّ الرفض الطلابي للزي الموحَّد متأتٍ من أسباب متعدِّدة، منها: قمع الفردية الشخصية ذلك لأن المظهر الخارجي للشخص يعدُّ جزءاً من شخصيته المحبَّة للظهور، وقد يكون الزي الموحد غير مريحاً أو جذاباً لبعض الأفراد، أو قد يتململ بعضهم من الروتينية في اللون الموحد، غير أنَّ ذلك لا يعدم من توفير الشراء لأن تكلفة الزي الموحد غالباً ما تكون أقل سعراً من الملابس المختلفة، فضلاً عن توفير الوقت والجهد إذ لا يحتاج الأفراد إلى التفكير في اختيار ملابسهم يومياً.
وخلاصة الأمر أنَّ الحالات الفردية التي أدَّت إلى نفور الطلبة من الزي الموحد لا تمثِّل جوهر المسألة، فالتأثير النفسي على أداء الطلاب بشكل إيجابي أعمق من التصرفات الشاذة لأنه يعزِّز الانتماء والولاء للمؤسسة الجامعية.

شارك هذا الموضوع: