السطح والاعماق في النظر الى الشخصية
اذا لاحظنا طفلا يعتدي على آخر فاننا نكون عنه حكماً يقول انه عدواني . ونحن ، في الواقع ، انما نشير هنا الى صفة لسلوك ظاهر على السطح من غير أن ترجع الى ما هو كامن وراءه . فاذا تابعنا الآن الملاحظة ورأينا هذه الصفة السطحية عند الطفل في مناسبات متعددة ، فاننا غالباً ما تنتقل من حكمنا على سلوكه الظاهر الى الحديث عن الأركان الكامنة لديه في الأعماق لنقول عنها انها هي التي تجعله يفعل ما يفعله . فنحن اذن أمام وقفة عند السطح من الشخصية ، وأمام مقارنة لما يجري في السطح تدعونا نحو الانتقال إلى الأعماق .
والواقع أن هذه العوامل الكامنة في الأعماق كثيراً ما تكون من نوع لا يشعر به الفرد الذي نرى عنده المظهر العدواني السطحي . فقد يكون عدوانه مدفوعاً بنزوعه الى توجيه انتباه أمه له ، وقد يكون هو ( وهذا هو أكثر ما يحدث ) غير شاعر بهذا الدافع العميق . وقد يكون عدوانه نتيجة لاحباط مر عليه من قبل ولكنه لا يشعر بذلك الآن ولا يقدر الآن أن عدوانه يأتي نتيجة لإحباط سابق ،وقد يكون عدوانه مرتبطاً بعناصر تكوين أخرى مختلفة .
فالدراسة العلمية للشخصية اذن لا تكتفي بما هو في السطح منها بل تسعى كذلك الى الأعماق . ان أشكال السلوك التي تظهر عند الفرد ، ومعها كل العوامل القائمة وراءها ، تؤلف بمجموعها تلك الوحدة الفريدة التي نسميها الشخصية والتي تتوجه اليها الدراسة . ثم ان عملية التكيف التي يمر بها الفرد في موقف ما والتي تظهر في محاولة تغيير في نفسه ، أو تغيير في شروط الموقف ليصبح الانسجام بين الموقف وبينه مناسباً ، انما هي عملية تشارك فيها الشخصية من حيث هي كل” وفيها كل ما تنطوي عليه داخلياً من أساليب التكيف وما يظهر على السطح من إجراء أو أشكال سلوك .
المصدر:
(الرفاعي، ١٩٨٢:١١٦)