السماح بالرحيل
م.م إيلاف محمد عباس الخفاجي
طرائق تدريس التاريخ
كلية التربية للعلوم الانسانية/ قسم التاريخ
كان الهدف الأساس على مدار أعوام من الطب السريري هو السعي لأكثر الطرق فعالية لتخفيف معاناة الناس في كثير من جوانب الحياة ولتحقيق هذه الغاية تم استكشاف الكثير من التخصصات الطبية مثل علم النفس والطب النفسي والتحليل النفسي والعلاج السلوكي والارتجاع البيولوجي والعلاج بالإبر والتغذية وكيمياء الدماغ.
على الجانب الاخر من هذه العلاجات السريرية كانت توجد النظم الفلسفية والميتافيزيقية والكثير من تقنيات الصحة الشمولية ودورات تطوير الذات لتوسيع نطاق الوعي.
قدم البروفيسور ديفيد ر. هاوكينز آلية (السماح بالرحيل) التي من شأنها ان تفعّل قدرة الانسان الفطرية على السعادة والنجاح والصحة والعافية والسلام الداخلي والابداع. حيث يرى ان هذه الحالات والمقدرات توجد داخل كل انسان فهي لا تحتاج الى أي ظروف خارجية او صفات شخصية ولا تتطلب إيمانا بنظام ديني معين فالسلام الداخلي ينتمي للنفس البشرية من خلال طبيعتها النقية فهي ليست ملك لاي مجموعة او نظام.
لكن التساؤل هنا ان كان النجاح والسعادة والصحة من طبيعة النفس البشرية ماذا عن الغضب الحزن القلق اليأس او الانتقادات اليومية التي تحجب صوت الصمت الفطري بداخلنا هل توجد طريقة تخرجنا منه ؟
أجاب هاوكينز ان آلية السماح بالرحيل تعتمد في جوهرها على حالة التسليم، فحالة التسليم هي ان نتحرر من مشاعر سلبية في منطقة معينة وبهذا نسمح للأبداع وكذلك العفوية بالظهور بدون أدنى مقاومة او تدخل من الصراع الداخلي، فهي بذلك تمهيد الطريق نحو الحرية التي نسعى اليها غير اننا نجد صعوبة في نيلها، رغم انه من غير المنطقي ان نصل الى مكان ما من خلال السماح بالرحيل لكنه يثبت من خلال التجارب السريرية والشخصية ان التسليم هو الطريق المضمون نحو الاشباع التام.
فالسماح بالرحيل عبارة عن نظام واقعي يقضي على العقبات والتعلق ويمكن تسميتها بتقنية التسليم فهي تعمل على تخفيف ردات الفعل الفيزيولوجية تجاه التوتر.
السماح بالرحيل هو اشبه بانقطاع مفاجئ لضغط داخلي، او إنقاص وزن يصاحبه شعور مفاجئ بالراحة والخفة وسعادة وحرية أكبر، فهي عملية تحدث بوعي وتتكرر بناءً على رغبة الفرد المتبني لها هنا سيكون مسؤولا عن مشاعره ولن يكون تحت رحمة العالم وردات الفعل الانفعالية التي يصبح فيها هو الضحية.
السماح بالرحيل يعالج الكبت والخوف والتوتر عن طريق ادراك شعور ما (كبت ، خوف، قلق)، السماح له بالظهور المكوث معه والسماح له ان يأخذ مجراه دون محاولة تغييره او القيام بشي حياله ببساطة يعني السماح له ان يكون هنا والتركيز على التخلص من الطاقة التي تكمن خلفه ، الخطوة الأولى ان تسمح لنفسك ان تشعر بالشعور بدون مقاومته او الهروب منه او الخوف منه، يعني ان تسقط الاحكام وترى انه ما هو الا شعور فالتقنية عبارة عن بقاءك مع الشعور وتخليك عن أي مجهود تسعى لتحسينه باي حال من الأحوال ، أي اسمح برحيل رغبتك بمقاومة الشعور فالمقاومة هي التي تجعل الشعور يستمر، عندما تتخلى عن المقاومة او محاولة تغيير السلوك ستتحول الى شعور اخر وسيصاحبه شعور اكثر خفة .
السماح بالرحيل ببساطة تقنية تحرر الفرد من التعلقات العاطفية التي يراها المسبب الأول للمعاناة لان المشاعر تسير العقل وافكاره وكل شعور هو مشتق تراكمي لآلاف الافكار واغلب الناس يقضون حياتهم بقمع مشاعرهم وكبتها والتهرب منها، فهذه الطاقة المقموعة تتراكم وتبحث عن مخرج للتعبير من خلال الآلام النفسية والاضطرابات الجسدية والسلوك المضطرب بالعلاقات الشخصية فهذه المشاعر تعيق النضج الروحاني والوعي.
تساهم آلية السماح بالرحيل بمساعدة كل الأشخاص فهي نافعة للجميع سواء شخص يطمح بالنجاح او شخص خاضع للعلاج في محاولة الشفاء من مشكلات عاطفية او مريض يعاني من مرض ما.
وجد د. ديفيد ر.هاوكينز في( آلية السماح بالرحيل) فائدة علمية كبيرة لمواجهة كل المشكلات في الحب والخوف والفخر والمشكلات النفسية الأخرى لذلك شجع الآخرين على استخدامها لأهميتها ودورها الفعال إضافة الى كل الاكتشافات الطبية والعلاجية لكنه وجد فيها نجاح كبير من خلال تجاربه الشخصية والسريرية.
بإتباع اهم خطوة هو الاعتراف بوجود المشاعر السلبية وان يكون مستعد ذلك الشخص لرؤيتها بدون إطلاق الاحكام، فالسماح لرحيل غضب يحمله منذ الطفولة والتسليم للأنا، هو الهدف الأساس لتحقيق حالة مرتفعة من الوعي اللاإزدواجي والتعامل مع (الذات القاصر) التي ترغب باستمرار رؤية النفس (افضل من) او (اسوء من) والتسليم للانا بحد ذاتها.
بصورة عامة السماح بالرحيل غالبا ما يكون اسرع من العلاج النفسي وغالبا ما يحرر نضج الوعي والادراك ويحفزه في حين العلاج النفسي مصمم ليفسر الأنماط الضمنية بصورة افضل ولهذا قد يعمل الاثنان معاً على نحو جيد، فآلية السماح بالرحيل تسهل وتسرع عملية العلاج النفسي وتسمو بأهدافه، ان هدف السماح بالرحيل التسليم هو الحرية التامة، في حين ان هدف العلاج هو إعادة تكييف الانا لتحقيق توازنا اكثر صحة كما يستند النظامين الى برامج مختلفة من الواقع يهدف العلاج النفسي الى استبدال برمجات ذهنية اكثر إرضاء محل أخرى مرضية بينما يهدف السماح بالرحيل الى طرد البرمجيات العاطفية والذهنية المقيدة لنيل عقل غير مشروط ومن ثم تجاوز العقل نفسه بالنهاية والوصول الى حالات وعي مرتفعة حيث الحب والسلام.
آلية السماح مصممة لتبطل الاسباب الكامنة للبنية العصابية ككل فهي تبطل البنية الأساسية للشعور والسلوك غير الطبيعي، فهي آلية تسليم تهدف الى تجاوز أوهام العالم للوصول الى الحقيقة المطلقة وهي (ادراك الذات) واكتشاف أساس العقل بحد ذاته حيث المصدر لكل فكرة وشعور.
فائدة آلية السماح بالرحيل على جميع الأصعدة:
جسدياً:
للتخلص من المشاعر المكبوتة فائدة صحية إيجابية فهي تقلل من فائض الطاقة في الجهاز العصبي اللاإرادي في الجسم وتفتح مسارات النظام الطاقي، بمعنى ان الانسان كلما تخلى عن المشاعر السلبية فإن الاضطرابات النفسية الجسدية تتحسن وتختفي جميعها تدريجيا. فتنعكس العمليات المعتلة في الجسد لتعاود عملها بأفضل حال من جديد
سلوكياً:
لان القلق والمشاعر السلبية ينخفضان تدريجياً باستخدام آلية السماح بالرحيل، فإن الحاجة الى التهرب من خلال المخدرات والكحول والترفيه والنوم تقل اكثر فأكثر، ونتيجة لذلك تحدث زيادة في النشاط والطاقة والحضور والرفاهية بالإضافة الى أداء اكثر كفاءة بلا مجهود في جميع المجالات.
العلاقات الشخصية:
من خلال آلية السماح بالرحيل والتخلي عن المشاعر السلبية سيكون زيادة بالمشاعر الإيجابية تنتج تحسينات يمكن ملاحظتها بسرعة في كل العلاقات سيكون زيادة في القدرة على الحب وانخفاض في النزاعات مع الاخرين تدريجيا ما يؤدي الى تحسن الأداء في العمل فالتخلص من العوائق السلبية يسمح بإنجاز الأهداف المهنية بسهولة اكبر، يقلل سلوك التخريب الذاتي المعتمد على الشعور بالذنب تدريجيا، مع استمرار النضج والتطور الشخصي فإنه غالبا ما يتم اكتشاف قدرات إبداعية ونفسية لم تكن معروفة من قبل.
الأهم في هذه الالية تقلل من الاعتماد الذي يدمر العلاقات الإنسانية يؤكد انه سينقص تدريجيا فخلف الاعتماد الكثير من الألم والمعاناة قد يؤدي الى العنف والانتحار كتعبير نهائي له، ولان الاعتماد يقل فالسلوك العدواني يقل أيضا يحل محل هذه المشاعر السلبية مشاعر تقبل ومحبة تجاه الآخرين.
الوعي /الادراك /الروحانية:
يرى هذا الجانب النور من خلال استخدام الية التسليم باستمرار، فالسماح برحيل المشاعر السلبية يجعل الانسان يعيش مشاعر سعادة ورضا وسلام متزايد، سيحصل توسع في الوعي وزيادة في الادراك وتجربة للذات الداخلية الحقيقية.
الخلاصة //
النقطة الحاسمة هي اننا بتغيير أنفسنا نغير العالم، كلما أصبحنا محبين من الداخل، يحدث الشفاء في الخارج، مثل البحر كلما ارتفع ارتفعت معه السفن.
السماح بالرحيل هي دعوة للتخلص من المشاعر السلبية التي تعيق النمو الشخصي للفرد واستبدالها بطاقة الأفكار الإيجابية عن طريق التسليم وترك التعلق والاتكال على الآخرين بالتسليم يتحرر الانسان ويزيد وعيه وادراكه وتساعده على تحقيق ذاته.