السيدة زينب عليها السلام ( النشأة والتهيئة والاعداد الفكري)
ا. د عبير عبد الرسول محمد التميمي
تُعد عقيلة بني هاشم عليها السلام إحدى شخصيات البارزة والمهمة ، ولها قدسية خاصة ، بوصفها إنموذجا ومثالا بارزاً للعقيدة والثورة في سبيل الحق ، والمتتبع آثارها يتمثل امام عينيه رمز العفاف والحق والفضيلة والشجاعة ، لدورها في معركة الطف وأُستشهد أخيها سبط النبي الاكرم صلى الله عليه واله , واهل بيته عليه السلام.
ان عقيلة بني هاشم عليها السلام هي ثالث أولاد السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام ، اختلف المؤرخون في تحديد تاريخ ولادتها ، والارجح قولان الاول ان ولادتها في السنة الخامسة في الخامس من شهر جمادي الاولى ، اما القول الثاني أن ولادتها في السنة السادسة في مطلع شهر شعبان أي بين سنتي 626م , 627م .
المحور الأول : الاعداد الفكري للسيدة زينب عليها السلام:-
أخذت علمها من باب مدينة العلم والدها الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ووالدتها سيده نساء العالميين فاطمة الزهراء عليها السلام ، إذ بقيت مع امها الزهراء عليها السلام ست سنوات ن ولو استأنسنا بما يذكره علماء النفس التربوي ، في أن الطفل بعد أن يتم السنة الثالثة تبدأ مرحلة التوافق بينه وبين بيته ، والتمييز بين الألفاظ والمعاني ، والنمو العقلي ، ويتجه إلى كشف ما يحيط به مما يُسمع ويُرى ، وأن هذا الكشف يترك أثارا تعمل في نفس الطفل إلى آخر يوم في حياته ، فكانت العقيلة عليها السلام ترى في هذه المرحلة أمها فاطمة الزهراء عليها السلام تقوم للصلاة حتى تتّورم قدماها ، وتبيت على الطوى هي وصغارها وتُطعم الطعام بل تتجلى لأولادها بحقيقتها القدسية ، فهي غنية التعريف يكفي كونها الحوراء الإنسية بضعة سيد الرسل صلوات الله عليه واله , من هنا فقد انعكست صفات السيدة الزهراء عليها السلام على ابنتها العقيلة عليها السلام ، وظهرت جليه واضحه في الورع ، والعلم ، والتقوي، هذا وبعد ذلك العرض الموجز جدا عن السيدة زينب عليها الاسلام سنعرض رؤى المفكرين عنها وكيف رسموا لنا صورة عن حياتها وجهادها ، حتى قالوا: (( لم تظفر صبية من لداتها فيما نحسب بمثل ما ظفرت هي به في تلك البيئة الرفيعة من تربية عالية … قيل إنها كانت تتلو شيئا من القرآن الكريم بمسمع من أبيها فبدا لها أن تسأله عن تفسير بعض الآيات ، ففعل ثم استطرد متأثرا بذكائها اللامع يُلمّح الى ما ينتظرها في مستقبل أيامها ، من دور ذي خطر ، ولشد ما كانت دهشته حين قالت له زينب في جّد رصين : أعرف ذلك يا أبي ، أخبرتني به أمي كيما تهيئني لغدي )).
مما تقدم يتضح لنا أن هذا الاهتمام بالسيدة مثّل إدراكا واضحا للقضية ، وإعدادا وتهيئة نفسية وفكرية من والدها امير المؤمنين عليه السلام ووالدتها بضعه الرسول عليها السلام ، كما ونلحظ أن بنت الشاطئ عرضت في كتابها ملامح واضحة من عناصر الوعي لديها عليها السلام ، منها دور هذا البيت العلوي وكفاءته في تربية السيدة زينب عليها السلام وإعدادها لحمل الرسالة ، بما يجعل من قضية عاشوراء ونهضة الإمام الحسين عليه السلام ، حاضرة في الأذهان فقد لمس المعصومون في زينب عليها السلام ، على صغر سنها ملامح الكفاءة والقدرة الواضحة في شخصيتها ، عليها السلام وهي طفلة صغيرة لا يتجاوز عمرها الشريف بضع سنوات ، فهي أهل لإدراك مدى عظمة القضية الحسينية ، ولتفّهم الدور الذي سوف تقوم به ، كما ان قضية اليقظة الفكرية التي كانت تتمتع بها العقيلة عليها السلام ((فقد كان لها مجلس علمي حافل ، تحضره العديد من النساء اللواتي يرغبن التفقة في الدين ، وكان من بين من روى عنها ، عبد الله بن عباس ، إذ يقول : حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي)) .
المحور الثاني: التفاعل المعرفي مع الظروف والاحداث :-
ان ما يتعلق في هذا المحور هو دراسة التفاعل من قبل السيده زينب عليها السلام مع الظروف والاحداث آنذاك ، فلم تكن عليها السلام بعيدة عن أثر تغيّرات القضايا التي روى وسجل التاريخ أحداثها ، بل إنها كانت تعايش وتقاسي ذلك الأمر ، ففي مراحل عمرها الاولى فُجعت بفقدها جدّها الرسول الاعظم محمد صلوات الله عليه وآله إذ كان لها من العمر عليها السلام خمس سنوات ، وما جرى بعد ذلك على امير الموحدين عليه السلام والسيدة الزهراء عليها السلام من السقيفة واحداثها , وغصب حق أمها الزهراء عليها الاسلام متمثلة بحادثة ضرب الباب وإسقاط الجنين ، هذه من جهة وفاجعة فقد فقدها لأمها الزهراء عليها السلام ومن بعد شهور قليلة من جهة أخرى ، تبع ذلك الأمر مشاهدتها لوالدها الامام علي عليه السلام للمآسي والآلم والمحن العصيبة التي قد مّر بها ، والمعروف أنها استّجدت بعد استشهاد النبي صلوات الله عليه وآله وعلى امتداد خمسين سنة طرأت تغيُرات عديدة في الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية والمعيشية في المجتمع الإسلامي ، وتغيرت معها أفكار وسلوكيات المسلمين عمّا كانت عليه في عصر النبي صلوات الله عليه واله ، هذا وبعد تولي الإمام امير المؤمنين عليه السلام الخلافة ومحاولة أعدائه عرقلة سياسته ، بإثارة الاضطرابات الداخلية والمتمثلة بالحروب إثناء خلافته عليه السلام ، التي انتهت باستشهاده عليه السلام على يد الخارجي عبدالرحمن بن ملجم ، من ثم قام الإمام الحسن عليه السلام بأعباء الإمامة ولكن تخاذل أصحابه حينئذٍ عن طاعته في حربه مع معاوية، اضطر الى مهادنة معاوية ، حقناً لدماء المسلمين ولكشف حقيقة معاوية لهم، قد غدر الأخير بالإمام الحسن عليه السلام فدّس له السم ، وقضى الإمام شهيدا حينها بلغ الظلم الأموي أكبر حدوده فانصبت المصائب الفادحة على شيعه امير المؤمنين عليه السلام .
هذا ولم يقتصر الأمر ، بل زاد الأمر سوءً بتولي يزيد الحكم بعد معاوية ، فبدأ صراع الإمام الحسين واهل بيته وفي مقدمتهم العقيلة عليها السلام ، ضد سياسة يزيد بن معاوية ومحاولة الأخير إضفاء الصبغة الشرعية على حكمه عن طريق أخذ البيعة من الإمام الحسين عليه السلام ، إلا أن كان رفض الإمام ذلك الأمر معلوما ، فبدأت نهضه الإمام الحسين عليه السلام الاصلاحية لمواجهة حكومة يزيد ، رافعة شعار استنهاض الأمة بدعوة جهادية يعمل الإمام فيها على إحياء الدين .