م.م.علي حميد شاكر عويز
جامعة كربلاء/كلية التربية للعلوم الإنسانية
قسم اللغة العربية
دكتوراه- لغة عربية- أدب
(السيمنار: حلقةٌ مهمّةٌ، طالبُ الدراسات العليا في غفلةٍ عنها)
بدايةً أودُّ أن أُشير إلى أنَّ هذا المقال يسعى إلى بيان أهمّية (السيمنار) بالنسبة لطالب الدراسات العليا، وليس لكيفية إعداده، أو أركانه التي يجبُ أن يُبنى عليها؛ لأنَّ ذلك قد تُطرِّق له كثيراً، من لدن الأكاديميين، أساتذةً، وباحثين، ودارسين.
تختلفُ مرحلةُ الدراسات العليا عن مرحلة الدراسة الأولية (البكالوريوس) من جوانب عدّة، من حيث الكم والنوع في المادة الدراسية التي يتلقّاها مثلاً، أو في كيفية تلقّي هذه المادة العلمية، أو من حيث تعامل الأستاذ مع الطالب، فبعد أن يقضي الطالبُ أربع سنين او أكثر في دراسته الأولية وهو يتلقّى المادة العلمية من لدن أستاذ المادة، عبر العَرضِ، والشرحِ، والإملاءِ أيضاً، بينما هو مكتفٍ بتدوين وحفظ ما يسمعه أو يتلقّاه، ومن ثَمَّ الإجابة عن الأسئلة التي يطرحها الأستاذ شفاهاً في قاعة الدرس، أو في ورقة الاختبار، فلا يُطلبُ منه أكثر مما تعلّمه وتلقّاه في أثناء محاضرات الأستاذ، إلا قليلاً؛ لئلا يصعب الأمرُ عليه أولاً، ولكي يفهم مجال تخصصه جيّداً.
لكنَّ الأمرَ يبدو مختلفاً عند الانتقال إلى مرحلة الدراسات العليا، إذ يصبح الطالبُ هو المُطالبُ بالمعلومة والتحضير أكثر من أستاذ المادة، وهذا على العكس مما اعتاد عليه في دراسته الأولية، فهذه المرحلةُ بالنسبة له هي مرحلة الاجتهاد، والتميّز، والبحث الجاد، والتنقيب عن المعلومات في أمّات الكتب، والتوسّع كثيراً في مجال التخصص، ولذا نجد كثيراً من الطلّاب يقع في حيرةٍ كبيرةٍ، فيشعر بالتشتت والضياع، أمام هذه المرحلة، وأمام هذا الكم الهائل من الكتبِ والدراسات والأبحاث، فيصابُ بتوتّرٍ كبيرٍ وخوفٍ أكبر، ولذا فقد يظن بعضهم متوهّماً – نتيجة الاتساع الكبير في طرق الدراسة واختبار الكورسات، ومن ثم الدخول في نفق اختيار الموضوع والعنوان لبحثه- أن هناك قضايا غير مهمّةٍ، أو هي من نافلة القولِ، بل قد يظنُ بأنها تحصيلُ حاصلٍ لا أكثر، ومن أبرز تلك القضايا هي قضية (السيمنار) والتي -للأسف- يغفلُ عنها وعن أهميتها كثيرٌ من طلبة الدراسات العليا، بل قد يظنها بعضُهم، بأنها حلقةٌ زائدةٌ، لا فائدة تُرتجى منها، غير الضغط على الطالب، وتصعيب الأمور بوجهه، وتضييعٌ لوقته، وفي الحقيقة هذا أمرٌ مؤسفٌ جداً، ولو يعلمُ طالبُ الدراسات العليا ما الفائدةُ التي يخرجُ بها من (حلقة السيمنار) لسعى بنفسه إليها، ولطالبَ قسمَه بانعقادها لأكثر من مرّة؛ فمن الفوائد الجمّة التي يجنيها طالبُ الدراسات من هذه الحلقة المهمة، هو عرضُ موضوعِ بحثه على أساتذةٍ أكْفاءٍ ذوي باعٍ طويلٍ، كُلٌّ في مجال تخصصهِ، وهذا ما يمكّنه من معرفة مدى صلاحية موضوعه للبحث والدراسة من عدمها، إذ يقومون بتوجيه عدداً من الأسئلة التي تتعلق بموضوع بحثه، والتي من شأنها إنارةُ عقل الباحث، وتوسيعُ مداركه، وفتحُ أفاق جديدةٍ أمامه لم تكن في حسبانه سابقاً، فيصبحُ ذا إحاطةٍ كبيرةٍ بموضوعه، فضلاً عن مناقشتهم إيّاه في كُلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ تتعلّقُ بموضوعهِ، بدءاً من سبب اختيار الموضوع، وصياغة العنوانِ، وخطّة الدراسة والمحاور التي بُنيت عليها، وكيفية تقسيمها، وما إلى ذلك…
فالطالبُ إذن أمامَ عددٍ من الأساتذة المختصّين الذين أمضوا معظم أوقاتهم بالبحث والتنقيب والدراسة، فتجدُ الواحدَ منهم قد أشرفَ على عددٍ غير قليلٍ من بحوث التخرّج، أو رسائل الماجستير، أو أطاريح الدكتوراه، فضلاً عن مشاركته بعشرات المناقشات والمؤتمرات العلمية، وعليه، فالخبرةُ المتراكمةُ، والاكتنازُ المعرفيُّ والعلميُّ سمتانِ ملازمتانِ لكلٍ منهم، وبذلك يمكن للباحثِ الانتفاعُ من خبرتهم واطّلاعهم الكبيرينِ، في معالجة وتصحيح ما استشكل عليه حلُّهُ، وصعب فهمُهُ.
فضلاً عن ذلك كُلّه، فإنَّ الفائدة الأهم والأبرز من بين ما تمَّ ذكرهُ، هو أنَّ (السيمنار) يمكنُ عدُّها تجربةً مسبقةً، ومناقشةً تجريبيّةً يخوضُ غمارها الباحثُ، قبل مناقشته الرسمية، فيكسرُ فيها حاجزَ الخوفِ الذي بداخله، ويعتادُ على تلقّي الأسئلة والاشكالات التي سوف توجّهُ إلى بحثه ودراسته، وكيفية الإجابةِ عنها بدقّةٍ وذكاءٍ، كما تُتيحُ له إبانتَه للآخرين عن فهمهِ، ووعيهِ، ومستوى إدراكه لتخصصهِ، بشكلٍ عام، ولموضوعه المدروس على وجه التحديد؛ بوصفه باحثاً جادّاً.
ولذا فإني أتعجّبُ كثيراً من بعض الطلبةِ الذين يظنون بأنَّ (السيمنار) حلقةً زائدةً في مرحلة البحث العلمي، غافلين عن المنافع المعرفية الكثيرة التي يمكن لطالبِ الدراسات أن يجنياها منها، فهي تجعله على جهوزية كبيرةٍ ليوم المناقشةِ الذي يتهيّبه كثيرٌ من طلبة الدراسات العليا، إن لم نقل كلّهم.
وفي الختام: ما أودُّهُ وأرجوه لزملائي طلبة الدراسات أنْ يتعاملوا مع هذه الحلقةِ المهمّةِ بجدّيّةٍ كبيرةٍ وعنايةٍ فائقةٍ؛ ليحصّنوا أنفسهم جيّداً على الأصعدةِ كافّة، خصوصاً وأنّهم مقبلون الكتابةِ والمناقشة فيما بعدُ…