الشاعر الأندلسي والطبيعة:
سيطرَ جمال الطبيعة على أخيلة الشعراء, فجمال الطبيعة الأخّاذ مصدر إلهام للشعراء يستمدون منه صوَرهم ويـُثرون مخيلاتهم بتلك المناظر التي تراها أعينهم.
ومن القضايا التجديدية في هذا الموضوع هي الـجمع بين الوصف المادي والوجداني؛ فعلى الرغم من جمال الطبيعة الأخّاذ الذي أخذ بلُبّ الشعراء, لكن الشاعر ما استطاع التخلص من أَسْرِ المحبوبة, فهذا الشاعر ابن السراج المالقي يصف لنا موضعاً جميلاً مَـرَّ بهِ هو وصاحبِهِ, ويشبّه صوت الماء هناك بصوت دموعهِ عندما يلاقي محبوبته المسمّاة (أزهر), من نحو ما قال:
شَرِبْنَا على ماءٍ كأنَّ خَريرَهُ
خريرُ دُموعي عندَ رؤية أزهَرِ
الشاعـر والطبيعة إلفان لا يفترقان, والـحُبّ يدعم هذه المشاركة, فقد تذكَّـرَ الشاعر في هذا المكان حبيبته, فالطبيعة والمكان أعانا الشاعر على التعبير عمّا يختلج في نفسِهِ من مشاعـر.
وإذا كان ابن السراج المالقي قد فُتِنَ بهذا الموضع, فإنَّ شاعرة مثل حمدة الوادي آشية قد سـَحَرَها (وادي آش) واستولى على قلبها, فقالت في وصفِهِ شِعراً جميلاً ينمّ عن موهبة أدبية فطرية وخيالٍ أخّاذ:
أباحَ الدمعُ أسراري بوادي
بهِ للحُسْنِ آثارٌ بَوادي
فكلّ الأشياء في هذا الوادي لافتة للانتباه وتُثير في النفس المشاعر الرقيقة.
وقد مـزج الشاعـر بين وصف الطبيعة والغَزَل, فهذا عبادة بن ماء السماء يصف امرأة جميلة قد عشقت هذه الأمكنة, مِن نحو ما قال:
وَلَعُوبٍ عَشِقَتْ روضَ الثَّرى
فَهْيَ تأتيهِ على طُولِ البُعدْ
كـمُحِبٍّ زارَ مَحبُوباً لهُ
فَتَحَلّى لِلُقاهُ واسْتَعَدْ
وإذا ما ودَّعَتْ أَبْصَرتُها
في نُحولِ العاشقِ الصَّبِّ الكَمِدْ
فَهُما في حَيْرَةٍ عِنْدَ النَّوَى
كَـمُحِبَّيْـنِ أَحَسَّا بالبَعَدْ
لقد أخذتْ الطبيعة مأخذاً من هذه الفتاة مثلما أخذتْ مأخذها من الشعراء مِن قَبْل, وشَبَّهَ الشاعر زيارتها لهذا المكان بزيارة الـمُحِب إلى الـمَحبوب, فهي عندما تفارق هذا المكان يصيبها مثلما يُصيب العاشق عندما يفارق المحبوب.
وهكذا امتزجَ شِعر الطبيعة بالأغراض الأخرى, مثل: الغَزَل والمديح, فقد سيطرت الطبيعة على أخيلة الشعراء, فجمالها الأخّاذ مصدر إلهام لهم يستمدّون منه صورهم, ويُثرون مخيّلاتهم بتلك المناظر التي تراها أعينهم.