الشاعر تجربة صراع اجتماعية
لم يكن الأدب منذ إشراقةِ شمسه إلا أحجيّةً وقف عندها استفهاما كل من أراد أن يستكشف ويبحث بعين الناقد الحاذق العلاقة بين الأدب والبيئة التي ينشأ فيها الأديب متأثرا ومؤثرا، ولا سبيل في ذلك إلا بتتبع المحطات التاريخية التي مر بها الأدب وكيف ترجمه أصحاب الإبداع إلى صور مختلفة طغت عليها الصبغة الاجتماعية؛ لأن الأديب ثمرة المجتمع. 
والأدب هو الذي يكشف عبر عناصره الفنية ملامح البيئة الاجتماعية والثقافية لكل مجتمع؛ الصحيحة منها والسقيمة، ولم يكن الأديب إلا ذلك العنصر الفعال الذي  ينطق بلسانه المجتمع، ويعبر عن طموحاته، ويكشف عن صوره التي ترتبط بصور المجتمعات الأخرى. 
وإذا ما حاولنا الرجوع إلى العصور الأدبية نجد أن أغلب الشعراء كانوا يتحدثون بلسان مجتمعاتهم، وقد اتخذوا مواقف مختلفة تجاهها؛ ولا مناص في أن نقسمهم على فئتين؛ فئة أشهرت قوافيَ قصائدها الرافضة، معبرة عن حالة السخط وعدم الرضا من المجتمع الذي لا يعبر عن طموحاتهم، والذي خضع لسلطة ظالمة تشنق الحرية بحبال البحث عن البقاء وبسط النفوذ والسطو على كل المقدرات، فاتقدت جذوة قصائد تمثل الالتزام الأدبي الذي يجعل الشاعر خاضعا لمعايير أخلاقية تقف بالضد من الحالات السلبية لا سيما تعسف السلطة والحكام. 
فهل ينكر أحد أن الشاعر الجاهلي عنترة العبسي كان رافضا لمعاملة سلطة القبيلة له، على أنه عبد ابن أمة، وهو الذي قال:
ينادونني في السلم يا بن زبيبة    وعند صِدام الخيل يا بن الأطايبِ
أي إنه مستاء من معاملة أصحاب السلطة، وإنه لا يتمتع بأي حق من حقوقه بوصفه إنسانا يعيش في وسط مجتمع، ووظيفته القتال لا غير، وإنه مطلوب وقت المصلحة.
وخذ مثالا ما اتخذه الشعراء الصعاليك في رؤيتهم للمجتمع، وكيف كانوا يمثلون طبقة اجتماعية تسعى إلى نيل مآربها عبر مواقف رافضة. 
ومثل عنترة شعراء كثيرون في مختلف العصور الأدبية التي مثلت صراعا بين السلطة والمجتمع.
     ولا يكاد يخلو عصر من العصور الأدبية من هذا الصراع الذي يلقي بظلاله على مواقف الشعراء، ما يجعلهم يخوضون تجارب اجتماعية تظهر بشكل جلي في أشعارهم. 
أما الفئة الثانية فهم الشعراء الذين وقفوا مع السلطة الظالمة ضد معاناة مجتمعهم وقد غضوا النظر عن الرسالة الاجتماعية للأدب، الرسالة التي تمثل جوهر الإنسان الحقيقي الذي يسعى إلى تحقيق أهداف مجتمعه في نيل حرياته، وبلوغ مقاصده في بناء حياة كريمة يشعر فيها الفرد أنه قد حقق طموحاته ومبتغاه.
ونراهم قد سال لعابهم للمال السلطوي، فاتخذوا الأدب وسيلة للتقرب والتزلف من أصحاب السلطة. فهم بذلك مثلوا الاتجاه المعاكس من الأدب الاجتماعي الملتزم بالمعايير الأخلاقية التي تمثل الرسالة الإنسانية للأدب.
والشاعر إذا ما وقف مع السلطة أو ضدها فهو يمثل تجربة اجتماعية، فإن وقف مع السلطة الظالمة فتعد هذه التجربة تجربة سلبية، وإن وقف ضدها فهي حالة إيجابية. فهو في كلا الأمرين سيعكس الصراع الدائر بين الخير والشر الذي لا نهاية له إلا بانتهاء الدنيا. 

شارك هذا الموضوع: