الشبكات الاجتماعية وتأثيرها على العادات الاجتماعية في المجتمع العراقي قراءة سوسيولوجية
مقال من إعداد
م.م. أمير علي هادي
التخصص / علم الاجتماع
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
جامعة كربلاء – كلية التربية للعلوم الإنسانية/ قسم العلوم التربوية والنفسية
الشبكات الاجتماعية وتأثيرها على العادات الاجتماعية في المجتمع العراقي
قراءة سوسيولوجية
مقدمة:
شهد العالم في العقدين الماضيين تطورًا تكنولوجيًا هائلًا أدى إلى تحول جذري في طريقة تواصل الأفراد. من بين أبرز هذه التحولات ظهور الشبكات الاجتماعية، التي أصبحت جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية في العديد من الدول. العراق، الذي عاش تحديات اقتصادية، سياسية، وثقافية كبيرة، لم يكن بعيدًا عن تأثير هذه الشبكات. فقد أتاح الإنترنت للعديد من العراقيين فرصة التفاعل مع العالم الخارجي ومشاركة تجاربهم الشخصية والعملية. ومن هنا، تصبح الأسئلة الجوهرية عن تأثير الشبكات الاجتماعية على العادات والتقاليد الاجتماعية في العراق أكثر أهمية: كيف غيّرت هذه الشبكات من شكل الحياة اليومية؟ وكيف أثرت على القيم الاجتماعية التي ارتبط بها العراقيون لقرون؟ هذا المقال يسعى لاستكشاف تأثير هذه الشبكات على المجتمع العراقي بشقيه التقليدي والتكنولوجي.
دور الشبكات الاجتماعية في تسهيل التواصل:
منذ ظهور الشبكات الاجتماعية، أصبحت عملية التواصل أكثر سرعة وسهولة. في العراق، حيث يعيش الناس في مناطق حضرية وريفية، قدمت هذه الشبكات وسيلة فعّالة لتعزيز الروابط الاجتماعية بين الأفراد، خاصة بين العائلات التي تعيش في مدن مختلفة أو في المهجر. لم يعد التواصل مقتصرًا على الهاتف أو الزيارات الشخصية التي كانت قد تكون محدودة بسبب المسافات أو الظروف الاجتماعية، بل أصبح بالإمكان تبادل التهاني في المناسبات والأخبار اليومية عبر منصات مثل فيسبوك وواتساب.
أصبح التفاعل على الشبكات الاجتماعية يسمح للأفراد بإبداء آرائهم وأفكارهم بحرية، بعيدًا عن القيود التقليدية التي كانت موجودة في المجتمع العراقي، مما ساعد على تنمية الوعي العام حول قضايا سياسية، ثقافية وفنية. أصبحت هذه المنصات مجالًا لتبادل الخبرات والتعلم من الآخرين، ما خلق بيئة تفاعلية تسهم في التحولات الاجتماعية، مما يجعل التواصل بين الأفراد أكثر مرونة.
التأثير على العادات والتقاليد الاجتماعية:
العائلة والعلاقات الاجتماعية:
لطالما كانت العائلة حجر الزاوية في المجتمع العراقي. العلاقات الأسرية كانت تقوم على اللقاءات الشخصية والتجمعات العائلية التي تشكل العمود الفقري للتفاعل الاجتماعي. لكن مع دخول الشبكات الاجتماعية إلى الحياة اليومية، بدأ هذا النموذج التقليدي يتغير تدريجيًا. أصبحت العائلات تتواصل عبر الإنترنت بشكل أكبر، سواء عبر المجموعات العائلية في واتساب أو عبر منشورات على فيسبوك. وتطورت أيضًا طرق الاحتفال بالمناسبات الاجتماعية مثل الأعياد أو حفلات الزفاف، التي أصبحت تُنظم وتنقل عبر الإنترنت، مما جعل الأفراد قادرين على مشاركة لحظاتهم السعيدة مع الآخرين دون الحاجة إلى وجودهم جسديًا في نفس المكان. بالرغم من ذلك، قد يكون هذا التحول قد أثر على الروابط الحميمية التي كانت تتسم بها اللقاءات المباشرة.
تغير في دور النساء:
على مر العصور، كانت هناك قيود اجتماعية ودينية تحد من حرية المرأة في التعبير عن نفسها في المجتمع العراقي، خاصة في المناطق الريفية أو في العائلات التي تتمسك بتقاليد قديمة. لكن مع ظهور الشبكات الاجتماعية، حصلت النساء على منصة جديدة للتعبير عن آرائهن ومشاركة تجاربهن في مختلف القضايا الاجتماعية، السياسية والثقافية. فباتت النساء في العراق أكثر قدرة على ممارسة حقهن في التعبير، ونشر الوعي حول قضايا مثل حقوق المرأة، المساواة، التعليم، والصحة. وأصبح لهن أيضًا دور كبير في تأثيث منصات مثل إنستغرام وتويتر، حيث أنشأت العديد منهن حسابات لعرض تجاربهن الشخصية وآرائهن حول قضايا متنوعة، ما فتح المجال لتقوية الحركات النسائية في العراق. رغم ذلك، ما زال المجتمع يواجه بعض التحديات فيما يتعلق بالتحرر الكامل للمرأة، ولكن الشبكات الاجتماعية قدّمت لها فرصًا لم تكن متاحة من قبل.
تأثير الشبكات الاجتماعية على القضايا الاجتماعية في العراق:
قضايا حقوق الإنسان والحرية:
منذ عقود، كانت قضايا حقوق الإنسان والحرية المدنية من الموضوعات التي يكتنفها التعتيم في العراق، خاصة في ظل الأنظمة السياسية القمعية التي سادت فترات طويلة. ولكن مع دخول الشبكات الاجتماعية إلى الساحة، بدأت تظهر موجات جديدة من الوعي المجتمعي حيال هذه القضايا. بات العراقيون قادرين على التعبير عن مطالبهم بحرية، عبر نشر المحتوى الذي يعكس تحدياتهم الشخصية والجماعية. من خلال هذه الشبكات، تم إطلاق العديد من الحملات التي تدعو إلى حقوق المرأة، حرية التعبير، ومحاربة الفساد، ما شكل دافعًا لزيادة الوعي المجتمعي والدعوة إلى الإصلاحات. على سبيل المثال، كانت منصات مثل تويتر وفيسبوك مسرحًا لاحتجاجات ضد الفساد السياسي والسياسات الحكومية القمعية، وهو ما يعكس الدور الفاعل الذي لعبته هذه الشبكات في تحفيز التحركات الشعبية نحو التغيير.
التغيرات في مفاهيم الجمال والموضة:
تأثرت مفاهيم الجمال والموضة في العراق بشكل كبير بانتشار الشبكات الاجتماعية. في الماضي، كانت مفاهيم الجمال تعتمد بشكل كبير على الموروث الثقافي، حيث كان المجتمع العراقي يفضل الأزياء التقليدية والمظهر التقليدي. لكن مع ظهور المؤثرين على منصات مثل إنستغرام ويوتيوب، بدأ الشباب العراقي في اكتساب وعي أكبر حول أساليب جديدة في الموضة والمكياج فالشبكات الاجتماعية أوجدت مساحة للتغيير في المظهر الشخصي، حيث بدأ الشباب يعبرون عن أنفسهم بأزياء مبتكرة وغير تقليدية، ما أدى إلى ظهور تباين بين الأجيال في مفهوم الجمال. هذا التغيير في المفاهيم قد يعكس تحديًا لبعض القيم التقليدية، لكنه أيضًا يدل على انفتاح المجتمع العراقي على التطورات العالمية.
التأثير السلبي على العادات الاجتماعية:
4.1. تراجع العلاقات التقليدية:
على الرغم من الفوائد التي تقدمها الشبكات الاجتماعية في تسهيل التواصل، إلا أن هناك تأثيرات سلبية على العلاقات التقليدية التي كانت سائدة في المجتمع العراقي. أصبح اللقاء المباشر بين الأفراد أقل شيوعًا، حيث تراجع الاجتماع العائلي أو تجمعات الأصدقاء لصالح التواصل عبر الإنترنت. هذا الانشغال بالتقنيات الرقمية أدى إلى اختفاء بعض القيم التي كانت تعزز العلاقات الإنسانية الحقيقية.
4.2. انتشار الأخبار المغلوطة:
أدى الانتشار السريع للمعلومات على الشبكات الاجتماعية إلى ظهور مشكلة كبيرة تتعلق بالأخبار الكاذبة والمعلومات المغلوطة. في العراق، شهدنا تزايدًا في تداول الشائعات عبر المنصات، سواء في قضايا سياسية أو اجتماعية أو أمنية. هذه المعلومات المغلوطة تؤدي إلى زيادة القلق الاجتماعي وزعزعة الاستقرار، حيث تساهم في نشر الخوف والشكوك بين أفراد المجتمع.
4.3. التأثير على الصحة النفسية:
إن الاستخدام المفرط للشبكات الاجتماعية بدأ يؤثر بشكل واضح على الصحة النفسية للشباب العراقي. فمن المعروف أن الضغط الاجتماعي والمقارنات التي تنشأ من مشاركة الصور المثالية والحياة الفاخرة على الإنترنت يمكن أن تؤدي إلى الشعور بالقلق والاكتئاب. وأدى هذا إلى انشغال العديد من العراقيين عن حياتهم اليومية، مما أثر على جودة علاقاتهم الشخصية وصحتهم النفسية.
كيفية التوازن بين العادات الاجتماعية والتطور التكنولوجي:
من الضروري أن يدرك المجتمع العراقي أن التكنولوجيا، بما في ذلك الشبكات الاجتماعية، يمكن أن تكون أداة فعّالة إذا استخدمها الأفراد بحكمة. إن التحدي الذي يواجهه المجتمع يكمن في كيفية الحفاظ على قيمه وتقاليده الاجتماعية أثناء الاستفادة من فوائد التقدم التكنولوجي. ينبغي أن يكون هناك توازن بين الاستفادة من وسائل التواصل الحديثة والحفاظ على العلاقات الاجتماعية الحقيقية التي كانت تميز المجتمع العراقي لعقود.
خاتمة:
إن تأثير الشبكات الاجتماعية على العادات الاجتماعية في العراق يعد أمرًا معقدًا، حيث يمكن أن تكون لها فوائد وسلبيات في آن واحد. فقد ساهمت هذه الشبكات في تعزيز التواصل والانفتاح على أفكار جديدة، ولكنها أيضًا تسببت في تحديات جديدة تتعلق بتراجع العلاقات التقليدية وانتشار الأخبار المغلوطة. إن الطريق إلى تحقيق التوازن بين القيم الاجتماعية والتطور التكنولوجي يتطلب من المجتمع العراقي أن يتبنى الاستخدام الذكي لهذه الشبكات، مع الحفاظ على الروابط الإنسانية التي كانت تشكل أساس الحياة المجتمعية لعقود طويلة.
المصادر
-السيد، أمينة وهبة عبد العال (٢٠٠٩م) الشبكات الاجتماعية وتأثيرها على الاخصائي والمكتبة، المؤتمر
الثالث عشر لأخصائي المكتبات والمعلومات في الفترة مابين ٥ -٧ يوليو، مصر: جامعة حلوان.
-الشامي، عبد الرحمن محمد (٢٠٠٢م) استخدامات القنوات التلفزيونية المحلية والدولية: الدوافع
والإشباعات، رسالة دكتوراه، مصر، جامعة الأزهر.
-شاهين، هبة (٢٠٠٠م) استخدام الجمهور المصري للقنوات الفضائية العربية، رسالة دكتوراه غير
منشورة، القاهرة، جامعة القاهرة.
-عبد الحميد، محمد (١٩٩٧م) دراسة الجمهور في بحوث الإعلام، القاهرة: عالم الكتب.
-عبد الصادق، عادل (٢٠٠٩م) الديمقراطية الرقمية، القاهرة: المركز العربي لأبحاث الفضاء الإلكتروني.
-العتيبي، جارح (٢٠٠٨م) تأثير الفيسبوك على طلبة الجامعات السعودية، رسالة ماجستير غير منشورة،