الشعوب العربية بين الديمقراطية والديكتاتورية
أ.د.عدي حاتم المفرجي
جامعة كربلاء – كلية التربية للعلوم الانسانية -قسم التاريخ
 
ان الشعوب العربية لم يظهر فيها المفهوم الديمقراطي كممارسة دولة مؤسسات في تاريخها الحديث والمعاصر الا  بالنسخة الغربية التي ظهرت مع عجلة الاستعمار ومختلف من مكان الى اخر حسب ظروف ظهور الدول فمنطقة الخليج العربي غير دول المغرب العربي ،وكسياق تاريخي فالعرب لم يعرفوا الدولة القطرية بالمفهوم الحديث بل تعدد اوضاعهم بين الخلافة والامارة حتى الهيمنة الاجنبية بعد سقوط بغداد 1258الى  بدايات القرن الماضي كانوا تحت  الحكم العثماني وهنا ثار العرب ضد العثمانيين بداعي عودة الخلافة برئاسة الشريف حسين وبهذه الامنية في تأسيس دولة استغلها المحتل الجديد والامبريالي الاول في الغرب وهم البريطانيون اذ قطعوا وعدا للعرب بعودة الخلافة بزعامة من شبة الجزيرة العربية وعرفت انذاك مراسلات الشريف حسين – مكماهون التي افرزت الشرارة الأولى لثورة العرب 1916 المعروفة بالادبيات العربية “الثورة العربية الكبرى”،وهنا كان البحث عن كيان دولة وايجاد ذات عربي  لا الوطنية مثلما صورت بعض كتب التاريخ فكانت ثورة الشعب المصري سنة 1919، وثورة الشعب السوري في السنة نفسها بالدعوة إلى المؤتمر الوطني الذي أعلن الاستقلال في مارس 1920، ثورة الشعب العراقي في حزيران 1920.كل هذه الثورات كان المطلب الأساسي من اٍندلاعها هو الدعوة إلى الاستقلال وإلى حق تقرير المصير والسعي نحو إقامة نظم ملكية دستورية نيابية. وقد تدرجت فيما مضى هذه المطالب من الدعوة إلى اللامركزية إلى الإصلاح في داخل الدولة العثمانية كما تبلورت في المؤتمر العربي الأول عام 1913، إلى البحث عن الذات بالمطالبة بالاستقلال والحكومات الدستورية النيابية والمحافظة على حقوق الأقليات، كل هذه  المطالب الثلاثة التي كانت تمثل القاسم المشترك بين الثورات فيما بعد لكن بالجدير بالذكر والعودة الى الثورات العربية ابان القرن الماضي قد أدت إلى صعود فئات  اجتماعية جديدة إلى الحكم وهم فئة ملاك الأراضي والتجار من السكان المحليين، هذه الفئة كانت ذات توجه ليبرالي بميول قومي  ” ففي مصر كان هؤلاء في الحزب الوطني ثم في حزب الوفد، بعد الزخم الذي حصلت عليه عملية تمصير الملكية الزراعية الكبيرة في الريف ( الذين كانوا في طور التحول إلى إقطاعيين) والضباط  وتجار المدن والأعيان المنضمون إلى حزب العهد، والحزب الوطني وحزب النهضة. وفي سوريا ظهروا من بين تجار دمشق وحلب خاصة، وملاك الأراضي في المناطق الأخرى من الضباط .وفي العراق كانت النخبة المثقفة ورجال الدين. وهكذا، فوصول هذه الفئة الاجتماعية إلى الحكم باعتبارها فئة معارضة ومطالبة بالإصلاحات وتحقيق المصالح العليا لبلادها، لم يعبر عنه في شكل أنظمة الحكم التي تبلورت في هذه الحقبة، ويتضح ذلك بشكل أساسي في اٍهتمامها بالقضايا السياسية مثل الاستقلال والديمقراطية والدستور، على حساب الاهتمام بالمشاكل الاجتماعية التي عاني منها المواطن العربي آنذاك. فقد كانت القضايا السياسية قد صرفت انتباههم عن الفوارق الطبقية المتزايدة وعن حقيقة تركز الثروة والسلطة في أيديهم، وعن قضايا العدالة الاجتماعية وفي ظل هذا الوضع، برزت أزمة أنظمة الحكم الوطنية على المستوى الإيديولوجي والسياسي. فعلى المستوى الإيديولوجي، تمثلت معالم هذه الأزمة في فشل التوجه “الليبرالي القومي ” الذي انتهجته تلك الحكومات، بينما على المستوى السياسي تجلى العجز في تزييف الديمقراطية، وتزوير الانتخابات، وطغيان الحزبية على المصالح العليا للبلاد، واحتكار الحكم، الأمر الذي عجل بتفكك وتفرق القيادات السياسية وتمزقها.لأنها غير مبدئية وقيامها تحت مظلة المحتل الذي اراد تمشية مصالحة في البلاد العربية .وبالتالي ظهر تحالف انتهازي على حساب الشعوب العربية بين الثوار المعارضين السابقين الذي استلموا الحكم وبين المحتل الاجنبي وكانت نقطة التحول البنيوية – في هذه المرحلة- والتي زادت من أزمة أنظمة الحكم الوطني فهو تحالف الفئات الحاكمة مع المصالح الغربية الرأسمالية ومن النتائج هزيمة الجيوش العربية في حرب فلسطين 1948،وهو الشيء الذي سرع بالحكم على التجربة الليبرالية السياسية برعاية غربية في المشرق العربي بالفشل، وفتحت الباب أمام صعود التوجه الراديكالي المعارض وظهور مرحلة انهيار الحكم المدني اذ تميزت هذه المرحلة بظهور عصر هيمنة الجيش أو العسكر على النظم السياسية القائمة في المشرق العربي، مما نتج عنه صعوبة بناء دولة مؤسسات أساسها ومبدأها الديمقراطية، لذلك ظهر نمط جديد من الاٍستبداد قائم على الدولة البيروقراطية التسلطية.في هذا السياق، عرفت أكبر الدول في المشرق العربي مثل مصر والعراق واليمن انقلابات عسكرية ضد أشكال الحكم المدني التي كانت قائمة، وكان للطبقة المتوسطة الملوثة من المرحلة السابقة وصادرت عقولها باحزاب واتجاهات سياسية وبخاصة في ثلاثينيات القرن الماضي المعروقة بالفكر الايدلوجي المتعصب العنصري الذي يعد حاضنة للعنف والتطرف الذي استغله العسكر في انقلاباتهم ولعبوا دورا رئيسيا في ذلك. فبسببهم استولى الجيش على السلطة ولا ننسى ينتمي أبرز ضباطه إلى الطبقة المتوسطة وهم من أصول ريفية العنيفين. ولذلك اتخذت الحكومات التي شكلتها الانقلابات العسكرية إجراءات تدعم ميولهم الريفي المصلحي مثل الاستصلاح الأراضي، والقيام بإصلاح زراعي لاستقطاب سياسة جديدة، فضربت العلاقات مع الامبريالية وأنشأت علاقات صداقة مع الاتحاد السوفيتي السابق والدول الاشتراكية سابقا، وضربت الإقطاع وأنشأت القطاع العام.وعليه ، رفع الجيش شعارات تحقيق الأمن والاستقرار والعدالة الاٍجتماعية  وأن تدخل الدولة بسبب ضرورات التنمية ، لكن سرعان ما اتضح زيف هذه الشعارات وأن هدفها المضمر  “ليس فقط  تبرير استيلائهم على السلطة فحسب، وإنما تصفية كل المؤسسات الدستورية والديمقراطية في البلاد التي ظهرت من المرحلة الاولى في بدايات القرن الماضي ، ومن الواضح  أن المؤسسة العسكرية لم تستمد مشروعيتها من سند شعبي كبير عندما أتت إلى الحكم في البلدان العربية غير أن ذلك  خلف  ارتياح وتقبل  لدى الشعب رغبة  منهم في تحقيق التنمية بأبعادها المختلفة ، ومثل هذه الاماني الخادعة فقد خدع ضباط الجيش الشعوب العربية بوضع الدولة العربية في المشرق على المسار الصحيح، وما إن تتحقق هذه الأمور حتى يعود الجيش إلى مكانه الطبيعي أي الثكنات العسكرية تاركين إدارة الشؤون السياسية  للمدنيين لكن ، حقائق الواقع كذبت هذه النوايا والشعارات ، واتضح أن أنظمة الحكم العسكرية لم تقدر على  تحقيق الأمن والاستقرار وذلك راجع إلى خلل في رؤية  العسكريين  التي تهدف إلى دعم التيار المؤدي إلى تدخل الدولة  على نطاق واسع في الاقتصاد والمجتمع بما يسمى الاشتراكية  ، أن  “سبب فقدان الأمن وعدم الاستقرار في تصورهم هو تعدد الآراء واختلاف الميول وتكاثر الأحزاب والتنظيمات التي تدعم هذا الاختلاف وتذكي روح الفرقة بين المواطنين وتدفعهم إلى التعصب واستعمال العنف في حل الخلافات لذلك حتى يتحقق الأمن والاستقرار فلابد من حل الأحزاب، وإن كان لابد من وجودها فبالتضييق عليها وخنقها تدريجيا، لمصلحة الحزب الحاكم أو التنظيم الذي يدعمه العسكر ، وكانت نتيجة هذه الرؤية المغلوطة القضاء على الحريات الديمقراطية والضمانات الدستورية في البلاد العربية والرقابة الشعبية ، وبالتالي ازدياد تسلط هذه الأنظمة الدكتاتورية وعليه، شكلت بداية الخمسينات والستينات القرن الماضي مرحلة أساسية في تغير ذهنية الإنسان العربي بوعيه أن الانقلابات العسكرية لم تكن ظاهرة زائلة مؤقتة عندما بدأ العسكر يضعون أسس التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الجديدة، الشيء الذي وضع أنظمة الحكم العسكرية أمام ضرورة إعادة إنتاج شرعيتها، وبالفعل استطاعت أن تستثمر وأن تؤثر على الشعور الجماعي عن طريق قضيتا الاستقلال والوحدة العربية كقضايا تعتبر بالنسبة للإنسان العربي من الأولويات.وكانت قضية فلسطين ضحية استغلت بشكل كبير من قبل هذه الانظمة .وهكذا استطاعت المؤسسة العسكرية التحكم في السلطة عبر مجموعة من الإجراءات، أولا، السيطرة الكاملة على هياكل الدولة، من خلال حل كل المؤسسات السياسية التي كانت قائمة في النظام السابق، وثانيا، توظيف القوة المنظمة للدولة وشرعيتها كسلطة للقضاء على كل التنظيمات السياسية وتعليق الدساتير وإلغاء الضمانات الدستورية وكذلك أغلب المكتسبات الديمقراطية. وثالثا، السيطرة على مصادر القوة الأخرى والمتمثلة في النقابات العمالية والاتحادات والتنظيمات المهنية الأخرى. وأخيرا، احتكار مصادر القوة والثروة عن طريق ترسانة قانونية تخدم مصالحها، هذا إضافة إلى توسيع القطاع العام وتحجيم القطاع الخاص عن نظم سياسية مثل الاشتراكية .
اصبحت الشعوب العربية بفعل فوضويتها وجهلها السياسي وتخندقها الحزبي سبب مساعد في اٍنهيار الحكم المدني، وبروز عصر هيمنة العسكر على الحكم، وتسارع من جراء السياسات التي اٍتبعوها ظهور الدولة التسلطية التي عمت جميع المشرق العربي منذ أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات ومنذ ذلك الحين، فإن النظم التي نصب فيها الجيش نفسه حكما على القيم الوطنية والقومية، واعتنق مبدأ الوطنية، واستمد شرعيته انطلاقا من الوعود التي قدمها للمستقبل. لم تستطع أن تبني مؤسسات سياسية ثابتة، وأن تطور بنية سياسية على أساس ديمقراطي وكل ذلك، سيزيد من تبعيتها للقوى الاٍمبريالية، واٍزدياد سلطويتها على شعوبها، فتكون نتيجة ذلك تفتت العرب وتمزقهم إلى دول قطرية بعيدين كل البعد عن السير في مسار نماذج التحديث عند القوى المتحدة في العالم المعاصر.والطامة الكبرى دخول في حروب سواء كانت داخلية او خارجية .
 

شارك هذا الموضوع: