الشهابية وسياسات الحياد الإقليمي- الدولي …؟ 
م.م. إسراء محمدعلي عبدالكريم كسَاب
 
 
بقبول الرئيس كميل شمعون بالتنحي من السلطة في لبنان ظهر ما عرف بشعار ” لا غالب ولا مغلوب”، عدم تمدد طائفة على حساب الطواف الأخرى في مجالات الخدمة العامة, وبدأت مرحلة جديدة بتاريخ لبنان حينما تسلم فؤاد شهاب موقعه رئيسا للجمهورية عرفت باسم “الشهابية”. 
الشهابية : توجه سياسي برز كتسمية في لبنان بعد عهد الرئيس فؤاد شهاب الذي ينسب إليه , وتعنى الشهابية بمصطلح تقوية أجهزة الدولة والتزام الحياد السياسي بين الطوائف في لبنان , كما قصد بها المشروع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الإصلاحي الذي حمله الرئيس شهاب وعمل على تطبيقه لإحداث تغيير أساسي في بنية الدولة والمجتمع اللبناني , وقد تبنى ذلك النهج بدرجات متفاوتة كل من الرؤساء اللبنانيين مثل  شارل الحلو والياس سركيس و رينيه معوض  ،وعمل الرئيس سليمان فرنجية على تحطيم هذا المصطلح.
وقد ورث الرئيس شهاب إدارة حكومية ضعيفة ومتخلفة  متأثرة بالكثير من الأنظمة والقوانين القديمة والتابعة للمصالح السياسية والانتخابية والعائلية والطائفية فعمل على إزالة الآثار الداخلية للانتفاضة لبنان وإعادة وصل ما قطع واكتشاف مكامن الخلل في المجتمع اللبناني وادخال مفهوم العدالة الاجتماعية في منهاج الحكومة اللبنانية. 
اصطدم الرئيس شهاب بعقبتين رئيسيتين الاولى : بقاء الموظفين الفاسدين في مراكزهم ,اذ ان مقتضيات التوازن الطائفي والسياسي لا غالب ولا مغلوب كانت تعيق اقالتهم وطردهم من وظائفهم اما الثانية: خوف الموظفين من سيف التفتيش المتسلط فوق رقابهم ,خلق نوعا من الجمود والسلبية في الادارة تماشيا مع المبدأ ” من لا يعمل لا يخطئ “. 
اظهرت الوقائع فيما بعد ان الرئيس شهاب ليس من الطامعين بالسلطة والمتشبثين بها, إذ انه بعد عامين من العمل والجهود المتواصلة،تم اعادة الوحدة الوطنية الى تلاحمها الطبيعي وتحقيق الامن والاستقرار , اعلن رغبته بتقديم استقالته بعد ما تلاشت الظروف السيئة التي جاء من اجل معالجتها  لكن بسبب الحشود الشعبية المطالبة بالعدول عن قراره والتي اوضحت له بان البلاد مازالت بحاجته , وقد اعيد انتخابه فيما بعد بالفعل رئيسا للجمهورية في العشرين من تموز 1960 .
حاول الرئيس شهاب اتباع موقف الحياد ازاء القضايا العربية والتقرب من الجمهورية العربية المتحدة دون  المساس بصداقة لبنان التقليدية مع الغرب لعله يرضي جميع الفئات اللبنانية  ,حيث رفض أي تعرض يهدد استقرار الجمهورية العربية المتحدة ولا سيما سوريا من الأراضي اللبنانية وعدم الإساءة أليها في الأعوام  التي كانت فيها الوحدة قائمة بين البلدين العربيين.   لذا شهد لبنان ازمة كبيرة عندما حدث إعلان الانفصال بين مصر وسوريا في الثامن والعشرون من أيلول 1961 الذي جرى على ايدي جماعة من الضباط السوريين وما كان له من تأثير سلبي في الراي العام العربي واللبناني ,على الرغم من طبيعة النظام في الجمهورية العربية المتحدة الذي قام في الأساس على نزعة ونهج ديكتاتوري مناقضاً لسياسة لبنان الداخلية الخارجية ذات الواجهة الديمقراطية التي تعززت مع الدول الغربية مع ثقل اضافي في العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية التي اخذت منهجا جديدا بعد حدوث هذه التطورات في المنطقة,  بيد أنها اضحت ساحة للصراع السوري المصري بعدما رحبت بعض القوى والاحزاب اللبنانية بالانفصال بين مصر وسوريا لا سيما الحزب الشيوعي اللبناني* الذي اصدر بيانا اعلن فيه ترحيبه بالانفصال , كما ايد الحزب القومي السوري* الانفصال ايضا وقد شجبها عبد الناصر في خطابه الذي القاه في دمشق في الثالث والعشرون من شباط 1961، علق الاتحاد السوفيتي على ذلك ” الانفصال ” بفشل السياسة العربية , ورأى القادة السوفييت ان الوحدة لا تقوم الا على اساس نضال اجتماعي ووحدة الطبقات العاملة وهو ما تفتقر إليه الدول العربية ، والحقيقة إن موسكو نجحت في إفشال الوحدة مع مصر ,لاسيما وان الحزب الشيوعي المصري المدعوم سوفيتيا يعاني من إضطهاد الحكومة المصرية ذات السياسة القومية المعارضة للشيوعية  , وأتضحت تلك المعارضة لسياسة مصرفي خطاب المؤتمر الحادي والعشرين للحزب الشيوعي السوفيتي في السابع والعشرين من حزيران من 2عام 1959.
وقد نجح فؤاد شهاب في الحفاظ على الخصوصية اللبنانية التي جعلته يكتفي بعلاقات عادية مع الاتحاد السوفيتي الذي كان في هذه الفترة على علاقة ممتازة بالرئيس المصري جمال عبد الناصر،وتمثلت هذه العلاقات الطبيعية وعن طريق العلاقات الدينية بتبادل الأوشحة بين الحكومة اللبنانية والحكومة السوفييتية عندما أرسلت بطريركها عام 1960 وأٌستُقبل إستقبالا رسميا من الحكومة اللبنانية ,وأهدى البطريرك رئيس الجمهورية اللبنانية وشاح “القديس فلاديمير الأكبر”,كما قلد رئيس الوزراء فؤاد شهاب وعدد من وزراء حكومته أوسمة “القديس فلاديمير”,بينما قام فؤاد شهاب بتقليد البطريرك وشاح “الأرز اللبناني” وقلد بقية المطارنة المرافقين له أوسمة “الإستحقاق اللبناني”,وقد أستغلت أجهزة الدعاية السوفييتية في لبنان هذا الحدث  والإستفادة من الوضع الطائفي في لبنان ,لكي تٌظهر إن الإتحاد السوفيتي لايكافح الإيمان ,بل ويُكرم رجال الدين. 
 
*الحزب الشيوعي اللبناني : تأسس عام 1924 بإسم حزب الشعب اللبناني , أُجيز الحزب عام 1936 وأغلق عام 1949 , شارك في الانتفاضة عام 1958  ضد نظام كميل شمعون.
 
* الحزب القومي السوري : أسسه انطوان سعادة في ثلاثينيات القرن العشرين وأستمد أفكاره ومبادئه متأثراً بالفكر النازي والفاشي , دعى الحزب إلى قضية القومية السورية .

شارك هذا الموضوع: