الشيوعيون وثورة 14 تموز 1958
أحدثت ثورة 14 تموز (يوليو) 1958م، نقلة كبيرة في موضوع العمل السياسي وخاصة للقوى اليسارية وأحد أهم تلك القوى في تلك الفترة هو الحزب الشيوعي العراقي، حيث انتقل من مرحلة العمل السياسي السري إلى العمل العلني. وكان من أولى قرارات الحكومة العراقية الجديدة إطلاق سراح السجناء الشيوعيين. وفي اجتماع موسع للجنة المركزية والكادر الحزبي المتقدم للحزب الشيوعي عقد في أيلول (سبتمبر) 1958م، تم انتخاب اللجنة المركزية التي جرى توسيعها بإضافة العديد من الكوادر القيادية، ومعظمهم من الذين أطلقت الثورة سراحهم. وقد تعامل الشيوعيون مع عبدالكريم قاسم باعتباره شخصية وطنية، وكان الحزب الشيوعي العراقي القوة الرئيسية التي وفرت الدعم للثورة وزعيمها.
لقد كانت فترة ما بعد سقوط الملكية في العراق وحكم عبد الكريم قاسم هي الفترة المثالية للحزب الشيوعي العراقي، حيث بدا العراق كله مفتوحاً أمام نشاطات الحزب ومهرجانته التي كانت تقام في كل المحافظات العراقية تحت إسم (مهرجان أنصار السلام)، ومن جهته أيضاً، فقد اتكأ عبد الكريم قاسم على الشيوعيين خصوصاً وأنه لم ينجح في تطويع القوى القومية لإرادته السياسية.
لقد ارتكب الحزب الشيوعي وبسبب دعم عبد الكريم قاسم لهم، أخطاءً كبيرة ومنها جريمة بشعة في مدينة الموصل التي أرادوا أن يقيموا فيها مهرجانهم (أنصار السلام) دون مراعاة لطابع سكان المدينة الديني المحافظ، فقام أحد ضباط الجيش العراقي بحركة انقلابية استنكاراً لسلوكيات الشيوعيين المدعومين من قاسم عام 1959م، ومع فشل المحاولة صب الشيوعيون جام غضبهم على سكان الموصل ومارسوا بحقهم أشد أساليب القتل والتنكيل من سحل وتعليق على الأعمدة وجرائم قتل بشعة، وهي العملية التي انتقدها الحزب لاحقاً لكنه انتقاد لا قيمة له طبعاً مقارنة بحجم الجرائم التي ارتكبت.
لم تكد تنتهي أحداث الموصل حتى طفت على السطح أحداث كركوك والتي كانت بداية تحجيم نشاط الشيوعيين على جميع الأصعدة؛ بدأ الحزب الشيوعي يحشد جماهيره للاستعداد للاحتفالات بالذكرى الأولى للثورة، وكان الحزب الشيوعي العراقي يتمتع بنفوذ قوي في كركوك، وكذلك الحزب الديمقراطي الكردستاني والقوميون التركمان، فخرجت مظاهرات في صبيحة 14 تموز (يوليو) 1959م، وشاركت فيها القوى الثلاث، وخلال المسيرة التي شارك فيها الآلاف من أنصار هذه التنظيمات وفيهم نساء وأطفال، أطلقت النيران على المتظاهرين فسادت حالة من الفوضى وموجة هستيرية من العداء بين الكرد والتركمان، مما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا في صفوف التركمان خاصةً، وبعد التحقيق ألصقت بالحزب الشيوعي العراقي وبالحزب الديمقراطي الكردستاني تهمة التسبب في حوادث القتل، فكان لابد لعبد الكريم قاسم من اتخاذ موقف حاسم من تصرفات الحزب الشيوعي فنفض يديه عنهم واتهمهم بخطاب مباشر بوقوفهم وراء كل الأحداث، ثم لم يكتف بالتنديد، بل بدأ موجة من الاعتقالات طالت الكثير من الشيوعيين.
وعن تلك الحقبة يقول عزيز محمد، السكرتير السابق للحزب الشيوعي العراقي: “إننا لم نقرأ عبدالكريم قاسم كما يجب، ولم نشخصه جيداً كي نتعامل معه بشكل مناسب. ولربما كان قاسم بمواقفه تلك أراد أن يظهر للعالم أن العراق غير منحاز للاتحاد السوفييتي، وإنه ليس “كيرنيسكي” العراق، كما كانت تروج لذلك الصحف الغربية. إننا كحزب لنا أخطاؤنا، وجميع الأحزاب والقوى الأخرى لها أخطاؤها. ولهذا السبب تمكن الانقلابيون في 8 شباط (فبراير) عام 1963 من تحقيق هدفهم بعد أن كان الحزب الشيوعي العراقي يمثل حجر عثرة على طريقهم. وتحقق لهم ذلك بإزاحتنا بعد موقف قاسم السلبي تجاهنا كحزب جماهيري”.



شارك هذا الموضوع: