الصدقات في كتاب الأحكام السلطانية والولايات الدينية للماوردي(ت 450 هـ / 1058 م).
د عبير عبد الرسول محمد التميمي
ذكر البصري الماوردي في الباب الحادي عشر، ولاية الصدقات، قائلا: ((إن الصدقة زكاة والزكاة صدقة)) , بمعنى الاختلاف في المسمى والاتفاق في المعنى، وهو يؤكد أن الصدقة هي الحق الوحيد في المال، ودليله قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ((ليس في المال حق سوى الزكاة)) , ويبدو انه قد اغفل الحديث الآخر الوارد عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) : ((ان في المال لحقاً سوى الزكاة)) , ومن هنا فكان لا بد للماوردي من التوفيق بين الحديثين إذ ربما يحمل الأول على الظروف الاعتيادية، عندما تكون الزكاة كافية للوفاء بمتطلبات التكافل، بينما يحمل الحديث الثاني على الاحداث الطارئة حيث تعجز فيها الزكاة عن الوفاء بمتطلبات التكافل الاجتماعي (المعاشية) أو الدفاعية أو ما شاكل ذلك، وعلى هذا الأساس نفهم دعوة العلماء إلى التوظيف على الرعية لمواجهة الحوادث الطارئة بقدر ما تمليه تلك الأوضاع ، فضلا عن أن الحديث النبوي الشريف فيه مقاصد عدة، فهنالك أسباب للحديث قد يكون وفقا للجماعة المخاطبة بأن عليهم هذا الحق، فكما أن للقرآن الكريم أسباب النزول، فإن للحديث مقاصد وأسبابا يجب الالتفاف إليها وعدم التعميم.
إن الزكاة عند الماوردي تجب في الأموال المرصودة للنماء ,وبهذا يتحقق غرضها في إغناء الفقير، إذ إنها تدفع من النماء وبهذا فهي تمارس دورها في مرحلة إعادة التوزيع للدخل باتجاه تحقيق العدالة التوزيعية، وميز الماوردي ((وهو تمييز مأخوذ من عمل عثمان… بين الأموال الظاهرة والأموال الباطنة )) , ضمن إطار الأموال المكوية، أما الباطنية فهي الذهب والفضة وعروض التجارة، وهو يقصر دور الدولة على الزكاة للأموال الظاهرة دون الباطنة، إلا أن يبذلونها طوعا فتقبل منهم، بينما يؤثر أرباب الأموال بزكاة المال الظاهر، والأمر يتأرجح – من زاوية الحكم الشرعي – بين الإيجاب والاستحباب، إذا امتنعوا عن دفعها، ويظهر من خلال نصوص الماوردي الواردة بخصوص الزكاة، أنه نظر إلى مساءلة التكافل الاجتماعي وفقا للنظرية الاقتصادية الإسلامية، القائمة علي النظرة الإنسانية والأخلاقية بضرورة إخراج جزء من الزيادة وهو نماء المال إلى الفقراء والمحتاجين وبذلك يتوازن المجتمع ويصل إلى الاستقرار المعيشي والاجتماعي وبذلك يعود بالخير علي الغني، بأن ينعم بمجتمع مستقر اقتصادي وينتعش السوق ويزدهر وتقل أو تنعدم الجريمة وكذلك البطالة وسائر المشاكل الاجتماعية من الطلاق والنزاعات ونحوها.
أما الأموال التي تجب فيها, فيميزها الماوردي بين أربعة :
أ- المواشي (الإبل، البقر، الغنم).
ب- زكاة الثمار، النخيل والشجر.
ج- زكاة الزرع.
د- زكاة الفضة والذهب.
ومن ذلك نستنتج أن الزكاة فريضة مالية تجب في الدخل سواء دخل الفلاح أو التاجر، في رأس المال النقدي وفي الثروة الحيوانية، وهو بذلك أشار إلى تشجيع المسلمين على العمل والنشاط الاقتصادي بكافة صورة، وان الذي يأخذ لا يشترط أن يكون نقدا بل يمكن أن يكن من عين جنس المفروض عليها الزكاة من المواشي أو الثمار ونحوها، ثم بين الماوردي شروط زكاة المواشي , وهي :
1- السوم : وذلك لكي لا يظهر الازدواج وذلك يكون عندما تفرض على العوامل.
2- أن يحول عليه الحول لقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ((لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)) , والحول من الناحية الاقتصادية أشترط لأنه اقصى مدة لتحقيق النماء في المال ، بمعنى انه اقصى مدة للنماء والزيادة .
وذكر الماوردي زكاة الخلطاء ، من زكاة المالك الواحد إذا اجتمعت فيها شروط زكاة الخلطاء، ثم هو يقوم بضم ضمان الماعز والبقر إلى الجواميس لأنها جنس واحد.
وبالنسبة لقسمة الصدقات على مستحقيها ذكر الماوردي : ان قسمة الصدقة محكوم بنص القرآن الكريم في سورة التوبة بالأصناف الثمانية، وهذه الآية تضمنت الأصناف التي تنفق الصدقة عليها ، ولقد ورد عن النبي الاكرم (صلى الله عليه واله وسلم) انه هو الموكل بقسمتها ، وأكد الماوردي قسمة الصدقة على ثمانية أسهم ولا يجوز أن يخل بصنف منهم، وقد استدل بتسوية الله تعالى بينهم في الآية المذكورة، ثم تناول الماوردي أصنافهم، وهم:
أ. الفقراء والفقير من لا شيء له.
ب. المساكين، والمسكين هو الذي له لا يكفيه.
ج. العاملون عليها ولهم أجر المثل.
د. المؤلفة قلوبهم، وهو يقسمهم إلى أربعة أقسام، أما لمساعدة للمسلمين أو الكف عنهم، أو لرغبتهم في الإسلام.
ه. في الرقاب: المكاتبون.
و. الغارمون: المدينين .
ز. في سبيل الله: الغزاة
ح. ابن السبيل: المسافر في غير معصية .
ويبدو أن موضوع الأصناف من الناحية الاقتصادية أن هذه الأصناف من أهل الحاجة، فهي المعيار الذي يعول عليه في إنفاق حصيلة الزكاة، ولهذا نجد الماوردي ناقش هذه المسألة من زاوية علاقتها بحد الكفاية، وان حد الكفاية يختلف عن حد الكفاف فالأخير هو سد رمق العيش، أما حد الكفاية فهو الوصول بالفرد والمجتمع إلى مستوى الازدهار والرفاهية الاقتصادية، وضمن هذا الإطار نجد أن الماوردي قد ميز بين خمس حالات عند توزيع الزكاة على مستحقيها إذا نجد أن الكفاية هي الأصل في توزيع الحقوق المالية في مواردها ، فإذا تحقق الاستقرار بالزكاة فكون هو الهدف المرجو، وهنا يصل الماوردي إلى قضية أساسية في الفكر الاقتصادي الإسلامي، وهي أن الكفاية هدف إعادة التوزيع في الاقتصاد الإسلامي، وبذلك يكون ما يصدر من الإنتاج يذهب إلى موارده الحقيقة ولا يهدر بغير الاستفادة المثلى منه.
ثم نجد الماوردي يفصل القول في ذلك فيؤكد مراعاة هذا الحد بأن يكون محليا، ثم إذا فاضت نقلت إلى بلد آخر، إلى أن تصل إلى الخزينة، وعموما فإن الماوردي يرى أن الكفاية هي الأساس في الأنفاق العام، فالعطاء معتبر بالكفاية ثم هو يحلل العوامل المقررة للكفاية، حسب قوله: إن العطاء معتبر بالكفاية، وهو بذلك ينطلق من قاعدة الحفاظ على الأموال وحقوق الأفراد الخاصة والعامة كل ببلده، لينعم أهلها بمستوى اقتصادي مزدهر وفقا لنشاطهم المستمر ودائبهم على العمل وإخراج الحقوق المفروضة عليهم، فإذا تحقق ذلك فلا ضرر فلا انتقال تلك الأموال إلى بلد آخر، وفقا للقاعدة الثانية: إنما المسلمون إخوة.
وهكذا يضع الماوردي يده على العوامل المؤثرة في حد الكفاية وان فكر الماوردي الاقتصادي يتسم بالمرونة، فإن وقت العطاء يعاد النظر فيه سنويا ومن حيث التوقيت الزمني، ويكون بحسب وقت الإيراد فهو يقول وهو معتبر بالوقت الذي تستوفي فيه حقوق بيت المال , وهو بذلك سار وفقا لأحد أركان الاقتصاد السلامي وهي المرونة في الإنتاج والتوزيع والتبادل، مع الحفاظ على مسألة العطاء الفوري، ولكن حين استحقاقه.