الصدق هو أهم صفة يجب أن تتوفر في أي وسيلة نستخدمها للقياس، سواء كان اختبارًا أو غيره. ببساطة، الصدق يعني أن الاختبار يقيس بالفعل الشيء الذي وضع لقياسه. فمثلاً، إذا أردنا اختبارًا لقياس مهارات الكتابة، يجب أن يقيس هذا الاختبار مهارات الكتابة تحديدًا، وليس شيئًا آخر.
يعرّف بعض الباحثين الصدق بأنه مدى صحة القياس الذي يقدمه الاختبار للشيء الذي نريد قياسه. ويرى آخرون أنه قدرة الاختبار على تفسير الصفة أو المهارة التي نقوم بقياسها. وقد قُسِّم الصدق إلى درجات، فالصدق العالي يتراوح بين 0.80 و 0.90، أما إذا كانت الدرجة بين 0.50 و 0.79 فيُعتبر الصدق هنا موضع شك، وإذا قلت الدرجة عن 0.50 فيكون الصدق غير مقبول. الصدق شرط أساسي لاعتماد أي اختبار، سواء كان لقياس التحصيل الدراسي أو القدرات العقلية أو السمات الشخصية.
هناك بعض النقاط المهمة التي يجب مراعاتها عند الحديث عن الصدق:
الصدق يتعلق بنتائج الاختبار، وليس بالاختبار نفسه، لكننا نربط المصطلح بالاختبار للتسهيل.
الصدق ليس صفة مطلقة، بل هو نسبي، أي يمكن أن يكون الصدق مرتفعًا أو متوسطًا أو منخفضًا.
الصدق يرتبط بهدف محدد، فلا يوجد اختبار صالح لكل الأغراض.
الصدق مفهوم واحد، ولكن توجد طرق مختلفة لجمع الأدلة عليه.
أنواع الصدق:
صدق المحتوى (المضمون): يعني أن محتوى الاختبار يمثل بشكل جيد الصفة أو المهارة التي نريد قياسها. يجب أن يغطي الاختبار جميع جوانب الموضوع أو المهارة. وهذا النوع مهم جدًا في اختبارات التحصيل الدراسي، لأن مجال القياس فيها محدد. للتأكد من صدق المحتوى، يجب تحليل محتوى المادة الدراسية وتحديد الأهداف التعليمية بدقة، ثم تصميم جدول يوضح العلاقة بين المحتوى والأهداف، وبناء الاختبار بناءً على هذا الجدول. يمكن التأكد من صدق المحتوى من خلال:
جدول المواصفات: وهو جدول تفصيلي يوضح محتوى الاختبار والأهداف التي يغطيها.
الطرق العملية: مثل مقارنة نتائج الطلاب قبل وبعد التدريب، أو تحليل طريقة تفكير الطلاب أثناء حل الاختبار، أو دراسة تأثير عوامل خارجية مثل السرعة في الإجابة، أو تحليل الكلمات والجمل المستخدمة في الأسئلة. كما يمكن الاستعانة برأي الخبراء للتأكد من جودة الأسئلة ومناسبتها للمحتوى.
الصدق الظاهري: يتعلق بمظهر الاختبار، أي هل يبدو الاختبار للطلاب أنه يقيس بالفعل ما هو مطلوب؟ هل الأسئلة واضحة؟ هل التعليمات مفهومة؟ هذا النوع من الصدق يتعلق بالقبول الاجتماعي للاختبار.
الصدق العاملي: يستخدم أسلوبًا إحصائيًا يسمى “التحليل العاملي” لمعرفة ما إذا كان الاختبار يقيس بالفعل الصفة أو المفهوم المطلوب. يتم ذلك عن طريق حساب مدى ارتباط الاختبار بالصفة أو المفهوم. فمثلاً، إذا أردنا اختبارًا لقياس الذكاء، يجب أن يرتبط هذا الاختبار بعوامل الذكاء المختلفة مثل القدرة اللغوية والرياضية والمكانية.
الصدق الذاتي: يركز على العلاقة بين صدق الاختبار وثباته. بمعنى آخر، هل الدرجات التي يحصل عليها الطلاب في الاختبار تعكس مستواهم الحقيقي بعد استبعاد الأخطاء؟ يمكن حسابه من خلال معادلة رياضية تعتمد على معامل الثبات.
الصدق التكويني (البناء): يهتم بما إذا كان الاختبار يقيس مفهومًا أو نظرية معينة. يتم التحقق من هذا النوع من الصدق عن طريق اختبار فرضيات نظرية. يمكن الاستدلال على الصدق التكويني من خلال:
الفروق بين الجماعات: إذا كان الاختبار يميز بين مجموعات مختلفة من الناس لديهم مستويات مختلفة في الصفة المقاسة.
التغير في الأداء: إذا تغير أداء الأفراد في الاختبار بمرور الوقت بطريقة تتفق مع النظرية.
الارتباط باختبارات أخرى: إذا ارتبط الاختبار باختبارات أخرى تقيس نفس الصفة أو صفات مشابهة.
الاتساق الداخلي: إذا كانت أسئلة الاختبار مترابطة وتقيس نفس الشيء.
دراسة طريقة الأداء في الاختبار: تحليل كيفية إجابة الطلاب على الأسئلة.
الصدق العملي (التجريبي): يعتمد على مقارنة نتائج الاختبار بمقياس خارجي مستقل يسمى “المحك”. هذا المحك هو السلوك أو النشاط الذي صُمم الاختبار للتنبؤ به. يُقسم الصدق العملي إلى نوعين:
الصدق التلازمي: يعني قدرة الاختبار على الارتباط بنتائج اختبار آخر معروف بصدقه وموثوقيته، ويقيس نفس الصفة.
الصدق التنبؤي: يعني قدرة الاختبار على التنبؤ بأداء الفرد في المستقبل في مجال معين. فمثلاً، إذا طبقنا اختبارًا لقياس القدرة الميكانيكية، فإن الصدق التنبؤي يتمثل في مدى توافق نتائج الاختبار مع أداء الفرد الفعلي في العمل الميكانيكي لاحقًا.
طرق حساب معامل الصدق:
طريقة معاملات الارتباط: تعتمد على حساب العلاقة بين نتائج الاختبار واختبار آخر أو مقياس آخر يعتبر معيارًا.
طريقة المقارنات الطرفية: تقارن بين أداء الطلاب المتميزين والطلاب الضعفاء في الاختبار. إذا كان الاختبار صادقًا، فسيحصل الطلاب المتميزون على درجات أعلى من الطلاب الضعفاء.
طريقة الجدول المرتقب (التوقع): تعتمد على مقارنة توزيع درجات الطلاب في الاختبار مع توزيع درجاتهم في معيار آخر.
العوامل المؤثرة في صدق الاختبار:
قلق الطالب: يمكن أن يؤثر القلق على أداء الطالب ويقلل من صدق الاختبار.
الغش: إذا غش الطالب، فإن نتائج الاختبار لن تعكس قدراته الحقيقية.
غموض الأسئلة: الأسئلة غير الواضحة يمكن أن تؤدي إلى تفسيرات خاطئة وتقلل من صدق الاختبار.
طول الاختبار: الاختبار الأطول غالبًا ما يكون أكثر صدقًا.
ثبات الاختبار: إذا كان الاختبار غير ثابت (أي يعطي نتائج مختلفة عند إعادته)، فإنه لن يكون صادقًا.
ثبات المحك: إذا كان المعيار الذي نقارن به الاختبار غير ثابت، فسيؤثر ذلك على تقدير صدق الاختبار.
التباين بين الطلاب: إذا كان الطلاب متشابهين جدًا في الصفة المقاسة، فسيكون من الصعب قياس الصدق بدقة.
ارتباط ثبات الاختبار وثبات المحك: يجب أن يكون كل من الاختبار والمعيار ثابتين للحصول على تقدير دقيق للصدق.