الصراع المزيف
سَلسَلة مقالات تأسيسنا لبعض مصطلحات الرواية التاريخية الازدواج الروائي اختيارًا
الازدواج لغةً من الفعل الثلاثي زوج والذي يخالف الفرد،ونوعًا فيه نقيضين،والازدواج الروائي:يبدو في الرواية حمل صفتين متناقضتين.
ذَكر الطبري(ت310ه) مروية لعُبيد بن عمير بن قتادة الليثي :” جاءه جبريل بأمر الله[تعالى] فقال رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم: فجاءني وأنا نائم بنمطٍ من ديباجٍ ، فيه كتاب،فقال: اقرأ، فقلت: ما أقرأ ؟ فغتني، حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ماذا أقرأ ؟ وما أقول ذلك إلا افتداء منه أن يعود إلي بمثل ما صنع بي، قال: ﴿ اقرأ باسم ربك الذي خلق ﴾ إلى قوله: ﴿ علم الإنسان ما لم يعلم ﴾، قال: فقرأته“.
أصل المروية عبيد بن عمير الليثي وهو :” أول من قص …على عهد عمر بن الخطاب “،و” له روايات موضوعة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سيما في تعامله مع زوجاته”.
قبل الولوج بتحليل متن المروية لابد من الإشارة إلى حساسية وخطورة قضية الوحي؛لأنها تلامس بل تلتصق بأصل ثبوت الدين الإسلامي في تعاليمه وتشريعاته وأصل تلقيها من الباري عز وجل بواسطته.
ثمة لمحة نقدية دقيقة تركها لنا ناجي عن متن المروية،لكننا لا نركن لتحليله لإحدى عباراتها “فجاءني وأنا نائم بَنمطٍ من ديباجٍ ،فيه كتاب…فغتني…ثم ارسلني“،إذ قال: “جاء في رواية عبيد تعبير فغتني ثم تعبير نمط من الديباج فكأن المعنى غطاني جبرئيل بهذا النمط وبالفعل فالرواية تذهب إلى القول فغتني به أي بنمط الديباج“،يبدو حصل اشتباه بتصويره إي بمعرفة معنى غَتَّني أو حتى غَطني تتضح العبارة،إذ “فِي حَدِيثِ المَبْعَثِ فَأَخَذَنِي جِبْرِيلُ فَغَتَّنِي الغَتُّ والغَطُّ سَواءٌ، كَأَنَّهُ أَرادَ عَصَرَنِي عَصْراً شَدِيداً حَتَّى وَجَدْتُ مِنْهُ المَشَقَّةَ، كَمَا يَجِدُ مَنْ يُغْمَسُ فِي الماءِ قَهْراً،وَغَتَّهُ:خَنَقَهُ”.
يتضح المعنى أيضاً من ملاحظة السياق؛فالمروية تقول بعدما غتني :”حتى ضننت انه الموت ،ثم ارسلني” أي أخلى سبيلي أطلقني فهي مقابلة وتناسب ما تعرض له من العَصر،أما إن كان المقصود الغطاء فالكلمة المناسبة الملحقة التي تُعبر عن التخلص من الغطاء والتغطية هي الكشف فتكون الأَوَلى بدل أرسلني كشف عني، فالعصر والإطلاق دون الغطاء هنا، ونركن لقوله عن مرويتنا بأنها أحدى “المرويات المتقنة الصنع أدبيًا وقصصيًا لا يفهم منها ألا كونها مرويات موضوعة تهدف بوضوح إلى أهداف تنسجم مع الدور الروحاني لرجل نصراني من بني أسد وهو يدعم ويثبت رسالة السماء” .
لمحة نقلها لنا الحمداني عن رؤية أهل البيت (عليهم السلام) لاطمئنان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) :” ولا مكان لعنصر المفاجأة والخوف والرعب الذي صورته الروايات السلطوية ” ناقلاً مروية للإمام الصادق (عليه السلام) :((إن الله إذا اتخذ عبداً رسولاً انزل عليه السكينة والوقار)).
عالج الشابندر روايات الوحي بالآيات الكريمة ونذكر احدها:﴿أفَتَمارونه على ما يرى﴾ التي تبين ” تجلية العلاقة بين محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبين جبرئيل،هي علاقة حميمة،وهل هناك اكثر دلالة من الرؤية البصرية المباشرة ؟بل هناك قرب مكاني قريب من الملاصقة بين الاثنين،وفي الإثناء يسمع محمد وحي جبرئيل له، فالعلاقة بصرية سمعية…وهو ليس مستعداً للتفريط بسمعه وبصره لكي يستسلم لتخرصات الآخرين” .
ثمة صراع شديد صورته المروية بين نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وجبرئيل(عليه السلام)، لم تجبنا عنه الدراسات(ناجي،الشابندر،الحمداني)،وغيرها من الدراسات الحديثة الخاصة بالسيرة النبوية حسب إطلاعنا،إلا أننا وجدنا ضالتنا بفرضية تجيبنا عن هذا السؤال نقلاً عن التوراة: “فبقي يعقوب وحده،وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر،ولما رأى انه لا يقدر عليه،ضرب حق فخذه، فانخلع حق فخذ يعقوب في مصارعته معه، وقال:أطلقني؛لأنه قد طلع الفجر،فقال :لا أطلقك إن لم تباركني،فقال له:ما اسمك،فقال :يعقوب، فقال :لا يدعى اسمك في ما بعد يعقوب بل إسرائيل؛لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت،وسأل يعقوب وقال اخبرني باسمك فقال: لماذا تسأل عن اسمي وباركه هناك” ،طرحها جعَيْط بان “الصراع مع المَلَك يذكرنا بصراع يعقوب مع إيل الذي هو الله…صراع جسدي اتخذ فيه الإله جسداً إنسانياً ولم يكتشف يعقوب ذلك الا عندما جُرح ،وتذكر التوراة أنه افتخر بمصارعة الله وانه تسمى إسرائيل أي إيل الإله صراع او تصارع بالعبرية”،وعبر عن المروية أنها ” تذكر استعمال القوة إزاء الرسول وهذا خلاف ما ورد في القرآن سواء في سورة التكوير او النجم حيث جرت الأمور في جو بعيد عن العنف وفي جو تقبل وعطف وتقارب شديد “، أما التفسير النصراني لعلة صراع يعقوب لحصوله على البركة أي النبوة “ملكوت السماوات يغصب والغاصبون يختطفونه” والغالب يعقوب والمغلوب الملاك،وأمام هذه المعطيات يتضح إن المروية مستمدة من الموروث اليهودي والنصراني المحرف وبطابع الأسطورة ،ولإتمام الفائدة نقدم رأي البار إذ ” لم يكتفِ الأحبار الذين كتبوا التوراة عليهم لعائن الله بما اجترحته أيديهم واقترفوه من الكذب والبهتان على يعقوب عليه السلام…حتى أتوا بفرية أعظم وبهتان اكبر،زعموا ان يعقوب بقي وحده بالوادي،فرأى الرب على هيئة إنسان ،فصارعه يعقوب طوال الليل” .
السؤال لماذا لم يرد الحوار بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والوحي،كما لم ترد إجابة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرآن والعنف الذي حصل بينهما لم يرد هو الأخر بالقرآن ،وربما دلالة على عدم الوجود،أما عن موقف المفسرين من هذا الحوار فيبدو مع الأسف تبني بعض التفاسير لجواب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالامتناع عن القراءة والعنف الذي ذكرته المروية وكأنه تفسيراً لآية ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق﴾.
يبدو الصراع والمباركة تأتي بالغصب يغتصبها المصارع أي أن يعقوب(عليه السلام) اغتصبها بانتصاره لكن رسولنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في تفسيرهم بأنه لم ينتصر بل مهزوم وخائف،بعبارة أخرى لم يأخذ المباركة وهنا يبدو جرح لنبوة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)،فالازدواج الروائي واضح في المروية الوحي المرسل والقوة والشدة،ويفنده القرآن الكريم ببينة وسبيل واضح وهدوء واطمئنان بين الوحي والرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بالآيات الكريمة: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾، ﴿إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾،﴿قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي﴾، ﴿وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ﴾.
قائمة المصادر والمراجع
-القرآن الكريم.
-التوراة .
-الإنجيل.
أولاً-المصادر الأولية:
– البغوي،الحسين بن مسعود(516ه/1117م).
1-معالم التنزيل،تحقيق:خالد عبد الرحمن العك،دار المعرفة،بيروت،(د.ت).
– البيضاوي،عبد الله بن عمر(ت691ه/1292م).
2-انوار التنزيل واسرار التأويل،دار الفكر،بيروت،(د.ت).
– ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي(ت597ه/1200م).
3-القصاص والمذكرين ،تحقيق:محمد لطفي الصباغ،ط2،المكتب الإسلامي،
بيروت،1409ه/1988م.
4-الموضوعات،تحقيق:توفيق حمدان،ط1،دار الكتب العلمية،بيروت ،1415ه /1995م.
– السمرقندي،نصر بن محمد(ت375ه/985م).
5-تفسير بحر العلوم،تح:محمود مطرجي،دار الفكر،بيروت،(د.ت).
– السيوطي،عبد الرحمن بن أبي بكر(ت911ه/1505م).
6-الدر المنثور،دار الفكر،بيروت،1414ه/1993م.
– الطبري،محمد بن جرير بن يزيد (ت310ه/922م).
7-تاريخ الرسل والملوك،تحقيق:محمد أبو الفضل إبراهيم،ط2،دار المعارف ،القاهرة،1388ه/1968م.
8-جامع البيان عن تأويل آي القرآن،دار الفكر ،بيروت،1405ه/1984م.
-العراقي، عبد الرحيم بن الحسين الكردي(ت806ه/1404م).
9-طرح التثريب في شرح التقريب،تح:عبد القادر محمد علي،ط1،دار الكتب العلمية،بيروت،1421ه/2000م.
-العيني،محمود بن احمد(ت855ه/1451م).
10-عمدة القاري في شرح صحيح البخاري،دار احياء التراث العربي،بيروت ،(د.ت).
– القرطبي،محمد بن احمد(ت671ه/1272م).
11-الجامع لإحكام القرآن،دار الشعب،القاهرة،(د.ت).
– ابن كثير ،إسماعيل بن عمر القرشي(ت774ه/1372م).
12-تفسير القرآن العظيم،دار الفكر ،بيروت،1401ه/1986م.
-النووي،يحيى بن شرف (ت676ه/1278م).
13-شرح صحيح البخاري،ط2،دار احياء التراث العربي،بيروت،1392ه/1972م.
ثانيًا- المراجع:
– الالوسي،محمود بن عبد الله(ت1270ه/1854م).
14-روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني،دار أحياء التراث العربي، بيروت،(د.ت).
– البار،محمد علي .
15-أباطيل التوراة والعهد القديم الله عز وجل والأنبياء في التوراة والعهد القديم
دراسة مقارنة،ط1،دار القلم ،دمشق،1410ه/1990م.
– جعيط،هشام.
16-في السيرة النبوية ،ط1،دار الطليعة،بيروت،1428ه/2007م.
-الحلبي،علي بن برهان الدين(ت1044ه/1634م).
17-إنسان العيون في سيرة الأمين والمأمون المعروفة بالسيرة الحلبية،دار المعرفة ،بيروت، 1400ه/1979م.
– الزَّبيدي،محمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني(ت1205ه/1791م).
18-تاج العروس من جواهر القاموس،تحقيق:مجموعة من المحققين،دار الهداية، بلا،(د.ت).
– الشابندر،غالب حسن.
19-ليس من سيرة الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)،ط1،دار العلوم ،بيروت،1427ه/2006م.
– مصطفى،إبراهيم وآخرون .
20-المعجم الوسيط،تحقيق:مجمع اللغة العربية،ط2،دار الدعوة،القاهرة، 1392ه /1972م.
– ملطي ،تادرس يعقوب .
21-من تفسير وتأملات الآباء الأولين التكوين،ط1،مطبعة الأنبا رويس، القاهرة ،1404ه/1983م.
– ناجي،عبد الجبار.
22-نقد الرواية التاريخية عصر الرسالة أنموذجاً،ط1،منشورات الجمل، بيروت، 1431ه/2011م.
ثالثاً – الاطاريح والرسائل الجامعية:
-الحلفي،سهاد محمد باقر.
23-الرواية والإسناد وأثرهما في وضع أخبار السيرة النبوية المرحلة المكية أنموذجاً،أطروحة دكتوراة في التاريخ الإسلامي مقدمة إلى كلية التربية للعلوم الإنسانية بجامعة كربلاء،1437ه/2016م.
24- الحمداني،جمعة ثجيل عكلة.
-السيرة النبوية في مرويات الإمام الصادق(عليه السلام)،أطروحة دكتوراة في فلسفة التاريخ الإسلامي مقدمة إلى مجلس كلية الآداب بجامعة البصرة ،1436ه /2015م.
-الشُبَري،محمد مهدي علي.
25-الرؤية الاستشراقية عند كارل بروكلمان لتاريخ الدول العربية الإسلامية في كتابه تاريخ الشعوب الإسلامية حتى نهاية سنة656ه/1258م،رسالة ماجستير في التاريخ الإسلامي مقدمة إلى مجلس كلية التربية بجامعة كربلاء ،1431ه/2010م.
– صالح،غسان عبد.
26-أساطير التوراة دراسة تاريخية تحليلية،أطروحة دكتوراة في التاريخ القديم مقدمة إلى مجلس كلية الاداب بجامعة بغداد،1425ه/2004م.