وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
جامعة كربلاء كلية التربية للعلوم الإنسانية  
          ماجستير التاريخ الاسلامي





مقالة
                                                        الظاهر بالله الفاطمي
إعداد الطالب
علاء محمد غانم
                    






1445 هـ                                                                                                                                                      2024 م 
اولاً    تولي الظاهر بالله مقاليد الحكم : خلف أبو الحسن علي الملقب بالظاهر أباه الحاكم بعد مقتله، ويقول أبو بكر الدواداري(): فجرّدت ست الملك له عبدين اسم أحدهما فلاح، والآخر رزين، وكانا عندها كأولادها تربية ومحبّة. ورتّبت لهما ما يفعلاه، فأكمنا له فى ذلك المكان الذى كان كثيرا ما يتعهده، فقتلاه كما ذكر، والله أعلم بأمره. وبايعه الناس بعد أن تحققوا من عدم عودة الحاكم، وذلك يوم عيد الأضحى عام ٤١١هـ / ٢٧ آذار عام (۱۰۲۱م) ، وكان الناس منذ أن فُقد الحاكم في ۱۷ شوال إلى هذا التاريخ بغير إمام() ، فأظهر غيبة أبيه، وبايعه أهل مملكته، وجميع المتصلين بدعوته، وعمره يومئذ سبعة عشر عاماً، وكتب إلى دعاته وعماله في كافة أراضي الدولة يعلمهم بوفاة والده وتوليه مقاليد الحكم، وأمرهم بضبط الأمور، وحفظ الثغور()، استدعت السيدة ست الملك سيف الدولة حسين بن علي بن دواس الكتامي إلى حيث كانت جالسة وقالت له: المعول في قيام هذه الدعوة عليك، وهذا الصبي ولدك، وينبغي أن تتولى الخدمة إلى غاية وسعك وتبذل فيها كل ما عندك. فقبل الأرض وشكر ودعا، ووعد بالإخلاص في الطاعة، وبلوغ ما في القدرة والاستطاعة. فأخرجت علي بن الحاكم بأمر الله ولقبته ‌الظاهر لإعزاز دين الله؛ وألبسته تاج المعز جد أبيه()، وتولت هي الوصاية عليه وكتبت الكتب لسائر الأعمال بأخذ البيعة؛ وجمعت ستّ الملك الأجناد وأحسنت إليهم، ورتّبت الأمور أحسن ترتيب، وعدلت عن ولي العهد إلياس  بن داوود بن المهدىّ وجيء به فبايع والسّيف على رأسه، وحبس، وكان آخر العهد به().، قتلت ست الملك ابن دواس وسائر من اطلع على سرّها() وجمعت ‌سِتّ ‌الْملك النَّاس وأحسنت ووعدت ورتبت وباشرت الْملك بِنَفسِهَا وقويت هيبتها وَعَاشَتْ بعد الْحَاكِم أَربع سِنِين(). وكان الظاهر ذو سيرة حميدة وأفعال مرضيّة، وكان جميع ذلك بتدبير عمّته ‌ست ‌الملك له. وكان يجلس فى قصرها ويرجع فى سائر أموره إليها. وكانت من الخير إلى الغاية().
ثانياً    سياسته وحروبه الخارجية: استغل الظاهر الأوضاع السياسية المضطربة في بغداد بسبب التنافس بين الأمراء البويهيين والخلافات بين الجند الأتراك، فنشر دعاته في مختلف المناطق الشرقية التابعة للخلافة العباسية، ونجحوا في استقطاب البويهيين، فأقام هؤلاء الدعوة للفاطميين في البصرة، والكوفة، والموصل، وأعمال المشرق()، وأرسلوا إلى محمود بن سبكتكين صاحب غزنة خلعاً من الظاهر وَرَدَ رَسُولُ مَحْمُودِ بْنِ سُبُكْتِكِينَ إِلَى الْقَادِرِ بِاللَّهِ وَمَعَهُ خِلَعٌ قَدْ سَيَّرَهَا لَهُ ‌الظَّاهِرُ ‌لِإِعْزَازِ دِينِ اللَّهِ الْعَلَوِيُّ، صَاحِبُ مِصْرَ، وَيَقُولُ: أَنَا الْخَادِمُ الَّذِي أَرَى الطَّاعَةَ مَرَضًا، وَيَذْكُرُ إِرْسَالَ هَذِهِ الْخَالِعِ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ سَيَّرَهَا إِلَى الدِّيوَانِ لِيَرْسِمَ فِيهَا بِمَا يَرَى، فَأُحْرِقَتْ عَلَى بَابِ النُّوبِيِّ().
      استمرار التنازع في بلاد الشام القضاء على بني الجراح في فلسطين : تراجع نفوذ بني الجراح في فلسطين في أواخر عهد الحاكم، واستعاد الفاطميون نفوذهم في جنوب بلاد الشام، فاستغل حسان بن الجراح الأوضاع الناجمة عن مقتل الحاكم الفاطمي، وحاول استرداد نفوذه وحتى يقوي موقفه عقد في عام  ٤١٤ هـ حلفاً  فتكون فلسطين ومركزها الرملة له، وتكون دمشق ومنطقتها داراً يحكمها سنان بن عليان وعشيرته، وحلب مع شمال بلاد الشام يحكمها صالح بن مرداس  فجدّد اليمين و الموافقة  مع سنان بن عليان وقد كان صاهره وأعطاه حسّان أخته مع  صالح بن مرداس على ما تقرّر بينهم متقدّما()، 
    زحف الجيش الفاطمي باتجاه فلسطين واستنجد حسان بن الجراح بحليفه صالح بن مرداس أمير حلب. وحدثت المواجهة الأولى بين القوات الفاطمية وعساكر حسان وصالح في منطقة غزة. وتواجه الجيشان عند الأقحوانة القريبة من طبرية في 24 ربيع الآخر ٤٢٠هـ واشتبكا في معركة حاسمة، أدى إلى انتصار القوات الفاطمية، فَلَمَّا كَانَ سَنَةُ عِشْرِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، جَهَّزَ الظَّاهِرُ صَاحِبُ مِصْرَ جَيْشًا، وَسَيَّرَهُمْ إِلَى الشَّامِ لِقِتَالِ صَالِحٍ وَحَسَّانَ، وَكَانَ مُقَدَّمُ الْعَسْكَرِ أَنُوشْتِكِينَ الدِّزْبَرِيَّ، فَاجْتَمَعَ صَالِحٌ وَحَسَّانُ عَلَى قِتَالِهِ، فَاقْتَتَلُوا بِالْأُقْحُوَانَةِ عَلَى الْأُرْدُنِّ، عِنْدَ طَبْرِيَّةَ، فَقُتِلَ صَالِحٌ وَوَلَدُهُ الْأَصْغَرُ، وَأُنْفِذَ رَأْسَاهُمَا إِلَى مِصْرَ، وَنَجَا وَلَدُهُ أَبُو كَامِلٍ نَصْرُ بْنُ صَالِحٍ، فَجَاءَ إِلَى حَلَبَ وَمَلَكَهَا، وَكَانَ لَقَبُهُ شِبْلَ الدَّوْلَةِ()
    العلاقة مع المرداسيين في حلب :أضعفت وفاة الحاكم، والمشاكل الداخلية التي شهدتها مصر عقب ذلك، النفوذ الفاطمي في بلاد الشام، ونشطت القبائل العربية البدوية في اقتسام هذه البلاد فيما بينها ،. وكانت  414  هـ الفوضى التي شهدتها حلب بعد اغتيال عزيز الدولة فاتك في شهر ربيع الآخر هـ  ٤١٣ قتله غلام له هندي قد رباه واصطفاه، قد تحولت إلى اضطراب وعدم استقرار، مما هيأ الفرصة أمام صالح بن مرداس للاستيلاء على المدينة()
    ويبدو أن الضغط البيزنطي كان شديداً، في الوقت الذي اتجه فيه الظاهر إلى تسوية أوضاع بلاد الشام والقضاء على خصومه فيها، لذلك جنح إلى السلم، وعقد في عام (٤١٨ هـ / ١٠٢٧م) اتفاقية مع الأمبراطور البيزنطي قسطنطين الثامن سنة ٤١٦ – ٤١٩ هـ فيها وقعت الهدنة بين متملك الروم وبين الظاهر عن ديار مصر والشام، وكتب بينهما كتاب؛ وتفردت الخطبة للظاهر ببلاد الروم. وفتح الجامع الذي بقسطنطينية، وعمل له الحصر والقناديل، وأقيم به مؤذن؛ وعند ذلك أذن الظاهر في فتح ‌كنيسة القيامة التي بالقدس، فحمل إليها ملوك النصارى الأموال والآلات، وأعادوها، وارتد إلى دين النصرانية كثير ممن أسلم كرها في أيام الحاكم بأمر الله().
     حلب بين الفاطميين والبيزنطيين : واستولى نصر وثمال ابنا صالح على حلب وأعمالها، وعلى الرّحبة، وبالس، ومنبج. وقتل من الفريقين جماعة، وانهزم عسكر الروم إلى موضع قريب من منزل العسكر، قطبان أنطاكية يهاجم حلب وينهزم فاستعطفه ابنا صالح واصطلحا في إثر ما جرى، واستقامت الحال بينه وبينهم() .
     وكان يخشى الملك رومانوس أن يعجز أولاد صالح عن الاحتفاظ بحلب بعد وفاة أبيهم، وأن تستولي عليها الدولة الفاطمية، بدليل أن منصوراً بن لؤلؤ، حاكم حلب السابق، كان من عداد جيش الأمبراطور، مما يوحي بأن نوايا رومانوس الثالث كانت متجهة نحو إعادته إلى بيزنطة، ونزل الملك بجيوشه على تبّل من بلد أعزاز()، في موضع قريب من الجبل لا ماء فيه، وضرب حول عسكره خندقا عظيما، ودارت الرّجالة بالتراس بجميع الخندق، حسب ما جرت به عادة الروم في عساكرهم، وحازت العرب المواضع التي فيها الماء واتّسعوا بها وأسرت العرب من الروم المنهزمين عددا كثيرا، وعاد الباقون إلى معسكرهم في يومهم ذلك().
    ودأب على الإغارة على حران وسروج وغيرهما ، كما استولى البيزنطيون على حصن بنكسرائيل() في العام التالي الروم يوقعون بالرادوفي ويستولون على بنكسرائيل()  وعاد إلى أنطاكية وحمل جميع الأسارى إلى الملك. واستشعر البربريّ (الظاهر) أنّ القطبان البيزنطي بعد ملكه حصن بنكسرائيل على رغمه واستظهاره على سراياه، سيعود يغزو إلى بلادهم، وينازل بعض حصونهم، فأظهر الاستعداد للغزو إلى بلد الروم()،امتعض الظاهر من هذا الانتشار البيزنطي، وأعلن الجهاد في مصر وبلاد الشام، فهاجمت قواته مدينة طرابلس ودخلتها في عام ٤٢٤ هـ ، فأرسل حملة بحرية إلى ساحل بلاد الشام، اصطدمت بالبحرية الفاطمية عند ميناء طرابلس، وتغلبت عليها، ثم رأى الطرفان الفاطمي والبيزنطي، أن يجنحا إلى السلم. وأبدى القائد البيزنطي نقيطا استعداده للتفاوض من أجل إحلال السلام، وأرسل الظاهر رسولين إلى الأمبراطور رومانوس الثالث للإطلاع على شروط الصلح وهي: 
    وكان الملك قد اشترط على الظاهر في عقد الهدنة بينهما ثلاث شرائط:
    إحداهما  أن يعمّر الملك كنيسة القيامة ببيت المقدس، ويجدّدها من ماله، ويصيّر بطريركا على بيت المقدس.
وأن تعمّر النّصارى جميع الكنائس الخراب التي في بلاد الظاهر.
    والشريطة الثانية: أن لا يتعرّض الظاهر لحلب، ولا يروم هو ولا أحد من ذوي طاعته لقتالها، ولا التعرّض لها بمكروه، إذ هي بلد قد تقرّر عليه إتاوة، ويحمل إليه في كلّ سنة مال الهدنة.
    والشريطة الثالثة: أن لا يساعد صاحب صقلّية على محاربته للروم لغيره من جميع من يروم الفساد في شيء من أعمالهم، ولا ينجده ولا يقوّيه، وهو أيضا يلزم له مثل ذلك الشرط، لتكون المسالمة بينهم في المستأنف مستمرّة، ولا يعرض لها ما يفسدها، وبذل له رومانوس الملك إطلاق الأسرى المأخوذين بحكم الحرب في أيامه من بلاد الإسلام، عوض بناء كنيسة القيامة()
    وعرض الملك أيضا على الظاهر أن يدفع إليه حصن شيزر، إذ هو بين عمل المسلمين، ويعطيه الظاهر حصن أفامية عوضا عنه، إذ هو قريب من بلاد الروم ومجاور لحصونهم، إن رغب في ذلك. فقبل الظاهر ما شرطه الملك من بناء كنيسة القيامة، ومن إصلاح بطريرك، ومن تجديد النّصارى بقيّة الكنائس، سوى ما كان منها قد عمل مسجدا، ويكون إطلاق الأسارى المأخوذين في أيام رومانوس الملك، عوضا عن ذلك ولم يجب الظاهر إلى الشرط المشتمل على ذكر حلب واحتجّ عليه بأنّها ثغر جليل من ثغور المسلمين، لا ينبغي أن يكون في حوز الروم().
ثالثاً   أعماله الداخلية : كان في ‌‌سنة ست عشرة وأربعمائة 416هـ فيها أمر الظاهر بنفي من وجد من الفقهاء المالكية وغيرهم. وأمر الدعاة أن يحفظوا الناس كتاب دعائم الإسلام وكتاب الوزير يعقوب بن كلس في الفقه على مذهب آل البيت؛ وفرض المظاهر لن يحفظ ذلك مالا. وجلس الدعاة بالجامع للمناظرة.‌‌ ‌‌
    اما سنة عشرين وأربعمائة 420هـ  كانت فتنة بمصر بين المغاربة والأتراك، قتل فيها جماعة، وكان الظفر للأتراك؛ ثم استظهرت المغاربة بمعاونة العامة لهم، فقتلوا عدة كثيرة من الأتراك، وأخرجوا من بقي منهم عن مصر. وكان خبط عظيم، فأخرج الظاهر رأسه من المنظرة وأشار إلى الناس، فقبلوا الأرض؛ ثم بعث إليهم بالصلح، فمشى الدعاة بينهم حتى اصطلحوا.
    وفي سنة إحدى وعشرين وأربعمائة  421هـ بايع الناس بولاية العهد للمستنصر بن الظاهر، وعمره ثمانية أشهر؛ فخلع على كافة أهل الدولة وعمل من الطعام ما كفى أهل القاهرة ومصر والطارئين من البلاد، ونثر مال عظيم، فيها أمر الظاهر بقتل دعاته فاضطربت الرعية وكثير من الجند لذلك سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة 423هـ   ().
رابعاً   وفاة الظاهر لدين الله : سنة 427 هـ وفيها توفي الظاهر عن استسقاء طال به من نيف وعشرين سنة، في يوم الأحد النصف من شعبان؛ فكانت مدته خمس عشرة سنة وتسعة أشهر وسبعة عشر يوما. وكانت أيامه كلها سكونا ولينا، وهو مشغول بملاذه ونزهه وسماع المغنى، وأمور الدولة بيد عمته السيدة العزيز ست الملك() 


شارك هذا الموضوع: