العلاقات بين الأيوبيين والعباسيين تحالف أم صراع؟
م .م محمد عاجل عطيه
كلية التربية للعوم الانسانية , جامعة كربلاء, العراق , كربلاء المقدسة
mohammed.ajel@uokerbala.edu.iq      07757044172
شهد التاريخ الإسلامي العديد من التفاعلات بين القوى السياسية المختلفة، وكان للعلاقة بين الدولة الأيوبية والخلافة العباسية أهمية خاصة، حيث تميزت بالتقلب بين التحالف والصراع. كانت الخلافة العباسية، رغم ضعفها السياسي، لا تزال تمتلك شرعية دينية، بينما سعى الأيوبيون، بقيادة صلاح الدين الأيوبي (567-589هـ/1171-1193م)، إلى تأكيد سيطرتهم السياسية مع الاحتفاظ بعلاقة إيجابية مع الخلافة العباسية في بغداد. 
أولاً: الخلفية التاريخية للعلاقات بين الأيوبيين والعباسيين
قبل ظهور الدولة الأيوبية، كانت الخلافة العباسية تمر بفترة ضعف سياسي وعسكري نتيجة هيمنة السلاجقة عليها، وكان العالم الإسلامي يعاني من الانقسامات السياسية. في هذا السياق، استطاع صلاح الدين الأيوبي إسقاط الدولة الفاطمية عام 567هـ/1171م، وإعلان ولائه للخلافة العباسية، مما شكّل نقطة تحول في تاريخ العلاقات بين القوتين.
ثانيًا: العلاقات بين الأيوبيين والخلافة العباسية خلال عهد صلاح الدين
إلغاء الخلافة الفاطمية وإعلان الولاء للعباسيين
كان إسقاط الدولة الفاطمية في مصر أحد أبرز إنجازات صلاح الدين الأيوبي، حيث أعاد الخطبة باسم الخليفة العباسي المستضيء بالله (566-575هـ/1170-1180م). وقد لقي هذا الفعل ترحيبًا من بغداد، إذ عزز من مكانة العباسيين أمام خصومهم الشيعة الإسماعيليين.
  • التعاون ضد الصليبيين
    رغم أن الخلافة العباسية لم تكن تملك قوة عسكرية كبيرة، إلا أن صلاح الدين سعى إلى استثمار شرعيتها في تعبئة المسلمين ضد الصليبيين، خاصة في معركة حطين عام 583هـ/1187م، التي أدت إلى استعادة القدس.
  • التحديات في العلاقة بين الطرفين
    رغم العلاقة الإيجابية بين صلاح الدين والخليفة العباسي، فإن الأخيرة لم تكن خالية من التوتر، حيث امتنع صلاح الدين عن إرسال الجزية إلى بغداد، وفضل الاحتفاظ بالاستقلال المالي والعسكري عن الخلافة.
ثالثًا: العلاقات بعد صلاح الدين (589-648هـ/1193-1250م)
  1. مرحلة حكم أبناء صلاح الدين
    بعد وفاة صلاح الدين، انقسمت الدولة الأيوبية بين أبنائه وأقربائه، مما أثر على العلاقة مع العباسيين. برزت محاولات بعض الحكام الأيوبيين للحصول على اعتراف الخليفة العباسي بسلطتهم الشرعية، بينما اتخذ بعضهم مواقف أكثر استقلالية.
  2. حكم الملك العادل والأيوبيين في دمشق
    الملك العادل (596-615هـ/1200-1218م) سعى إلى تعزيز علاقاته مع العباسيين، حيث استمر في إعلان الولاء للخلافة، لكنه حافظ على استقلالية قراراته.
  3. الأيوبيون في مصر والعراق
    شهدت هذه المرحلة تنافسًا بين الأيوبيين أنفسهم على النفوذ في مصر والشام، مما جعل العلاقة مع العباسيين تتأرجح بين التقارب والتوتر.
رابعًا: هل كانت العلاقة تحالفًا أم صراعًا؟
  1. التحالف العسكري والسياسي
    على الرغم من عدم وجود دعم عسكري مباشر من العباسيين للأيوبيين، فإن دعمهم السياسي والشرعي كان ضروريًا لصلاح الدين في تثبيت حكمه.
  2. التوترات المالية والإدارية
    امتناع الأيوبيين عن دفع الضرائب للخلافة العباسية، ورغبتهم في الاحتفاظ بالاستقلال المالي، أدى إلى بعض التوترات.
  3. الدور الرمزي للخلافة العباسية
    رغم ضعفها السياسي، كانت الخلافة العباسية رمزًا لوحدة المسلمين، وهو ما حرص الأيوبيون على استثماره في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
كانت العلاقة بين الأيوبيين والعباسيين مزيجًا من التحالف والصراع، حيث استفاد الأيوبيون من الشرعية العباسية لتثبيت سلطتهم، بينما حرص العباسيون على استعادة بعض نفوذهم من خلال دعم حكام أقوياء مثل صلاح الدين. وعلى الرغم من بعض التوترات، إلا أن العلاقة بين الطرفين ظلت قائمة على مبدأ المصالح المتبادلة.
المراجع
  1. ابن الأثير، “الكامل في التاريخ”، تحقيق: أبو الفداء عبد الله القاضي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1987.
  2. المقريزي، “السلوك لمعرفة دول الملوك”، دار النشر المصرية، 1997.
  3. ابن كثير، “البداية والنهاية”، دار الفكر، بيروت، 1998.
  4. حسين مؤنس، “تاريخ العلاقات بين الأيوبيين والعباسيين”، دار النهضة، القاهرة، 2005.

شارك هذا الموضوع: