العلاقة بين الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية
الاستاذ الدكتور مرتضى جليل ابراهيم المعموري 
رئيس قسم الجغرافية التطبيقية
تعتبر التقنيات الحديثة في الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية من الأدوات الرائدة في مجال تحليل البيانات الجغرافية. وبينما يُستخدم كل منهما بشكل منفصل في العديد من التطبيقات، فإن تكاملهما معاً يُشكل قوة دفع هائلة في تحقيق فهم أعمق للبيئة والظواهر الجغرافية. في هذه المقالة، سنتناول العلاقة بين الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية، وأثر هذا التكامل في مختلف المجالات.
أولاً: الاستشعار عن بعد
الاستشعار عن بعد هو عملية جمع المعلومات عن سطح الأرض أو أي جسم آخر عن طريق أجهزة استشعار تقيس الإشعاعات الكهرومغناطيسية المنعكسة أو المُنبعثة من السطح. وتستخدم الأقمار الصناعية والطائرات والبالونات هذه الأجهزة لإرسال إشارات وتلقي أخرى تُستخدم للحصول على صور ورصد البيانات المتعلقة بالظواهر البيئية.
من خلال الاستشعار عن بعد، يمكن الحصول على معلومات دقيقة عن تباين درجات الحرارة، رطوبة التربة، الاستخدامات المختلفة للأراضي، والمساحات الزراعية، وكذلك رصد التغيرات في الغطاء النباتي والمسطحات المائية. تمثل هذه البيانات خريطة دقيقة وسريعة تُساعد في العديد من التطبيقات مثل دراسة التغيرات البيئية والتخطيط العمراني.
ثانياً: نظم المعلومات الجغرافية (GIS)
نظم المعلومات الجغرافية (GIS) هو مجموعة من الأدوات التقنية التي تُستخدم لجمع وتحليل وإدارة البيانات الجغرافية. يتيح هذا النظام ربط البيانات المكانية (المتعلقة بالموقع الجغرافي) بالبيانات الوصفية (المتعلقة بالمحتوى أو الخصائص). يمكن من خلاله إنشاء خرائط وتحليل الظواهر البيئية والاجتماعية والاقتصادية، مثل تحديد المخاطر المناخية، دراسة توزيع السكان، واستخدامات الأراضي.
تُستخدم GIS في العديد من المجالات مثل التخطيط الحضري، إدارة الموارد الطبيعية، مراقبة البيئة، ودراسة آثار التغيرات المناخية.
ثالثاً: التكامل بين الاستشعار عن بعد و GIS
التكامل بين الاستشعار عن بعد و GIS يُعَدّ أحد أقوى الأدوات في تحليل البيانات الجغرافية. حيث يُمكن استخدام البيانات التي تم جمعها من خلال الاستشعار عن بعد (مثل صور الأقمار الصناعية) في نظام GIS لتحليل هذه البيانات بشكل أكثر عمقاً وتقديم نتائج مفصلة.
تحليل البيانات المكانية: باستخدام صور الأقمار الصناعية أو الصور الجوية الملتقطة عبر الاستشعار عن بعد، يمكن لـ GIS معالجة هذه الصور وتحويلها إلى معلومات مفيدة، مثل تصنيف الأرض، تقييم المساحات الحضرية، أو التنبؤ بتوزيع الموارد.
إدارة الموارد الطبيعية: باستخدام الاستشعار عن بعد، يمكن مراقبة تغيرات الغطاء النباتي، توزيع المياه، أو حرائق الغابات، بينما توفر نظم المعلومات الجغرافية أدوات لتحليل هذه التغيرات عبر الزمن وتحديد المناطق الأكثر عرضة للتدهور أو التلوث.
التخطيط الحضري: تُستخدم كلتا التقنيتين في تحديد المواقع المثلى للمشروعات التنموية، من خلال تحليل صور الأقمار الصناعية وتطبيقها على خرائط GIS لتخطيط البنية التحتية وتحديد الاستخدامات المثلى للأراضي.
رابعاً: التطبيقات العملية
تتعدد التطبيقات العملية التي تجمع بين الاستشعار عن بعد و GIS في مختلف المجالات:
الزراعة: يمكن للمزارعين استخدام هذه التقنيات لمراقبة المحاصيل، قياس نسبة الرطوبة، وتشخيص الأمراض الزراعية.
إدارة الكوارث: يمكن من خلال الاستشعار عن بعد مراقبة الأوضاع البيئية أثناء الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات، بينما تساعد GIS في تحديد المناطق الأكثر تضرراً وتخطيط عمليات الإغاثة.
حماية البيئة: تساعد هذه التقنيات في تتبع التغيرات البيئية، مثل التصحر أو تلوث المياه، من خلال تحليل البيانات الملتقطة وتطبيقها في استراتيجيات حماية البيئة.
خامساً: التحديات والفرص
رغم الفوائد العديدة لهذا التكامل، إلا أنه يواجه بعض التحديات مثل:
  1. دقة البيانات: قد تكون هناك تحديات في دقة البيانات المجمعة عبر الاستشعار عن بعد، مما يتطلب تقنيات متطورة لتحسين التحليل.
  2. تكاليف التكنولوجيا: تتطلب هذه التقنيات استثماراً كبيراً في الأقمار الصناعية أو الطائرات، بالإضافة إلى البرمجيات المتطورة لتحليل البيانات.
ومع ذلك، توفر هذه التقنيات فرصاً هائلة لتحقيق تطور مستدام في مختلف المجالات وتقديم حلول فعّالة للتحديات البيئية والاجتماعية.
الخلاصة 
تعتبر العلاقة بين الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية شراكة استراتيجية تتيح للخبراء والباحثين والمخططين البيئيين الحصول على معلومات دقيقة وشاملة تسهم في اتخاذ قرارات مدروسة. من خلال تكامل هذه التقنيات، يصبح بإمكاننا تحليل الظواهر الجغرافية بدقة أكبر، مما يعزز قدرتنا على الاستجابة للتحديات البيئية والاجتماعية بشكل أكثر فاعلية.
 

شارك هذا الموضوع: