العلاقة بين النظامين الانتخابي والحزبي في الولايات المتحدة

ا.د. حيدر طالب حسين
جامعة كربلاء
كلية التربية للعلوم الإنسانية / قسم التاريخ
        ان طبيعة النظام السياسي في الولايات المتحدة الامريكية تقتضي وجود نظام احزاب متعددة والسبب الرئيسي في ذلك يعود الى النظام الانتخابي الذي يحتم وجود تعددية حزبية ، ذلك النظام الحزبي الذي ولد منذ الدورة الانتخابية الثانية للرئيس جورج واشنطن ، وان كانت جذوره تعود الى اقرار الدستور الفدرالي الامريكي ، فالانتخابات الرئاسية تحتم وجود شخصين او مرشحين متنافسين لبلوغها ، وبالتالي فأنها تدفع نحو الاعتماد على وجود حزبين وهو نظام الهيئة الانتخابية لاختيار الرؤساء ، فطبقا لنظام الهيئة  الانتخابية لا يصوت الأمريكيون من الناحية العملية مباشرة للرئيس ونائبه ، بل يصوتون ضمن كل ولاية لمجموعة اعضاء في الهيئة الانتخابية يتعهدون بالالتزام باختيار مرشح رئاسي بعينه .  ويتطابق عدد اعضاء الهيئة الانتخابية مع عدد مندوبي الولاية في الكونغرس ( أي عدد النواب والشيوخ من تلك الولاية) ويتطلب الانتخاب للرئاسة الحصول على اغلبية مطلقة من اصوات اعضاء الهيئة الانتخابية ،ووجود الهيئة الانتخابية بحد ذاته يحتم وجود اكثر من مرشح لانتخابات الرئاسة وهذا ما حتم وجود تعددية في الاحزاب وان لم ينص الدستور الامريكي على ذلك ، الا ان الآباء المؤسسون وضعوا نظام الهيئة الانتخابية كجزء من خطتهم لتقاسم السلطة بين الولايات والحكومة القومية ، وطبقا لنظام هذه الهيئة فان التصويت الشعبي للرئيس في سائر انحاء البلاد ليس له اهمية في النهاية . ونتيجة لذلك فان من الممكن ان تؤدي اصوات الهيئة الانتخابية التي تمنح على اساس الانتخابات في الولايات الى نتيجة مختلفة عن التصويت الشعبي في سائر انحاء البلاد، و ما حصل في انتخابات عام 1800 و 1824 دليلا واضحا على ذلك .
       وتجدر الاشارة هنا الى ان النظام الحزبي في الولايات المتحدة الأمريكية مر بعدة مراحل منها وما يخصنا هنا هو ان المرحلة الممتدة بين تأسيس النظام السياسي عام 1789 والانتخابات الرئاسية عام 1824 شهدت ما عرف بالقاموس السياسي للولايات المتحدة بـ ( فترة النظام الحزبي الأول ) الذي شهد مدة المشاعر الحسنة او الطيبة ، وهذا النظام الحزبي لم يكن نظاما ايديولوجيا بالمعنى الحقيقي ، فكلا الحزبين السياسيين الذين شكلا قوام هذا النظام ( الذين نقصد بهما الحزب الجمهوري الديمقراطي والحزب الفدرالي ) كانا حزبين انتخابيين ، أي ان الانتخابات الرئاسية التي تجرى كل اربعة سنوات كانت هي الفيصل بالنسبة لكلاهما ، وعلى الرغم من ان الجنوبيين كانوا جزءا من الحزب الجمهوري الديمقراطي ، والمستوطنين الجدد جزءا من الحزب الفدرالي ، إضافة إلى فئات المجتمع الأخرى التي انخرطت بينهما ، الا ان كلاهما لم يمتلكا قاعدة عريضة لمنظمة الحزب تعبئ الدعم الشعبي ، وهذا ما أشار إليه الكاتب السياسي جون الدرج John H. Aldrich من الفئات البراغماتية في الكونغرس التي انتظمت حول هاملتون و جفرسون ، كانت أحزابا حكومية صممت لحل النزاع الذي تمحور أساسا على المدى الذي تكون فيه الحكومة الفدرالية قوية، لهذا فقد كان ناشطوا الأحزاب هم بشكل أساس من أعضاء الكونغرس المحليين الفاعلين وفيما عدا الانتخابات كانت هناك مشاركة شعبية قليلة في شؤون الحزب والمرشحون الى المناصب العامة كانوا يعينون من جانب الاجتماعات الحزبية المغلقة .
      فضلا عن ذلك فان تلك الاحزاب لم تعبر عن توجه متجانس ، بل كانت تظم فئات لها وجهات نظر متباينة حول السياسة والاقتصاد ، كما انها كانت تمثل قواعد طبقية مختلفة ، مما جعل بعضهم مضطرا لذلك بوصفه سببا كامنا وراء انشقاق كلا الحزبين ، فكما اختفى الحزب الفيدرالي من الوجود فان تحالف جفرسون أو الحزب الجمهوري الديمقراطي تمزق  بالفئوية ايضا ، لان طبيعة الحكم الاتحادي ادت دورا في ذلك ، و لان جذور النظام الحزبي الامريكي تكمن في الولايات ، وتجري ادارته والاشراف عليه بشكل عام من قبل الولايات منفردة ، كما عبر عن ذلك الكاتب تشارلز أ . ميريام ، وهذا يعني ان المنظمات الوطنية للأحزاب والمنظمات الحزبية في الولايات منفصلة ، وتعمل في افقها الخاص  دون معالجة عامة لمشكلة السياسة الحزبية وإستراتيجيتها .
        وعودة على ذي بدء فأن النظم الانتخابية المختلفة لها اثار سياسية ،  ومن بينها نسب المشاركة في الانتخابات العامة ، فلو اجرينا احصائية لنسب المشاركة في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة قياسا بنسبة السكان لو جدنا ان هناك بون كبير بينهما ولنأخذ على سبيل المثال الانتخابات الرئاسية لعام 1824 التي أظهرت ان عدد المشاركين فيها بلغ 038, 356 في حين ان عديد السكان كان حينها ما يقارب الاحد عشر مليون نسمة ، وبشكل عام فأن النظم السياسية وعلى مدار السنوات اظهرت ان هناك مؤشرات سياسية معينة تؤثر عليها النظم الانتخابية المختلفة بصورة متباينة ، ويأتي على راس هذه المؤشرات عدد الاحزاب في النظام السياسي ، بمعنى تفتت او تكتل النظام الحزبي ، ثم نسب المشاركة في الانتخابات العامة ، والقدرة على الادارة السياسية والاقتصادية للبلاد ، فالأحزاب السياسية هي التي تقوم بأدوار لا غنى عنها في أي نظام ديمقراطي ، فهي التي تطور السياسات العامة ، وهي التي تحدد الخيارات التي يفاضل بينها المواطنون في الانتخابات العامة وقادتها غالبا هم الذين يحكمون البلاد ، الا ان النظم الحزبية عموما لا تعيش في فراغ وإنما تكون متأثرة في كثير من مراحل نموها وعملها بالسياق الذي تعمل به ، ومن اهم مكونات هذا السياق هو النظام الانتخابي الذي تتنافس وفقا لقواعده هذه الأحزاب  .
       وعلى الرغم من ان اتجاهات كثيرة تؤمن بان العلاقة بين النظامين الانتخابي والحزبي غالبا ما تكون علاقة دورانية اي كلاهما يؤثر في الاخر ، الا ان غالبية الآراء لا تنكر ان النظام الانتخابي المتبع يعد ضمن احد العوامل المهمة في تشكيل او الحفاظ على هيكل النظام الحزبي ، خاصة ما يتعلق بعدد هذه الاحزاب ، وباختصار فان خلاصة هذه العلاقة تتمثل بـ ( حين تكون نظم الاكثرية اكثر قدرة على انتاج نظام الحزبين ، فان نظم التمثيل النسبي تكون اقرب الى انتاج نظم يزداد فيها عدد الاحزاب عن اثنين) .
 

شارك هذا الموضوع: