العمارة والفن في الدولة الفاطمية
د. مروه مكي جعفر                 كلية التربية للعلوم الانسانية/ قسم التاريخ
     
     يمكن عدَ الدولة الفاطمية منذ نشوءها في بلاد المغرب سنة 296هـ هي الوريث للحضارات التي سبقتها، فهي تاثرت بما كان سائد في بلاد المغرب من عمارة، وهي بدورها متاتية عن الحضارة الرومانية القديمة التي كانت تسيطر على شمال افريقية، ومازالت اثار الفاطميين شاخصة في بلاد المغرب ومنها مدينة المهدية التي بناها عبيد الله المهدي سنة 303هـ، وانتقل اليها سنة 308هـ ففي هذه المدينة بقايا التحصينات التي انشاءها المهدي، فضلا عن الجامع الذي اعيد بناءه، ويتميز هذا الجامع بمدخل فيه بوابة تشبه اقواس النصر الرومانية، وقد نقل الفاطميون هذا النوع من العمارة الى مصر.
         وعند دخول الفاطميين الى مصر فقد شرع جوهر الصقلي قائد الجيش الفاطمي ببناء مدينة القاهرة، وكانت خطة العمل على اساس التصميم الذي وضعه المعز الفاطمي، وبخلاف المدن التي يختط المسجد في وسطها فقد اختط في وسط القاهرة القصر الكبير ووضع خطة لكل قبيلة. 
     ومن الشواهد المعمارية في القاهرة الجامع الازهر الذي بدأ البناء فيه سنة 359هـ وافتتح سنة 361هـ ، وبني هذا الجامع من الآجر وكانت نمط بناءه على نمط بناء جامع ابن طولون، ويرى بعض الباحثين ان عمارته متاثرة بالعمارة في الدولة العباسية، وبألاخص عمارة سامراء اذ ان الجوامع تحتوي على صحن فيه اربع ايوانات اكبرها ايوان القبلة.
     وتعددت الجوامع في القاهرة منها جامع الحاكم او ما يعرف بجامع الخطبة بني في عهد العزيز الفاطمي، واتم بناءه في عهد الحاكم فعرف بإسمه وعرف فيما بعد بالجامع الأنور، وفي عهد الحاكم بني جامع المقص، وآخر اسمه راشدة وكانا اصغر من الازهر والانور، ولكن فيهما تجسيد واضح للعمارة الفاطمية المميزة واستخدم في عمارة هذه المساجد الحجر وبهذا استغنوا عن استعمال الطلاء للاعمدة واضحى من السهل النحت على هذه الحجارة، واستعمال الزخارف المختلفة ، فضلا عنه انه تم انشاء جامع الاقمر في عهد الآمر باحكام الله من قبل وزيره المامون البطائحي سنة 519هـ، وهذا الجامع عمارته مختلفة عن باقي جوامع مصر اذ ان الدور الارضي استخدم في انشاء دكاكين ومخازن والجامع.
     وعرفت مصر الفاطمية نوع اخر من العمارة وهي عمارة المشاهد او الاضرحة، واغلبها لاشخاص من سلالة اهل البيت، وتعرف هذه المنطقة بالمشاهد بين القاهرة و الفسطاط، ومنها مشهد سكينة، ومشهد عاتكة، ومشهد اخوة يوسف والقباب السبع بالقرافة، ولعل اهم هذه المشاهد هو مشهد رأس الحسين (عليه السلام).
     اما بالنسبة للقصور في القاهرة فقد بنى جوهر القصر الكبير الشرقي وامامه ميدان فسيح كانت مساحة القصر تقريبا اربعين فدان ولم يكن القصر بعيد عن الجامع الازهر، وعند قدوم المعز الى مصر امر بالزيادة على هذا القصر فشمل الدواوين والخزائن فاصبح عبارة عن مجموعة من القصور منها قصر الذهب وقصر اليافعي وقصر الزمرد وقصر الحريم، وفيما بعد امر العزيز الفاطمي بانشاء قصر اخر امام قصر ابيه، وقد تم بناءه في عهد المستنصر سنة 459هـ، وكان يسمى بالقصر الغربي او قصر البحر وقدرت مساحته بنحو ثلاثين فدان وكان يطل على نهر النيل، وعرفت هذه القصور بالقصور الزاهرة، واما خارج القاهرة فقد شيد قصران قصر اللؤلو وقصر الجوهرة على راس الخليج.
   وان تطور العمارة في مصر الفاطمية لم يقتصر فقط على قصور الخلافة وانما بيوت عامة الناس كانت تمتاز بالنظافة والبهاء وبنيت بعضا منها بالاحجار الثمينة، وكان هناك بساتين واشجار بين القصور، تسقى من ماء الابار وفي قصر السلطان بساتين لا نظير لها، وقد نصبت السواقي لريها، وغرست الاشجار فوق الاسطح فصارت متنزهات.
     وكان للقاهرة اسوار وابواب شيدت على يده جوهر الصقلي الا انها تهالكت فجددها الوزير بدر الجمالي بين سنتي 480 – 485هـ ، وفيه اربعة ابواب اساسية  باب النصر وباب الفتوح في السور الشمالي، وباب زويلة في السور الجنوبي، وباب البرقية في السور الشرقي وهناك ابواب اخرى منها باب القنطرة وباب الشعرية وغيرها، وقد كانت هذه الابواب ضخمة تشغل مساحة تقدر بخمسة وعشرين متر مربع وارتفاعها يزيد على عشرين متر واستخدم في بنائها الكتل الحجرية وقد جلبت هذه الاحجار من الاثار الفرعونية وفيها كتابات مصرية قديمة، ويتقدم كل بوابة برجان ضخمان في الجهة الخارجية للسور، فيما عدا باب البرقية وتظهر في باب النصر الصنج المعشقة  في عمارتها  وهي سمة جديدة على العمارة في مصر.
 
     وكان للخلفاء الفاطميين مناظر ومتنزهات كثيرة  داخل القاهرة وخارجها انشئت للراحة والاسترخاء منها منظرة الازهر ومنظرة اللؤلؤ، ومنظرة التاج ومنازل العز، ومنظرة الاندلس وقصر الورد وهذه المناظر شبيه بالاستراحات يجلس فيها الخلفاء للراحة او لمشاهدة الاستعراضات العسكرية.
      ومن الفنون التي اشتهرت في العصر الفاطمي هو فن صناعة الخزف ذي البريق المعدني، وصف الخزف المصري  بانه لطيف وشفاف بحيث اذا وضعت يدك عليه من الخارج ظهرت من الداخل، وكانت تصنع منه الكؤوس والاقداح والاطباق وكانوا يزينوها بالوان مختلفة تتغير حسب وضعية الاناء، وتكتسب هذه القطع الخزفية اللون المعدني باستخدام املاح معدنية  كانحاس والحديد والفضة لرسم الموضوعات الخزفية، وتدخل الفرن ثلاث مرات وهذه العملية المعقدة اكسبت الفن الخزفي في العصر الفاطمي درجة متقدمة من التطور اذ وجدة دقة في رسم الصور عليها ومنها صور الادمية لاشخاص يقومون باعمال مختلفة، ومناظر للشرب والطرب والموسيقى وصور لنساء جميلات، ويبدو انهم تاثروا بالحضارة البيزنطية في مسالة الرسوم والتجسيد ووصلت نماذج من الخزف الفاطمي مختوم عليها باسم صانعها.
      وعرف ايضا في العصر الفاطمي صناعة الصنج الزجاجية وقد وجدت بعضا منها مكتوب عليه اسماء خلفاء فاطميين منهم المعز والعزيز والحاكم والظاهر والمستنصر.
    ومن فروع الفن الفاطمي الاخشاب ذات الزخارف المحفورة وقد عدت استمرارًا للفن العباسي مع احداث تطورات عليه ماخوذه من الحضارة البيزنطية،  فضلًا عن ذلك فهناك فن النحت وعثر على تماثيل من البروز تعود الى العصر الفاطمي محفوظة في متاحف مختلفة.
     كل هذا التطور في الفنون والعمارة في العصر الفاطمي يدل على مدى الازدهار الذي وصلت اليه الدولة الفاطمية، فضلًا عن انفتاحها على الحضارات الاخرى مما خلق مزيج مميز اضيف اليه لمسات الفنان المصري فظهرت لنا هذه المباني ذات الطابع الفاطمي الخاص، ومازالت بعض اثارها شاخصة الى اليوم نظرًا لاستخدام الحجارة في بناءها، وبالنسبة للادوات الاخرى من زجاج وخزف وقطع خشبية او برونزية فقد وجدت قطع منها غير مكتملة ولكنها دلت على التطور الفني في ذلك الوقت.


المصادر والمراجع:
  1. المقريزي، أحمد بن علي بن عبد القادر، ت: 845هـ، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، دار الكتب العلمية، بيروت، 1997.
  2. السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، ت : 911هـ، حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية،  مصر، 1967.
  3. سيد، ايمن فؤاد، الدولة الفاطمية في مصر( تفسير جديد)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2007.
  4. عكاشة، علياء، العمارة الاسلامية في مصر، بردي للنشر، الجيزة، 2008.

شارك هذا الموضوع: