جامعة كربلاء / كلية التربية للعلوم الانسانية
ماجستير تاريخ اسلامي
الطالب : مهند كاظم جاسم الخزعلي
العناصر المعمارية والهندسية في تكوين المدينة الإسلامية في العصر العباسي
كانت الرؤية الإسلامية في تخطيط المدن مراعية لجوانب التخطيط المختلفة سواء كانت هذه الجوانب عمرانية أو اقتصادية أو اجتماعية، ويعكس التخطيط المادي للمدينة الإسلامية المحاور المختلفة التي قام عليها تخطيط المدينة وجوانبه المختلفة، فأثرت عوامل مختلفة في اختيار مواقع المدن الإسلامية، تباينت طبيعة هذه العوامل من مدينة لأخرى، ولا سيما تلك العوامل المرتبطة بالنواحي الحربية والسياسية، ويمكن اجمال هذه العوامل بالآتي:
أولاً : الموقع : يعد في مقدمة العوامل المؤثرة في انشاء المدن الإسلامية، اذ يشترط في موقع المدينة أن يكون قريباً من مصادر المياه، وأن يكون مناخها معتدل وهواءها جيد، وتكون قريبة من أماكن الرعي والاحتطاب، وهذا ينطبق على اختيار الخليفة أبو جعفر المنصور لموقع مدينة بغداد .
ثانياً : العامل الاقتصادي : تلعب النظرية الاقتصادية دوراً بالغ الأهمية في عملية تخطيط المدن الإسلامية، فتوفير الغذاء مطلب أساسي لنشأة المدن واستمرار حياتها، فالواجب أن تكون المدينة قريبة من إقليمها الاقتصادي الذي يمدها بما تحتاج إليه، أو أن تحصل على ما تحتاج إليه عن طريق التجارة والتبادل .
ثالثاً : العامل العسكري : يتمثل هذا العامل في عملية الدفاع عن المدينة، ولذلك فإن هذا العامل كان له الأثر في شكل المدينة، فقد بنى العرب المدن المدورة، ليتمكنوا من حمايتها من جميع الجهات، كما يساعد هذا الشكل على السيطرة على مركز المدينة، ومن أشهر المدن الدائرية بغداد التي سميت بالمدورة .
إن بناء القلاع والحصون من أبرز آليات الدفاع عن المدن، يشمل التحصين إحاطة المدينة بالأسوار والخنادق وإقامة الأبراج والدعائم والبوابات، وتصميم مداخلها، وكل ما من شأنه أن يزيد من قدرتها الدفاعية والهجومية بوجه الغارات الخارجية المعادية، واحتمال تعرضها لتمرد داخلي.
رابعاً : العوامل الاجتماعية : تعبر حياة العامة عن الحياة الاجتماعية في المدينة الاسلامية، فحاول المسلمون الربط بين الحياة الاجتماعية في المدينة الاسلامية وملائمة تخطيط المدينة، لممارسة النشاطات الاجتماعية، فعد السوق من العناصر الاساسية في المدينة الاسلامية فهو بلا منازع الوسط التجاري في المدينة، وقد تم تقسيم المدن والأسوق طبقاً لأنواع الحرف والصناعات في المدينة فلكل حرفة أو صناعة ناحية في السوق، هذا اضافة الى انشاء الحمامات والمرافق العامة للسواد الأعظم من الناس .
اتبع العرب المسلمون طريقة ونمط خاص في تخطيط المدن فقد كانت المدينة الاسلامية تحتوي في وسطها على ساحة متسعة، اضافة الى وجود المسجد في وسط المدينة فهو المركز الديني والسياسي للمدينة، وفي العادة يكون المسجد ملاصقاً لدارة الامارة أو قصر الخليفة، وكان المسلمون يهتمون بتقدير الشوارع حتى تتناسب مع حركة المرور وكثافتها، كما اتخذوا الاعمدة والمنحنيات والمشربيات والشرفات والقباب والمآذن والمداخل الملتوية في البناء، وهذه المظاهر مستوحاة من بيناتهم وأحوالهم المعيشية .
يأتي تخطيط موضع المدينة بعد اختيار الموقع، فالموضع المدينة يعني تلك المساحة التي تقف عليها مشتملة على المعالم الدقيقة للأرض التي يبدأ الاستقرار فوقها وينتشر عليها ويؤثر فيها، وتخطيط هذا الموضع يعني تنسيق النظام المادي الطبيعي للمدينة التي تمثله كتلها المبنية وارتباطها بمجتمعها الحضري ومرافقها وخدماتها، في انسجام وتوافق مع الحاجات الاجتماعية والاقتصادية لسكانها.
تأثر فن العمارة في العصر العباسي بالفن الفارسي، فقد كانت بعض عمائر بغداد مؤلفة من عدة طبقات يظهر في زخرفها الذوق الفارسي، وتقدمت في هذا العصر فنون الزخرفة تقدماً عظيماً فأصبحت القصور محلاة بالرسوم والزخارف من الداخل والخارج وعليها صور من الجص المجسم، ومن مميزات فن الزخرفة في العهد العباسي تلك الزخارف الجصية التي كانت تغطي الأجزاء السفلية من الجدران والصور الحائطية التي تمثل وقائع حرب ومشاهد صيد أو رسوم حيوانات وطيور، فكانت زخارف المدن الاسلامية مستمدة من المناظر الطبيعية والأشكال الهندسية والنباتية، وتحاشوا التماثيل والصور المجسمة لأنها محرمة عليهم، حتى لا يتشبهوا بعبدة الأوثان .
ظهرت في المدن الاسلامية العديد من الظواهر المعمارية الملفتة للنظر، ومن هذه الظواهر عمل البدنات أي الدعائم التي يرتكز عليها السقف، والظاهرة المعمارية الثانية هي الأركان المقرنصة التي تحول المربع الى مثمن أو الى دائرة ترتكز عليه الحافة السفلى للقبة، وكان من بين الظواهر الهندسية المستخدمة في المدن الاسلامية هي رفع القباب على القواعد المثمنة شوطاً بعيداً، وجعل ارتكاز هذه القباب على الخراطيم وقد حقق ذلك نفس النتائج التي توصلت إليها القباب البيزنطية من ارتكازها على القلائد، وابتكرت كل أنواع العقود والأقواس نصف المدورة والبيضوية والمجزوءة والمنفوخة والمقصصة، وجعلتها على الدعائم والمساند، وعمم استخدام الأواوين والأروقة في المدن الاسلامية، واتخذت على الجدران التزيينات الجصية والمرمرية واللازوردية والذهبية والفضية والبرونزية والخشبية .
المصادر :
1- اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب ( ت 292ه / 904م )، البلدان، ط1 ( النجف الأشرف ــ المكتبة الحيدرية، 1337ه / 1918م )، ص 5 .
2- الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي ( ت 463ه / 1070م )، تاريخ مدينة السلام، تحقيق: بشار عواد معروف، ط1 ( بيروت ــ دار الغرب الإسلامي، 1422ه / 2001م )، ج2، ص69.
3- ابن كثير،عماد الدين أبي الفداء اسماعيل بن كثير ( ت 774ه / 1372م )، البداية والنهاية، ج3، ص 97.
4- ابن خلدون، عبد الرحمن ( ت 808ه / 1405م )، تاريخ ابن خلدون، تحقيق : خليل شحادة، ط1 ( بيروت ــ دار الفكر، 1421ه / 2001م )، ج3، ص 247
5- عثمان، محمد عبد الستار، المدينة الإسلامية، ط1 ( الكويت ــ المجلس الوطني للثقافة، 1988 )، ص 86.
6- الموسوي، مصطفى عباس، العوامل التاريخية لنشأة وتطور المدن العربية الإسلامية، ط1 ( بغداد ــ دار الرشيد، 1982م )، ص 220.
7- محمد، ضياء نعمة، أثر العوامل الاجتماعية في تخطيط وعمارة المدن العربية الإسلامية، مجلة كلية التربية الأساسية، بابل، العدد 26، 2016م، ص 605 .
8- شلبي، أبو زيد، تاريخ الحضارة الإسلامية والفكر الإسلامي، ط1 ( القاهرة ــ مكتبة وهبة،2012م),ص 216.
9- المغلوث، سامي عبد الله أحمد، أطلس تاريخ الدولة العباسية، ط1 ( الرياض ــ العبيكان للنشر، 2012م )، ص 494 .