وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
جامعة كربلاء
كلية التربية للعلوم الانسانية –قسم اللغة العربية
دكتوراه ادب
هدى محمد عباس كسار
تحت اشراف الاستاذ الدكتور محمد حسين علي حسين
م/ الغدير في اقوال الائمة الميامين (عليهم السلام )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، الذي أتم نعمته على المسلمين ، وأكمل لهم الإسلام دين سيد المرسلين ، بولاية يوم الغدير لأمير المؤمنين . والصلاة والسلام على سيد الأنبياء الرسول الأمين ، المبلغ رسالات الله في الوحي المبين ، وعلي أخيه سيد الوصيين ، وآلهما الأئمة المعصومين .
وبعد : فمنذ انبلج فجر الإسلام ، رسالة السماء ، خاتمة لرسالات الأنبياء ، صحبته حوادث جمة ، سجلها التاريخ بأحرف من نور ولم ينسها ، بل لا يطيق أن ينساها ، لأن لكل منها أثرا عميقا في مجرياته ، لكنها تتفاوت في ما بينها في عمق الأثر . وبعده من ناحية ، وفي خلود الذكر ومداه من ناحية أخرى . فهناك البعثة النبوية الشريفة ، وهناك الهجرة النبوية المجيدة ، والحروب المصيرية ، وحدث أخير عظيم هو (عبد الغدير) الخالد . ولم يكن الغدير من الأحداث العابرة ، والوقائع التي لها أثر مؤقت ، وإنما كان حدثا مهما ضخما في تاريخ الإسلام ! واكتسب الغدير تلك العظمة ، من كل ما أحاط به من الظروف ، زمانية ، ومكانية ، وماله من أثر عقائدي وتاريخي ، وبعد اجتماعي سياسي ، في مصير الدولة الإسلامية ومستقبلها ، في الفترة التي أعقبت عصر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم .
فهو آخر اجتماع عظيم ضم الرسول وأمته ، في وداع أخير بعد العودة من حجة الوداع ، ولا بد أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، يستغل هذه الفرصة النادرة ، ليبث فيه إلى الأمة أعمق شجونه ، وأحزان قلبه ، وتطلعاته ، ويؤكد لهم على آخر وصاياه ورغباته ، من إرشادات هامة ، على صعيدي الدنيا والآخرة ، ومن الخلافة من بعده ، والولاية على الأمة . وكان أعظم مجمع على الأرض في الإسلام ، حيث كان مفترق قوافل الحجاج العائدين من آخر حجة ، مع آخر رسول ، في رجوعهم من حجة الوداع ، حيث اجتمع أكبر عدد من المسلمين المتشوقين لمسايرة ركب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، لينالوا من فيض صحبته المباركة في تعظيم شعائر الله في ذلك المنسك التاريخي . فلا شايعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في طريق العودة خارجا من مكة إلى المدينة ، جمعهم على مفترق الطرق ، قبل أن تشتتهم الطرق ، وخطب في جمعهم الحاشد ، مبلغا ما أنزل إليه من ربه ذلك البلاغ الإلهي ، الذي لو لم يفعله لم يكن مبلغا لشئ من الرسالة الإسلامية ، على عظمتها ، وأبعادها ، وأتعابها ، ومشاقها ، ومآسيها ، وأهدافها ، وأتراحها ، وأفراحها .
فذلك البلاغ – إذن – هو البيان الختامي ، للرسالة الإسلامية التي صدع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأدائها ، فهو جامع لأهم ما في تلك الرسالة من مقومات الوجود والاستمرار ذلك هو بلاغ ولاية الأمير ، يوم الغدير ، في زمانه ومكانه ومحتواه . ولم يكن الغدير مناسبة مؤقتة محدودة ، ولا شعلة مؤججة تؤول إلى الخمود ، ولا شمسا بازغة تصير إلى الأفول ، ولا برقا يتألق ثم ينطفئ فيعقبه ظلام دامس . كلا ، بل (الغدير) منطلق لأمواج ، النور على حياة البشرية ، امتدادا للفجر الإسلامي ، الذي ليس له ضحى ، ولا ظهر ، ولا عصر ، ولا ليل .
إن الزمن – مهما امتد بالإسلام – لم يكن ليخمد من شعاعه الوهاج ، بل قد أثبت التاريخ أن الإسلام هو الحق الذي يشدده مر الزمان قوة وثباتا ، وهو الحقيقة التي لا يكشف مر الأيام إلا عن ناصع برهانه . والغدير ، كواحد من أهم أحداث الإسلام ، كذلك ، يظل معه سائرا مسير النور مع الفجر ، والضياء مع النهار ولقد أخذ الغدير من اهتمام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قسطا كبيرا في يومه الأول ، فجابه به كل التهديدات التي كانت تعترضه والتي وعده الله بالعصمة من أصحابها ، وتحتمل عناء الموقف ، وخطب تلك الخطبة الجامعة الغراء ، في حر الهجير ، وقام بتتويج الأمير ، وأخذ له البيعة من كل الحاضرين ، وأتم الحجة على الجمع أجمعين .
والغدير اكتسب قدسية بما قام به النبي صلى الله عليه وآله وسلم في يومه الأول ذلك ، ثم وقع الغدير موقع العناية الفائقة من الأئمة المعصومين من أهل البيت عليهم السلام ، فلم يألوا جهدا في إحيائه وتعظيمه ، وعمل الأئمة عليهم السلام – الذين يعتبر وجودهم امتدادا عمليا لوجود الرسول صلى الله عليه وآله وسلم – في المحافظة على الإسلام ، ويمثلونه تمثيلا صادقا في بث معارفه وإحياء ذكرياته ، مدعاة للتأمل والبحث
إن الأئمة الأطهار عليهم السلام ، فتحوا للغدير حسابا واسعا في حياتهم الكريمة العلمية والعملية ، وهذا المقال يجمع ما ورد من مواقفهم عليهم السلام من الغدير في كلا المجالين ومن تلك المواقف سنذكر بعضها :
فالحديث المروي عن أئمة الهدى في إيضاح واقعة الغدير رسم بشكل واضح ارتباط هذه الواقعة بخط الإسلام وبنائه ، ولعل التطلع الأحاديث المتناثرة في كتب الطائفة تظهر وبشكل لا يقبل الشك ذلك المذهب ، فقد روي عن أبي جعفر عليه السلام في صحيحة الفضيل [ ابن يسار ] أنه قال : ” بني الإسلام على خمس : الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ،
والولاية ، ولم يناد بشئ مثل ما نودي بالولاية يوم الغدير ” (1) وأضاف عليه السلام في نقل آخر لهذا الحديث : ” فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه – يعني الولاية – ” (2) .
بل وقد روي وبإسناد صحيح عن عمر بن أذينة ، عن زرارة والفضيل بن يسار وبكير بن أعين ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية وأبي الجارود جميعا ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : ” أمر الله عز وجل رسوله بولاية علي عليه السلام ، وأنزل عليه (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) [ سورة المائدة / 55 ] وفرض ولاية أولي الأمر ، فلم يدروا ما هي ، فأمر الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم أن يفسر لمم الولاية كما فسر لهم الصلاة والزكاة والصوم والحج ، فلما أتاه ذلك من الله تعالى ضاق بذلك صدره وراجع ربه ، فأوحى الله عز وجل [ إليه ] ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) [ سورة المائدة / 67 ] فصدع بأمر الله تعالى [ ذكره ] فقام بولاية علي يوم غدير خم ، فنادى : الصلاة جامعة ، وأمر الناس أن يبلغ الشاهد الغائب ” . قال عمر بن أذينة : قالوا جميعا – غير أبي الجارود – وقال أبو جعفر عليه السلام . وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى ، وكانت الولاية آخر الفرائض ، فأنزل الله عز وجل ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) [ سورة المائدة / 3 ] .
قال أبو جعفر عليه السلام : ” يقول الله عز وجل : لا أنزل عليكم بعد هذه فريضة ، قد أكملت لكم دينكم ” (3) .
والأمر الواضح للعيان عند التأمل في مجمل الروايات الواردة في نقل حادثة الغدير أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تردد في إبلاغ ذلك الأمر خشية من إعراض من بعرض عنه ، لأمور لا تخفى ، مبعثها الحسد والجهل وبغض علي ، ذاك الذي أسموه بقتال العرب ، فلذا تردد الأمر أكثر من مرة ، هبط به جبرئيل عليه السلام حتى جاء الأمر الأخير (. . . وإن لم تفعل فما بلغت رسالته . . .) فأخذ على نفسه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يبرح المكان – وكان في الجحفة – حتى يبلغ الأمر فنادى . الصلاة جامعة – وكان يوما شديد الحر – فاجتمع الناس ، وأمر بدوحات فقم ما تحتهن من الشوك (4) ، ثم خطب خطبة مبسوطة ، وأقام عليا أمام نواظر الحاضرين ، وأمر الناس بمبايعته بأمر الله تعالى . . والخطبة تجدها في العديد من كتب الحديث وغيرها ، وتذكرها كما رويت مختصرة وبإسناد صحيح جدا ، ثم تذكر مقاطع من الخطبة المبسوطة تباعا . روى الشيخ الصدوق – قدس سره – في ” الخصال ” بعدة أسانيد صحاح إلى ابن أبي عمير ، عن عبد الله بن سنان ، عن معروف بن خربوذ ، عن أبي الطفيل عامر ابن واثلة ، عن حذيفة بن أسيد الغفاري ، قال : لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع ونحن معه ، أمر أصحابه بالنزول ، فنزل القوم منازلهم ، ثم نودي بالصلاة ، فصلى بأصحابه ركعتين ، ثم أقبل بوجهه إليهم فقال لهم : إنه قد نبأني اللطيف الخبير أني ميت وأنكم ميتون ، وكأني قد دعيت فأجبت ، وإني مسؤول عما أرسلت به إليكم ، وعما خلفت فيكم من كتاب الله وحجته ، وإنكم مسؤولون عما أرسلت به إليكم وعما خلفت فيكم من كتاب الله وحجته ، وإنكم مسؤولون فما أنتم قائلون لربكم ؟ قالوا : نقول : قد بلغت ونصحت وجاهدت ، فجزاك الله عنا فضل الجزاء . ثم قال لهم : ألستم تشهدون أن لك لا إله إلا الله ، وأني رسول الله إليكم ، وأن الجنة حق ، وأن النار حق ، وأن البعث بعد الموت حق ؟ فقالوا : نشهد بذلك . قال . اللهم اشهد على ما يقولون ، ألا وإني أشهدكم أني أشهد أن الله مولاي وأنا مولى كل مسلم ، وأنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فهل تقرون [ لي ] بذلك وتشهدون لي به ؟ فقالوا : نعم ، نشهد لك بذلك . فقال . ألا من كنت مولاه فإن عليا مولاه ، وهو هذا . ثم أخذ بيد على فرفعها مع يده حتى بدت آباطهما ، ثم قال : اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، ألا وإني فرطكم وأنتم واردون علي الحوض [ حوضي ] غدا ، وهو حوض عرضه ما بين بصرى وصنعاء ، فيه أقداح من فضة ، عدد نجوم السماء . ألا ، وإني سائلكم غدا ، ماذا صنعتم فيما أشهدت الله به عليكم في يومكم هذا ، إذا وردتم علي حوضي ؟ وماذا صنعتم بالثقلين من بعدي ؟ فانظروا كيف خلفتموني فيهما حين تلقوني ؟ قالوا : وما هذان الثقلان يا رسول الله ؟ قال : أما الثقل الأكبر فكتاب الله عز وجل ، سبب ممدود من الله ومني في أيديكم ، طرفة بيد الله والطرف الآخر بأيديكم ، فيه علم ما مضى وما بقي إلى أن تقوم الساعة ؟ وأما الثقل الأصغر فهو حليف القرآن وهو علي بن أبي طالب وعترته ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض . قال معروف بن خزبوذ : فعرضت هذا الكلام على أبي جعفر عليه السلام فقال : صدق أبو الطفيل ، هذا كلام وجدناه في كتاب علي وعرفناه (5) وهذا وقد رويت عن الباقر عليه السلام واقعة الغدير في رواية فيها خطبة الغدير المبسوطة . نستعرض جواني محددة منها :
والرواية تبدأ بذكر عزم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحج بأمر الله ودعوة المسلمين للتهيؤ لهذا الأمر ، وفيها : بلغ من حبج مع رسول الله من أهل المدينة وأهل الأطراف السبعين ألف إنسان أو يزيدون . . . ثم تذكر الرواية نزول جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو بالموقف ، مبلغا إياه أمر الله تعالى ! بإقامة علي علما ، وأخذ البيعة من المسلمين ، وخشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قومه ، وسؤاله جبرئيل أن يسأل ربه العصمة من الناس . . . فأخر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف . . . فأمره جبرئيل بالذي أتاه فيه من قبل الله ولم يأته بالعصمة . . . [ فأخر النبي ذلك إلى أن ] بلغ غدير خم قبل الجحفة بثلاثة أميال فأتاه جبرئيل على خمس ساعات مضت من النهار بالزجر والانتهار والعصمة من الناس . . . فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . مناديا ينادي في الناس بالصلاة جامعة ويرد من تقدم منهم ويحبس من تأخر عنهم ، وتنحى عن يمين الطريق إلى جنب مسجد الغدير . . . وأمر رسول الله أن . . . ينصب له أحجار كهيئة المنبر فقام فوقها ، ثم حمد الله وأثنى عليه فقال : ” الحمد لله الذي علا في توحده . . . [ إلى أن قال : ] . . . إن جبرئيل هبط إلي مرارا ثلاثا يأمرني عن السلام ربي – وهو السلام – أن أقوم في هذا لمشهد فأعلم كل أبيض وأسود أن علي بن أي طالب أخي ووصيي وخليفتي والإمام من بعدي ، الذي محله مني محل هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، وهو وليكم بعد الله ورسوله . . .ثم تلا ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك) الآية .
فاعلموا – معاشر الناس – أن الله قد نصبه لكم وليا وإماما ، مفترضة طاعته على المهاجرين والأنصار وعلى التابعين بإحسان ، وعلى البادي والحاضر ، وعلى الأعجمي والعربي ، والحر والمملوك ، والصغير والكبير ، وعلى الأبيض والأسود ، وعلى كل موحد ؟ ماض حكمه ، جائز قوله ، نافذ أمره ، ملعون من خالفه ، مرحوم من تبعه ومن صدقه ، فقد غفر الله ولمن سمع منه وأطاع له [ ثم أخذ النبي بذكر فضائل على والأمر بطاعته وتفضيله ] . معاشر الناس ، إن عليا والطيبين من ولدي هم الثقل الأصغر والقرآن هو الثقل الأكبر ، وكل واحد منبئ عن صاحبه وموافق له ، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض . ألا إنهم أمناء الله في خلقه وحكماؤه في أرضه ، ألا وقد أديت ، ألا وقد بلغت ، ألا وقد أسمعت ، ألا وقد أوضحت . معاشر الناس ، سيكون من بعدي أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون . معاشر الناس ، إن الله وأنا بريئان منهم . . . فليبلغ الحاضر الغائب ، والوالد الولد إلى يوم القيامة ، وسيجعلونها ملكا واغتصابا ، ألا ، لعن الله الغاصبين والمغتصبين . . . ألا خاتم الأئمة منا القائم المهدي ، ألا إنه الظاهر على الدين ، ألا إنه المنتقم من الظالمين ، ألا إنه قاتل كل قبيلة من أهل الشرك ، ألا إنه المدرك بكل ثار لأولياء الله . . . [ ثم ذكر فضل الحج والصلاة والزكاة وسائر الفرائض وأمرهم بالتقوى والخوف من الحساب ، ثم قال : ] . معاشر الناس ، فاتقوا الله وبايعوا عليا أمير المؤمنين – صلوات الله عليه – والحسن والحسين كلمة طيبة باقية . معاشر الناس ، قولوا الذي قلت لكم ، وسلموا على علي بإمرة المؤمنين . . . معاشر الناس ، إن فضانل علي بن أبي طالب عند الله عز وجل ، وقد أنزلها في القرآن ، أكثر من أن أحصيها ي مقام واحد ، فمن أنبأكم بها وعرفها فصدقوه . . .
فناداه القوم . نعم سمعنا وأطعنا أمر الله وأمر رسوله بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا . وتداكوا على رسول الله وعلى علي وصافقوا بأيديهم ، فكان أول من صافق رسول الله الأول والثاني والثالث والرابع والخامس وباقي المهاجرين والأنصار وباقي الناس عن آخرهم على [ طبقاتهم و ] قدر منازلهم ، إلى أن صليت الظهر والعصر في وقت واحد ، والمغرب والعشاء الآخرة في وقت واحد ، وأوصلوا البيعة والمصافقة ثلاثا ورسول الله يقول كلما بايع قوم : الحمد لله الذي فضلنا على جميع العالمين . وصارت المصافقة سنة ورسما يستعملها من ليس له حق فيها ” (6) .
وفي رواية عبد الله بن الفضل الهاشمي ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : ” قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي ، وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره فيه بنصب أخي علي بن أبي طالب علما لأمتي يهتدون به من بعدي ، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتم على أمتي فيه النعمة ، ورضي لهم الإسلام دينا . ثم قال : معاشر الناس ، إن عليا مني وأنا من علي ، خلق من طينتي ، وهو إمام الخلق بعدي ، يبين لهم اختلفوا فيه من سنتي ، وهو أمير المؤمنين ، وقائد الغر المحجلين ، ويعسوب المؤمنين ، وخير الوصيين ، وزوج سيدة نساء العالمين ، وأبو الأئمة المهديين . معاشر الناس ، من أحب عليا أحببته ، ومن أبغض عليا أبغضته ، ومن وصل عليا وصلته ، ومن قطع عليا قطعته ، ومن جفا عليا جفوته ، ومن والى عليا واليته ، ومن عادى عليا عاديته . معاشر الناس ، أنا مدينة الحكمة وعلي بن أبي طالب بابها ، ولن تؤتى المدينة إلا من قبل الباب ، وكذب من زعم أنه يحبني ويبغض عليا .
معاشر الناس ، والذي بعثتي بالنبوة ، واصطفاني على جميع البرية ، ما نصبت عليا علما لأمتي في الأرض حتى نوه الله باسمه في سماواته ، وأوجب ولايته على ملائكته ” (7) .
وفي رواية أحمد بن عيسى بن عبد الله المعروف بأبي طاهر ، عن أبيه ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد عليهما السلام ، عن أبيه ، عن جده : أن رسول الله عمم علي بن أبي طالب عمامته السحابة ، وأرخاها من بين يديه ومن خلفه ، ثم قال : أقبل ، فأقبل ؟ ثم قال : أدبر ، فأدبر ؟ فقال . هكذا جاءتني الملائكة . ثم قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ثم ذكرت الرواية أشعار حسان بن ثابت في يوم الغدير (8) .
وروي بطريق صحيح عن حسان الجمال – الثقة الجليل – قال : حملت أبا عبد الله من المدينة إلى مكة ، فلما انتهينا إلى مسجد الغدير ، نظر إلى ميسرة المسجد ، فقال : ” ذلك موضع قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ” . ثم نظر إلى الجانب الآخر فقال : ” ذلك موضع فسطاط أبي فلان وفلان وسالم مولى أبي حذيفة وأبي عبيدة بن الجراح ، فلما رأوه رافعا يديه قال بعضهم لبعض : انظروا إلى عينيه تدوران كأنهما عينا مجنون ، فنزل جبرئيل بهذه الآية (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون وما هو إلا ذكر للعالمين ) [ القلم / 51 ، 52 ] . وقد ورد هذا الخبر في تأويل الآيات وفي ذيله : (” والذكر علي بن أبي طالب ” فقلت : الحمد لله الذي أسمعني هذا منك ، فقال : ” (لولا أنك جمالي لما حدثتك بهذا ، لأنك لا تصدق إذا رويت عني ” (9) .
روي عن سفيان بن عيينة ، عن جعفر بن محمد عليه السلام ، قال : أخبرني أبي . عن جدي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : لما كان يوم غدير خم ، قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطيبا [ فأوجز في خطبته ] ثم دعا علي بن أبي طالب عليه السلام فأخذ بضبعيه ، ثم رفع بيد [ ي ] ه حتى روئي بياض إبطيه ، وقال للناس : ” ألم أبلغكم الرسالة ، ألم أنصح لكم ؟ ” . قالوا : اللهم نعم . قال : ” فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ” قال . ففشت هذه في الناس ، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري (10) ، فرحل راحلته ثم استوى عليها – ورسول الله إذ ذاك بالأبطح – فأناخ ناقته ثم عقلها ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسلم عليه ، ثم قال : يا عبد الله ، إنك دعوتنا إلى أن نقول : لا إله إلا الله ، ففعلنا . ثم دعوتنا إلى أن نقول : إنك رسول الله ، ففعلنا – وفي القلب ما فيه – . ثم قلت لنا : صلوا ، فصلينا . ثم قلت لنا : صوموا ، فصمنا . ثم قلت لنا : حجوا ، فحججنا . ثم قلت لنا : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، فهذا عنك أم عن الله ؟ ! قال له : ” بل عن الله ” ، فقالها ثلاثا .
فنهض وإنه لمغضب وإنه يقول : اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء تكون نقمة في أولنا وآية في آخرنا ، وإن كان ما يقول محمد كذبا ، فأنزل به نقمتك ، ثم أثار ناقته واستوى عليها فرماه (لله بحجر على رأسه فسقط ميتا ، فأنزل الله تبارك ( وتعالى سأل سائل بعذاب واقع ، للكافرين ليس له دافع ، من الله ذي المعارج) ، [ سورة المعارج / 1 – 13 ] .
وفي رواية صحيحة الإسناد عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : ” لما نزلت الولاية لعلي قام رجل من جانب الناس فقال : لقد عقد هذا الرسول لهذا الرجل عقدة لا يحلها بعده إلا كافر . فجاءه الثاني فقال له : يا عبد الله ، من أنت ؟ فسكت ، فرجع الثاني إلى رسول الله فقال : يا رسول الله ، إني رأيت رجلا في جانب الناس وهو يقول . لقد عقد هذا الرسول لهذا الرجل عقدة لا يحلها إلا كافر . فقال : يا فلان ، ذلك جبرئيل ، فإياك أن تكون ممن يحل العقدة فينكص ” (11) . وقد ذكر في روض الجنان ما ترجمته : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال – بعد نزول آية الإكمال – : ” الله أكبر ، إن كمال الدين وتمام النعمة ورضا الرب برسالتي ، وبولاية علي بعدي .
ثم أقبل على علي عليه السلام وقال : يوم بيوم ، إن الله لا يضيع أجر من أحسن عمله . [ لاحظ الكهف / 30 ] .
وسئل الخواجة مفيد أبو محمد عن معناه فقال : قد ورد في الخبر أنه لما كان يوم خيبر وأتى مرحب وأقبل علي عليه ، فقتله مع أبطال آخرين ، نزل جبرئيل وقال : ” يا رسول الله ، إن له عندك يومأ بيومه هذا . قال النبي : كيف ؟ قال : لما لأنه بذل اليوم جهده وأفرغ وسعه في نصرتك وإظهار دينك ، فلتبذل غدا جهدك في إظهار ولايته وإمامته . قال :
متى هو ؟ قال : إذا حان وقته جئتك وأخبرتك ” . فلا جاء يوم الغدير ، جاء جبرئيل وأتى بهذه الآية . فهذا معنى قوله : ” يوم بيوم ” . ثم ذكر خبرا عن عبد الله بن مسعود في حماية علي النبي يوم أحد يوم البأس قال : عوضه الله يوم الغدير وهو يوم اليأس (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم) [ سورة المائدة / 3 ] .
ثم يجئ يوم الكأس فيسقي الأولياء من حوض الكوثر ، وهو يوم المقاسمة يقسم الجنة والنار بين أوليائه وأعدائه (12) .
هذا ، ثم إنه ورد في بعض الروايات إقدام بعض الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ، على محاولة قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بواسطة تنفير ناقته ، ثم تعاهدهم – بصحيفة كتبوها – على نكث ولاية علي عليه السلام وإرجاع الأمر إلى غيره (13) .
وقد نذكر في الفصول الآتية أيضا ما يرتبط بهذه الواقعة العظيمة .
وفي رواية أنه سئل الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل (يعرفون نعمة الله ينكرونها) [ النحل / 83 ] قال : يعرفون يوم الغدير وينكرونها يوم السقيفة (14) . وفي ختام هذا الفصل يعجبني ذكر عبائر نظمها الشيخ المفسر العظيم فخر الشيعة أبو الفتوح الرازي في تفسيره القيم روض الجنان ، حول تفسير آية الإكمال ، قال : كان الدين طفلا بتبليغ البالغين ، طفلا كيحيى وعيسى ، فصار بالإسلام كاملا قبل وقت الكمال ، بالغا قبل وقت البلوغ ، فصار الإسلام بولايته بالغا حد الكمال لابسا بردة الجمال مرتديا برداء الجلال ، لما نصب له منبر من الرحال ، ورفع عليه خير الرجال ، نصب رسول الله رجلا ، ورفع عليه رجلا ، وضمه إلى صدره ، وفتح فاه بنشر ذكره ، وكسر سورة أعدائه بإعلائه ، وأخذه بيده ووقفه عند خذه وجر على أعدائه ، وجلا بل أجلا ، وجزمهم جزما وخجلا ، وجرهم جرا ، فالمنبر منصوب ، وصاحبه مرفوع ، فالمنبر منصوب صورة ومعنى ، وصاحبه مرفوع حقيقة وفحوى ، وهو مرفوع ، وعدوه منصوب ، وهو رافع ، وعدوه ناصب ، ليت شعري عدوه ناصب أم منصوب ، ناصب اللقب ، منصوب المذهب ، فيا عجبا من ناصب هو منصوب (15).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
(1) الكافي 2 : 21 / 8 .
(2) الكافي 2 : 18 (/ 3 .
(3) الكافي 1 : 289 ، وانظر : تفسير العياشي 1 : 292 / 20 و 293 / 21 – 22 ، وعنه البحار 37 : 138 / 27 – 29 .
(4) أنظر : تفسير فرات : 40 ” العياشي 1 : 329 / 143 ، وعنهما البحار 37 : 171 / 52 و 138 / 30 .
(5) الخصال : 65 ، باب الاثنين ، ح 98 ، وعنه البحار 73 / 121 . أقول : السند الأخير عن أبي جعفر عليه السلام في غاية الصحة . وأما السند الأول ففيه أبو الطفيل وهو معدود في خواص أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام [ البرقي / آخر 4 ] ، وحذيفة بن أسيد الغفاري ، وقد عدني رواية في الكشي [ رجال الكشي ، الرقم 20 ] في حواري الحسن بن علي عليهما السلام . ثم إن هذا الخبر مذكور في كتب العامة أيضا ، أنظر على سبيل المثال : تاريخ دمشق لابن عساكر : 15 وما في هامشه من المصادر .
(6) احتجاج الطبرسي : 55 ، عنه تفسير الصافي 2 : 539 : روضة الواعظين : 89 – عنه تفسير البرهان – 1 : 436 ، وكذا إقبال السيد ابن طاوس عن كتاب النشر والطي / في فضل يوم الغدير : 455 اليقين : الباب 127 ، التحصين : الباب 29 من القسم الأول . ونقله في البحار 37 : 131 ، عن الإقبال وفي ص 201 ، عن الاحتجاج ، وأشار إلى رواية اليقين .
(7) أمالي الصدوق : آخر المجلس السادس والعشرين . (8) إحقاق الحق 6 / 247 ، لاحظ أيضا فرائد السمطين 1 / 76 ح 42 .
(9) الكافي 4 : 566 ، التهذيب 6 / الرقم 41 الفقيه 1 / 687 ، و 2 / 1558 ، 1 لبحار 37 / 172 ، تأويل الآيات / آخر سورة القلم ، وعنه البحار 37 / 221 وفيهما : الحسين الجمال وهو مصحف والصواب : حسان الجمال .
(10) كذا في تأويل الآيات / سورة المعارج ، والروايات تختلف في اسم هذا القائل ، فني أكثرها الحارث بن النعمان الفهري كما ذكرناه [ تفسير الفرات : 191 . مناقب ابن شهرآشوب 3 / 40 ” عنهما البحار 37 / 162 ، جامع الأخبار : 13 ، تفسير القرطبي 18 / 278 ، السيرة الحلبية 3 / آخر 274 ، وقد رواه الثعلبي في تفسيره ، وحكاه عنه عدة كأبي الفتوح الرازي في روض الجنان 4 / 46 ، وابن بطريق في العمدة : 101 ، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص : 37 ، والسيد ابن طاوس في الإقبال : 459 ، والسيد هاشم البحراني في غاية المرام 1 / 333 ] ، وقد ضبط اسمه في سائر المصادر بصور أخرى مختلفة [ شواهد التنزيل : 286 الرقم 1030 ، – وعنه مجمع البيان / أوائل سورة ، المعارج – ، وص 287 الرقم 1032 ، وص 288 الرقم 1033 ، مناقب ابن شهرآشوب 3 / 40 ، جامع الأخبار ؟ 13 ، وعنه الحبار 37 / 167 ، الكامل للبهائي 1 / 283 ] .
(11) قرب الإسناد : آخر 29 ، عنه البحار 37 / 120 .
(12) روض الجنان 4 / 45 .
(13) البحار 28 / 98 ، 99 ” 117 ، 128 ، و 37 / 135 .
(14) جامع الأخبار : 13 .
(15) روض الجنان 4 / 47