الـعـربـيـة تـضيـق بأهـلـها ولدان السبع
إنَّ اللغة أداة للتفاهم والتواصل بين الناس والمجتمع، وهي وسيلة للتعبير عمّا يجول في خواطر الإنسان من أفكار ومشاعر وعواطف، وهي أحد عوامل تشكيل الهوية وبناء الشخصية.
وشهدت المرحلة الحالية تدهور واضح في اللغة العربية من تغيير في المصطلحات المستعملة في الحياة اليومية، إذ نسمع في الوقت الحالي ومن الجيل الجديد كلمات والفاظ لم نسمعها من قبل، ما يشعرنا بفقدان أصالة هذه اللغة وعدم الحفاظ عليها.
وصل بك الحال ربما لا تفهم ما يقوله أو يقصده من هم أقل عمرًا منك! فما الأسباب التي أدت إلى وصول اللغة العربية لهذه المرحلة؟! فعندما يتعجبون من أمر معين نجدهم يلفظون مصطلحات لا تمت للعربية بصلة، ربما تعود إلى لغات أخرى مثل الاجنبية او الفرنسية وغيرها، ما يجعلنا في قلق دائم، وبالأخص حين نقارن هذه المصطلحات بما سبقها من المصطلحات منذ عشرات السنين وما وصل الينا في الادب شاهد على هذا.
فلو عمقنا النظر نجد أنّ هناك أكثر من جهة مسؤولة عن هذا التدهور، أولها نظام التعليم والذي أصبح فيه المعلم خاصة معظم معلمو (اللغة العربية) هم أنفسهم يتعاملون مع متعلميهم باللغة العامية وبعيدون كل البعد من استعمال اللغة الفصحى أثناء تعاملهم معهم أو على الاقل عدم محاولتهم التفاصح في أثناء كلامهم في عملية تعليمهم، والأسباب الأخرى هي التطور الحاصل نفسه أدى إلى تدهور هذه اللغة، فأصبح الطفل مطلّع بشكل كبير على الثقافات الأخرى من طريق انتشار العولمة والإطلاع على مواقع التواصل أو الالعاب الإلكترونية وغيرها -مقارنة بالعصور السابقة والذي كان نطاق الاحتكاك بين الناس قليل نوعًا ما- فقام بالمزج بين لغته الأم واللغات الثانية، وهذا الجانب من الصعب السيطرة عليه، فهو واقع حال وجزء من الحياة اليومية.
إضافة إلى ذلك ربما ترجع الأسباب إلى عدم وجود قواميس عربية تواكب التطور الحالي في اللغة وهو سبب مهم، فتم استبدال الكلمات التي نحن بحاجة إلى استعمالها بكلمات أجنبية، لعدم القدرة على إيجاد كلمة عربية أصيلة تفي بالغرض أو المقصد المطلوب، فكل هذا جعل الفرد يحاول إيصال فكرته بكلمة غير عربية، جاعلين السبب وراء ذلك تحت مسمى ( العصرية أو التحضّر)، فنجد هذه اللغات الدخيلة تتدفق بشدة وبسرعة إلى اللغة العربية الاصيلة فنتجت من ذلك ( ثنائية اللغة)، متأثرون بالمشاهير على الاغلب، فيشعرون ببعض التمّيز عن الاخرين من نفس جيلهم عند استعمال هذه الكلمات، مما يشجع المقابل على السير في نفس النهج.
فحاوِلْ تجربة التواصل مع من هم أقل منك عمرًا في مواقع الانترنت ستجد أنّه يقول لك (على الأغلب):
-ثانكس بدل شكرًا لك.
-ترند بدل اتجاه أو ميل.
وما هذه الالفاظ إلّا غيظٌ من فيض! يحاولون من طريقها تمييع العربية الفصيحة الذي تميّز بها الطفل العربي الأصيل، فبدل التفنن بإظهار ما نعرفه من العربية والتباهي بالكلمات النادرة والأصيلة من اللغة، صرنا نفخر بمثل هذه المصطلحات.
ومن الظواهر الأخرى الأدهى من الأولى هي ظاهرة (العربيزي) والتي يلجأ اليها البعض في الوقت الحالي وبما يسمونه (الفرانكو آراب) ويمكن تعريف هذه الطريقة بأنها “أسلوب في الكتابة غير محدد القواعد مستحدث غير رسمي ظهر منذ بضعة سنوات، ويستخدم البعض هذه الأبجدية باللغة العربية أو بلهجاتها، وتنطق مثل العربية، إلا أنّ الحروف المستخدمة في الكتابة هي الحروف والأرقام اللاتينية بطريقة تشبه الشيفرة، فمثلاً رقم (7) يمثل الحرف (ح)، والرقم (3) يمثل الحرف (ع)، والرقم (2) يمثل الهمزة (ء)… إلخ ().
كل هذا يجعل الجيل الجديد لا يفهم حتى لغة القرآن ويؤدي إلى قصورًا في اللغة الأم.
ويبقى السؤال: هل نحن بحاجة إلى التأثر لهذا الحد؟ أم أنّ اللغة العربية لغة القرآن الاصيلة قادرة على تلبية جميع الأساسيات التعبيرية لدينا؟
والسؤال الأهم: هل ضاقت بكم العربية بما رحبت؟!
وهل أصبح الغرب قدوة للعرب؟ ونسعى لتقليدهم؟
فنحن في النهاية بهذا كله نحاول الانسلاخ بأيِّ طريقة، ونعين المنسلخين على دثر لغتنا وتغييرها.