د. مروه مهدي كاظم
الفضول الإدراكي
تشكل شخصية الطالب الجامعي بجوانبها العديدة أهمية بالغة في ميادين الحياة بشكل عام وميدان علم النفس بشكل خاص ,إذ إن جميع المجتمعات على اختلاف أنواعها ودرجة رقيها تعقد على هذه الشريحة آمالها في استمرار التطور والتقدم ,فهم مستودع طموحاتها ,ويسعى كل مجتمع أن يكون متطوراً ومتوازناً قادراً على البذل ,والعطاء , والتفكير ,والابتكار ,والتجديد كما إن طلبة الجامعة هم النخبة التي يعول عليها في تحمل عبأ عملية التغير والتقدم والتجديد وتعقد عليها الآمال في تحقيق ما يتطلع اليه المجتمع كي يلحق بالركب الحضاري المتسارع (العنكوشي ,2011: 2),إن الثروة البشرية بشكل عام وفئة الشباب على وجه الخصوص في أي مجتمع هي السبيل نحو التقدم ,ولن يكون ذلك إلا من خلال إطلاق الطاقات الكامنة لديهم وتنميتها واستثمارها ومن اهم تلك الطاقات هي طاقات التفكير(الحدابي والاشول,4:2012 ) , لذلك بات من الضروري معرفة ماهي الطرائق التي تتبعها هذه الفئه في التفكير وماهي نظرتهم للمعرفة وكيف يحاولون اكتسابها كل من وجهة نظره ورؤيته للعالمSchommre&Easter,2005:77) )
إن التغير المتواتر في المعرفة الإنسانية كماً ونوعا جعل من الصعوبة أن يلم المتعلم بكل تفاصيلها وتعقيداتها ,لذا لم يعد ممكناً اعتبار حجم المعرفة المقدمة للطالب غاية وافية ووحيدة وإنما التأكيد على مساعدة الطلبة على تعلم المهارات اللازمة والكافية من أجل تعلم أشياء جديدة بصورة مستمرة بجهودهم الخاصة عن طريق مساعدتهم على تعلم طرائق مختلفة في اكتساب المعرفة وعدم الاعتماد على طريقة بعينها دون أخرى(النعيمي,191:2009) ,لذلك بات من الضروري أن تعمل المؤسسات التربوية بكل مستوياتها على تحويل عملية اكتساب المعرفة من عملية خاملة الى نشاط عقلي يؤدي الى إتقان أفضل للمحتوى المعرفي وفهم أعمق له ,على اعتبار إن التعلم في الأساس هو عملية تفكير وكذلك تمكين الطلبة من مراقبة تفكيرهم وضبطه وبالتالي تكون أفكارهم أكثر دقة وأكثر صحة مما يساعدهم على صنع القرارات في حياتهم اليومية ويبعدهم عن الانقياد العاطفي , والتطرف في الرأي(Vasqus,2012:37)
ويعد الفضول وحب الاستطلاع أحد وسائل التوافق مع المتغيرات المستمرة في المجتمع المعاصر ,كما إنه أحد وسائل التوافق مع الذات والتعبير عنها ,ويعد الفضول دافع داخلي ذاتي يوجهه الفرد الى ما يريد أن يشبعه , وتحقيق هذا الإشباع يشعر الفرد بالثقة ويدفعه نحو المزيد من البحث والاستكشاف وبذلك يمكن النظر اليه على أنه أحد المتغيرات الوسيطة المهمة التي تساعد على التعلم الفاعل وارتفاع مستوى التحصيل الدراسي (أحمد,2:2012),والفضول وحب الاستطلاع أحد مهارات ومقتضيات العصر, إذ لم يكن اكثر أهمية سابقاً مما هو عليه الآن, فهذا العصر يتسم بالتغيرات المتلاحقة والسريعة والتي تتطلب نوع من الأفراد الذين يمتلكون المهارات الأساسية والضرورية للتعامل مع معطياته وتحدياته ,وعن طريقه يمكن للمتعلم من مواكبة هذه التغيرات (الدسوقي ,313:2006), ويعد سلوك البحث والاستكشاف من العوامل المهمة في العملية التعليمية ,إذ يرى علماء النفس التربويون إن أحد أدوار التعليم الأكثر أهمية هو غرس حب التعلم مدى الحياة من خلال تنمية دافع الفضول وحب الاستطلاع ومن شأنها أن تعمل على تعميق أثر الخبرات التعليمية للطلبة وعلى نواتج التعلم2013:5) Silver,),والفضول وحب الاستطلاع من الدوافع الفطرية التي تعمل على استثارة المتعلم نحو تحقيق ما يصبوا اليه وما يطمح لتحقيقه من خلال معالجة المثيرات البيئية , كما يعد من أهم السلوكيات المرغوبة التي تعمل المؤسسات التعليمية بكافة مستوياتها وفروعها على تنميتها وتعزيزها لدى الطلبة ( غباري وأبوشعيرة,398:2009) , ويعد السلوك الفضولي أو البحثي أحد العوامل الجوهرية التي تدفع الفرد للقيام بنشاط خاص من أجل الحصول على المعلومات اللازمة ,ويشير دانيل بيرلاين ((Berlyen,1956 )الى إن حالة عدم التأكد (uncertainty)هي الحالة الدافعية التي نسميها الفضول وإن هذه الحالة يمكن أن تسمى بالفضول الإدراكي (precepctual curiosity )إذا نشأت حالة عدم التأكد هذه نتيجة عمليات تنبيه غير رمزية أو منبهات حسية إدراكية أي تلك التي تحدث نتيجة تنبيهات بيئية إدراكية حسية محددة (عبد الحميد وخليفة ,94:2000 ) .
والفضول وحب الاستطلاع من المحاور الأساسية والمهمة في مجال التعليم والإبداع لدوره في تنمية طرائق التفكير لدى الطلبة , وقد أفادت العديد من الدراسات في هذا المجال الى وجود علاقة بين الفضول وحب الاستطلاع وبين العديد من المتغيرات الأخرى مثل التفكير الإبداعي والخيالي ,والقدرة على حل المشكلات ( باقازي,ب ت,3 ), كما أنه يعمل على زيادة مهارات الطلبة على العمل المنظم وعلى المثابرة إضافةً الى زيادة قدراتهم على فرز واستيعاب المفاهيم التي سبق ان تعلموها (العيثاوي,4:2014),ولقد أتفق الكثير من العلماء في النصف الاول من القرن العشرين على أهمية البحث والاستكشاف في حياة الإنسان وإنه عامل أساسي للتفوق في العلم والمعرفة والإبداع ,ولقد اعترف أغلب المربين امثال ارسطو(Aristotale ) وشيشرون ((shayashrun بأهمية الفضول ودوره في تحفيز الطلبة على التعلم إذ أسموه ( شغف التعلم ) ,ولقد درس علماء البيولوجيا المبكرين المهتمين بالسلوك امثال داروين(Darwin) وهانس((Hansوغيرهما جوانب كبيرة من هذا السلوك Jirout&Klahr,2009:4) ). ولقد أظهرت نتائج بعض الدراسات التي أجريت في هذا المجال إن هناك علاقة موجبة بين دافع الفضول ودافع الانجاز وانه يؤثر فيه كعامل أساسي وجوهري, وقد عد بعض العلماء أمثال وليم جيمس(william James )الفضول والدافعية والتساؤل هي المنشطات الأساسية للعقل الفلسفي والناقد, ذلك العقل الذي يستجيب للتنافر والثغرات المعرفية بنفس الطريقة التي يستجيب لها السمع للنشاز من الأصوات ,أما جورج سارتون (George (Sarton فقد عده المحرك الأول للتقدم العلمي (عبد الحميد وخليفة,49:2000), كما إن الرغبة في المعرفة والتي تبدو في كثرة التساؤل والبحث والتقصي تمثل جانبا رئيسياَ وهاماً في توجه الفرد الذي يفكر تفكيراَ ناقداَ ,ويشير كاستو(Kastow) الى وجود علاقة عكسية بين درجة الفضول وحب الاستطلاع والمعرفة لدى الفرد وبين درجة التناقض المطلوبة لاستثارة التفكير الناقد لديه فكلما زادت درجة الفضول وحب الاستطلاع لدى الفرد كلما كان أقل مستوى من التناقض قادراَ على استثارة تفكيره الناقد , وعلى العكس فكلما تضاءلت درجة الفضول لديه كلما أحتاج الى مواجهة مستوى أعلى من التناقض لكي يستثار التفكير الناقد لديه ( أبو ناشي,94:2007 ) .