الفكر الاقتصادي في القرن الخامس الهجري (الماوردي(ت 450 هـ / 1058 م) انموذجا)
الفكر الاقتصادي في القرن الخامس الهجري (الماوردي(ت 450 هـ / 1058 م) انموذجا)
د عبير عبد الرسول محمد التميمي
ان سيرة النبي صلى الله عليه وإله لا يمكن الاستغناء عنها فهو قائد الدولة العربية الإسلامية ، في جميع جوانبها الدينية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والثقافية وغيرها ، وفي المجال الاقتصادي هو المشرع والمنظر للأحكام الاقتصادية والمفسر للآيات القرآنية، ومن خلال سيرته العطرة والمباركة نأخذ الدروس والعبر ونبني اقتصادنا المتكامل لمستقبل أفضل.
ويجب على أبناء الأمة الإسلامية قراءة هذا التراث العلمي الخصب، والاستفادة منه على الجانبين السياسي والاقتصادي على حد سواء, ونظرا لأهمية الإدارة المالية للدولة الإسلامية، فيجب على المسلمين أن يعززوا ثقافتهم الإدارية المالية في السياسة الاقتصادية الإسلامية ونظرتها للإيرادات والنفقات العامة.
أن الاقتصاد الإسلامي ارتبط بعضه بالمنظور الشرعي، حتى يكون واجبا منفذا، يحرم مخالفته حتى لا تذهب الأموال والجهود بغير مواردها الحقة، وبالتالي المحافظة على الطاقات البشرية والمالية على المستوى الخاص والعام.
أن تنوع الفكر الاقتصادي الإسلامي وثراءه من خلال رؤى المذاهب الإسلامية بواسطة المناقشات والحوارات، قد أغنت الفكر الإسلامي وأصبح مستندا إلى دعائم وأصول فكرية دينية واقتصادية متينة ومدعما بالأدلة العقلية والنقلية.
وقد اعتبر الماوردي الجوانب المالية من أهم مسؤوليات الدولة , وكان سباقا في تحليل العوامل المؤثرة في الخراج، إذ إنه ربط الضريبة بالطاقة والقدرة على الدفع، وهذا مما يكشف عن الفكر المالي للماوردي, وأن من منطلقات الماوردي المذهبية، كان قد حلل حد الكفاية وربطه بمتغيرات الاقتصاد الإسلامي الأخرى من الزكاة والعطاء، وعرض سبيل تحقيقها.
وقد ربط الماوردي بين الزكاة وإعادة التوزيع العادل، وأنها وفقا لتفسير الماوردي تجب في الأموال المرصودة للنماء، وبهذا يتحقق غرضها في إغناء الفقير، فهي تدفع من النماء وبهذا تمارس دورها في مرحلة إعادة التوزيع للدخل باتجاه تحقيق العدالة التوزيعية.
وقد نظر الماوردي إلى مساءلة التكافل الاجتماعي ، القائمة على النظرة الإنسانية والأخلاقية بضرورة إخراج جزء من الزيادة وهي نماء المال إلى الفقراء والمحتاجين وبذلك يتوازن المجتمع ويصل إلى الاستقرار المعيشي والاجتماعي وبذلك يعود بالخير على الغني، بأن ينعم بمجتمع مستقر اقتصادي وينتعش السوق ويزدهر وتقل أو تنعدم الجريمة وكذلك البطالة وسائر المشاكل الاجتماعية من الطلاق والنزاعات ونحوها.
وكان العطاء عنده معتبر بالكفاية، وهو بذلك ينطلق من قاعدة الحفاظ على الأموال وحقوق الأفراد الخاصة والعامة كل ببلده، لينعم أهلها بمستوى اقتصادي مزدهر وفقا لنشاطهم المستمر ودائبهم على العمل وإخراج الحقوق المفروضة عليهم، فإذا تحقق ذلك فلا ضرر فلا انتقال تلك الأموال إلى بلد آخر, وقد ارتبط الخراج عند الماوردي بالتمكن من الانتفاع وخراج الأرض إذا أمكن زرعها مأخوذا منها وإن لم تزرع، وهذا مما يجعل من الفريضة المالية عاملا إيجابيا لزراعة الأرض وتحقيق التنمية الزراعية، وهذا مما يبرز مبدأ العدالة مع كافة رعايا الدولة الإسلامية لأن الأصل في أرض الخراج أنها تستغل من قبل المسلمين.
واهتم الماوردي بإدارة الاقتصاد الإسلامي من خلال تركيزه على بيت المال في الإسلام، وفي ذلك فإنه أدرك أهمية تلك الإدارة للاقتصاد الإسلامي، وأنه قد أولى المالية العامة اهتمام متميزا محللا الإيرادات العامة والنفقات العامة مبينا المرونة التي تتسم بها من منظور شرعي.
وأكد على ضرورة توجيه المزيد من الاهتمام لدراسة عطاء الأمة الفقهي خصوصا والفكري عموما لاستقراء الفكر الاقتصادي الإسلامي.