القصدية والإرادة من منظور سيبويه
    تتضح القصديةُ والإرادة في ” فقولك: هذا عبدُ الله منطلقًا، وهؤلاء قومُك منطلقينَ، وذاك عبدُ الله ذاهبًا، وهذا عبدُ الله معروفًا . فما الذي عمل النصب في (منطلقًا)؟ فلا نجد لفظًا للفعل أو ما شابهه سابقًا للمعمول هنا؛ فالحال مما يقعُ فيه الفعل ، إنما الناصب له هو ما قصده المتكلمُ في المبهم (هذا) من الفعل، نحو: انظرْ إليه، منبهًا للمخاطب لا معرفًا له بـ (عبد الله) وهو يعرفه مسبقًا، وتفسيرُ معنًى ” انظرْ إليه منطلقًا ” فمنطلقٌ حالٌ صارَ فيها عبدُ الله لحظةَ التنبيهِ عليه من قِبل المتكلم، ولا يطَّردُ هذا التقدير لاختلاف إرادة المتكلم، ففي قولك: هو زيدٌ معروفًا ، إنما أردتَ الإخبار والتعريف بزيد بدلالة المبهم (هو)، ثم قصدتَ إلى التأكيد بأنه معروفٌ، وهو توكيد بعد إخبار، ولا يصحُّ هنا (منطلقًا) دلاليًا كما في المثال الأول، فلا يتناسب الانطلاقُ مع التعريف، لتأكيده. وقد يرادُ بالمبهم غير ذاك، كما في: هو لكَ خالصٌ، وخالصًا، ففي الرفعِ أردتَ بـ (لك) لغوًا؛ وصيرتَ (خالص) هي الخبر، أما في النصب، فعلى معنى: أهبهُ لك خالصًا، فقد حذفتَ الفعلَ وأبقيتَ الضمير فصارَ منفصلًا، بعد أن كانَ متصلًا، وفي الجارّين (لك) حددتَ وجهة الفعلِ.
   أمّا في ” قولك: هذا الرجلُ منطلقٌ، فالرجلُ صفةٌ لهذا، وهما بمنزلة اسم واحد، كأنّك قلت: هذا منطلقٌ ، ففي الوصف جاز لكَ الرفع؛ وأنت تريد بالمبهمِ ومفسِّرِه -البدل-واحدًا؛ فاحتجتَ إلى ما تُتمُّ به الكلامَ فجئتَ بالوصف مبنيًا على المُسنَدِ المتقدم، والمعنى أنكَ تريدُ الإشارة لا غير. ولكَ فيه النصبُ، إذا بنيتَ (الرجل) على المبهمِ، وجعلتَ من الوصف خبرًا في المعنى، ففيه وضعتَ الفائدةَ، فإنك أردتَ تذكيرَ المخاطبِ برجلٍ عرفه من قبلُ، هو في حال انطلاقٍ، وتفسير لغةً هنا: هذا عبدُ الله منطلقًا، فبناءُ التركيبِ هنا حالَ دونَ عملِ المبتدأ في الحال ليكونَ مبنيًا عليه؛ لوجود (الرجل) مُسندًا عليه.
   ولا يصحُّ الإضمار والإظهار في تركيب واحد من المبتدأ والخبر، كما في: أنا عبدُ الله، في غير تعظيم أو وعيدٍ، والمخاطبُ يعرف من تكون، فلا فائدة في الإخبارِ والمخاطبُ يعلمُ، لكن قد تغيبُ المعرفةُ لعلّةٍ ما، كالاستتار ” إلّا أن رجلًا لو كانَ خلفَ حائط، أو في موضع تجهله فيه فقلتَ من أنت؟ فقال: أنا عبد الله منطلقًا في حاجتك، كان حَسنًا. فمسرحُ الحدثِ يصورُ همهمةً أو جلبةً من وراءِ حائلٍ؛ تُنبئ أن هناك رجلًا، وعندما وقع السؤال، صحَّ الجواب بـ (أنا) المسؤول عنه، و(عبد الله) ذاك من يعرفُهُ المخاطبُ سابقًا. فإرادة المتكلم هنا هي التذكيرُ بمعرفةٍ سابقةٍ في ذهنِ المخاطبِ، وقد تكونُ عن طريق الصوتِ لا المشاهدةِ؛ لذا اكتفى بطرفي الإسنادِ من المٌسنَدِ والمسنَدِ إليه.
   وبهذا تكون إرادة المتكلمِ وقصديتِه متحكمةً في النص، وموجهةً لإعراب بعض الألفاظ.
# مقال مقتبس من محاضرات الدكتور نجاح العبيدي لطلبة الدكتوراه 2020/2021

شارك هذا الموضوع: