الكازينوهات وتأثيرات الارتياد:
لا يُخفى على القارئ العزيز تلك الحَملات الإعلامية على مرتادي الكازينوهات بين مؤيِّدٍ ورافض، والتي شهدَتْ في الآونة الأخيرة تعدُّد الآراء حيال ذلك، لاسيما في القنوات الفضائية، وتعدُّ المقاهي أو الكازينوهات المتنفَّس الأكثر شيوعاً لجميع الفئات العمرية لاسيما في سنِّ الشيخوخة والكهولة والشباب؛ إذ تتجمَّع هذه الفئات على شكل حلقات منفردة في طاولات صغيرة، تتخللها الأحاديث أو ألعاب الطاولة.
ومنذ العشرينات من القرن الماضي انتشرتْ مجموعة من المقاهي أو الكازينوهات في أرجاء بغداد والمدن العراقية التي ارتادها كبار الوزراء ورجال الدولة والمسؤولين والأدباء والمثقّفين، وكانت تلك المقاهي وقتئذٍ أشبه ما تكون بالمجالس الأدبية والمنتديات الثقافية في الوقت الراهن، ويبدو أنَّ أشهر تلك المقاهي في بغداد هي: مقهى عزَّاوي، ومقهى الزهاوي، ومقهى الشابندر، وكان يُعابُ على الشباب ارتياد هذه المقاهي آنذاك لأنها خاصة بمجالس كبار السن ولا يمكن الجمع بين مجالسهم والحلقات الشبابية، ولكن مع مرور الزمن وتغيُّرات الحياة أصبحتْ هذه الكازينوهات والمقاهي مبعثَ نورٍ لكثير من المشاهير العراقيين.
وممَّا يجدر الإشارة اليه إنَّ بعض هذه الكازينوهات سمِّيت بأسم روادها مثل مقهى الزهاوي الذي كان يرتاده الشاعر جميل صدقي الزهاوي، ومن جملة المشاهير الرواد : معروف عبد الغني الرصافي وعبد الوهاب البياتي ومحمد علي الخفاجي وغيرهم.
وممَّا لاشكَّ فيه إنَّ هذه الحملات الإعلامية التي تسلِّط الضوء على الجوانب السلبية قد تناسبت طرديَّاً مع انتشار هذه المقاهي التي ازدهرتْ بالتجمُّعات الثقافية لاسيما في حقبة ما بعد سقوط الطاغية، فلو أحصينا الجوانب السلبية التي يصدح بها الإعلام وقنوات الإذاعة والتلفزيون لوجدناها لا تتجاوز نقطتين رئيستين، هما:
أولاً: إنَّ هذه الكازينوهات والمقاهي تأخذ كثير من الوقت لدى الرجال والذي يمكن أن يُستثمرَ بشكلٍ أفضل في المجالات كافة، كما أنَّ ارتيادها باستمرار ينسحبُ بالتقصير والتقاعس اتجاه متطلَّبات العائلة واحتياجاتها الضرورية.
ثانياً: إنَّ بعض ما تُـقدِّمهُ تلكَ المقاهي غير مفيد، وتضرُّ بصحَّة الإنسان الجسدية ومن ذلك: تدخين السجائر والأركيلة، وقد شُوهِدَ في بعض تلك الكازينوهات والمقاهي تعاطي وتجارة المواد الممنوعة كالمخدرات والحشيش ممَّا يؤثرُ سلباً على حياة الإنسان وصحته، فضلا عن انتشار مظاهر الفساد الأخرى.
ومنَ الواضح أنَّ الأسباب المُدرجة في أعلاه لا تشكِّلُ خطورةً بالمعنى الدقيق، ذلك لأنها محصورة على عددٍ ضئيل وغير ملحوظ، ولا يمكن إغفال الأثر الإيجابي الذي تمنحه هذه المقاهي والكازينوهات للشباب والكهول، ويمكن إبراز أهم النقاط الإيجابية في تأثير هذه المقاهي على مرتاديها:
أولاً: إنَّها تعدُّ حلقة وصل بين الأجيال المختلفة، فالتقاء الشاب المندفع للحياة الجديدة بالشيخ المحمَّل بخبرات السنين وتجاربها يُنشئ مزيجاً متنوعاً ثقافياً بين أواصر المجتمع الواحد.
ثانيا: تعدُّ المقاهي والكازينوهات أماكن للتواصل والتعارف فمن خلالها يتعرَّف الشخص على كثير من الأصدقاء، والذي بدوره ينصبُّ في التحاور والتبادل المعرفي والثقافي بين الأشخاص، كما إنَّ هذه المقاهي أماكن للتقصِّي الأخباري بما يحدث في الشارع رغم انحسار هذا الجانب في الآونة الأخيرة بسبب دخول الشبكات الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي.
ثالثاً: إنَّ كثيراً من هذه المقاهي والكازينوهات تعدُّ منتديات عامَّة تتضمَّن الأنشطة الثقافية والفنية وملتقى الأدباء والفنانين، وبعضها أصبح مقراتٍ لاجتماعات الشباب وبعض الناشطين في المجالات الثقافية الأمر الذي ينحى مساراً أعظم من كون هذه المقاهي أماكن للهو والراحة.
ومن هنا يأتي دور الجانب الحكومي في الرقابة على هذه المنتديات والكازينوهات للحد من الانجراف إلى مظاهر الفساد وانتشار الأماكن المشبوهة، وتنشيط الجانب الثقافي في هذه المنتديات والمقاهي مثلما حدثَ في الدعوة إلى القراءة في مقاهي الأغا ومقهى بن رضا علوان وتجمُّعات ساحة القشلة في بغداد لتكون متنفَّساً نافعاً لشرائح المجتمع العراقي.

شارك هذا الموضوع: