م.م علي حميد شاكر عويز
جامعة كربلاء-كلية التربية للعلوم الإنسانية
قسم اللغة العربية
دكتوراه/ فرع الأدب
(اللغةُ الإنجليزيةُ: ضرورةٌ مُلحّةٌ للباحث في العربية، وليست من نافلة البحث)
لا ينحاز هذا المقالُ إلى اللغة الإنجليزية على حساب لغتنا العربية البتة، غير أنه ينظر إلى هذه المسألة المهمة من جانبٍ أكثر تصالحاً مع ذواتنا، يُقرُّ من خلاله بضرورة تعلّم اللغة الإنجليزية وتبيان أهمّيتها في مجالات الحياة المتنوعة عموماً، وفي ميدان البحث العلمي على وجه التحديد؛ لأسبابٍ سوف يعرضُ لها فيما يأتي.
في العقود الأخيرة من القرن الماضي كان العراق يعاني من عزلةٍ إقليمية ودولية كبيرةٍ، الأمر الذي سبّب انحساراً كبيراً في مجال التعاملات مع الدول الخارجية، سواء أكان ذلك التعامل سياسيّاً، أو اقتصادياً، أو تجارياً، أو معرفيّاً، أو ثقافياً، ولمّا كانت هذه التعاملات تحتاج في أغلبها إلى امتلاك اللغة الإنجليزية؛ لأجل التواصل والتفاهم بشكلٍ أفضل مع دول العالم الخارجي، لا الإقليمي فقط، فقد تراجع اهتمام العاملين أو الدارسين في هذه الحقول المعرفية –نوعاً ما- في الإقبال على تعلّم اللغة الإنجليزية واتقانها؛ لتراجع الاحتياج إليها؛ بسبب ما أشرنا إليه في أعلاه، وهذا الكلام لا يشمل التخصصات التي تكون دراستُها أو مناهجها قائمةً على اللغة الإنجليزية، كالطب مثلاً، أو الصيدلة، أو غيرها من التخصصات العلمية، أو حتى أقسام اللغة الإنجليزية داخل الكليّات الإنسانية، ومما يجدر بنا ذكره، أنَّ اللغة تكون محصورةً داخل أروقة هذه الأقسام ومقرّراتها لا أكثر.
غير أن هذا الوضع لم يدم طويلاً، فبعد التغيير السياسي الذي طرأ على العراق في عام ٢٠٠٣، شهد الواقع العراقي -على أصعدته كافة- انفتاحاً كبيراً جداً على دول العالم أجمع، وازداد بذلك حجم التبادل التجاري، والتعامل السياسي، والاقتصادي، والمعرفي، فضلاً عن التبادل المعلوماتي الذي خلق حالةً من المثاقفة ما بين ثقافتنا الداخليّة، والثقافات المتنوعة في العالم، لذا فقد صار تعلّمُ اللغة الإنجليزية أمراً مُلحّاً بالنسبة للأعم الأغلب، لا سيما الباحثون، حتى وإن كان بحثهم في ميدان اللغة العربية وآدابها، فقد أصبح الباحثُ محتاجاً بشكلٍ أكبر إلى اللغة الإنجليزية؛ خصوصاً بعد تحوّل واقع القراءة والكتابة والتأليف من الواقع الورقي، إلى الواقع الرقمي الإلكتروني، والتعامل بشكلٍ أوسع مع الحواسيب الإلكترونية، إذ صارت أغلب الكتب والمصنفات والمصادر، يتم التعامل بها إلكترونياً، سواء أكان ذلك التعامل تنضيداً أو قراءةً أو تحميلاً، بل أُسّس عددٌ كبيرٌ من المستودعات الرقمية والمكتبات الإلكترونية، وفي التخصصات كافّة، وعلى هذا الأساس، صار تعاملُ الباحثين مع الحواسيب، والمواقع والروابط الإلكترونية أمراً لا بد منه أبداً، وهذا كُلّهُ بطبيعة الحال بحاجةٍ إلى اللغة الإنجليزية؛ ليتمكّن الدارسون من التعاطي جيداً مع كل ما تم ذكرُهُ، فضلاً عن حاجتهم للتواصل مع الجامعات الدولية، والأكاديميات العالمية؛ لمواكبتها، وليكونوا على اطّلاعٍ ومقربةٍ مما يتم بحثه ودراسته فيها، سواءً أكان ذلك في البحوث اللسانية، أو الأدبية، هذا بالنسبة للدراسات الإنسانية، أما بالنسبة للدراسات العلمية التجريبية، فالأمرُ عندهم لازمٌ من لوازم البحث والدراسة.
إذن، وبناءً على تقدّم ذكرُهُ، فلم تعد لباحث العربية أو طالب الدراسات العليا مندوحةّ له في ذلك، خصوصاً بعد أن أوعزت وزارةُ التعليم العالي والبحث العلمي العراقية مؤخّراً بضرورة الاهتمام بالجانب العلمي والمعلوماتي في الواقع الموازي “الإلكتروني”، بعد أن طالبت الجامعاتِ العراقيةَ بحثِّ طلبتها على الانضمام إلى برنامج تطوير مهارات البحث العلمي، أو حثّهم على نشر بحوثهم في المستوعبات العالمية “سكوبس” وذلك من أجل الارتقاء بجامعاتنا إلى مصاف الجامعات العالمية المتطورة والمتقدّمة، فالطالبُ أو الباحثُ أصبح مطالباً أكثر من أي وقتٍ سابقٍ بتعلّم اللغة الإنجليزية، والالمام بها؛ بوصفها لغةً عالميّةً يتم التحدّث بها والتعامل بواسطتها في أغلب دول العالم، وفي مختلف المجالات، فلم يعد له – أي الباحث- مجالٌ في تركها جانباً، أو الزهد في تعلّمها وامتلاكها، حتى وإن كان ذلك الامتلاكُ على نحوٍ يسيرٍ يمكّنه من التعامل مع المصادر أو المواقع الإلكترونية، أو المستوعبات الرقمية العالمية التي يحتاج إليها بشكلٍ أفضل، فضلاً عن ذلك كُله يمكن عدّها وعاءً ثقافياً جديداً يُضيفُ إلى الخزين المعرفي والثقافي لدى الباحث كمّاً كبيراً من المعارف والمعلومات الجديدة، يُطوّرُ نفسُهُ عبرها، ويُزيدُ من ثقافته واطّلاعه ودائرة معارفه…