اللغة عند علماء العربية مفهوم شامل لكل لغات البشر 
أ.د.حيدر عبد علي حميدي العامري
قسم اللغة العربية /كلية التربية للعلوم الإنسانية/جامعة كربلاء
ذكرَ علماءُ العربيةِ القدماءُ تعريفاتٍ للغةِ ، و لم تكنْ مقتصرةً على اللغةِ العربيةِ ، و إنّما يُفهمُ منها أنّها شملتْ اللغةَ الانسانيةَ بكلِّ أقوامِها ، و سنختزلُ مقولاتِهم في هذا الموطنِ مكتفينَ بتعريفينِ اثنينِ لعالمينِ جليلينِ هما : الجاحظُ (255هـ) ، و ابنُ جني (392هـ) ؛ و ذلك لأنّا ألفيناهما قد تفطّنا قبلَ قرونٍ متطاولةٍ لظواهرَ قررتها الدراساتُ اللسانيةُ الحديثةُ  .
يقولُ الجاحظُ في تعريفِه للغةِ ، التي أطلقَ عليها اسمَ (البيانِ) : ” و البيانُ اسمٌ جامعٌ لكلِّ شيءٍ كشفَ لكَ قِناعَ المعنى ، و هتكَ الحجابَ دونَ الضميرِ ، حتّى يُفضي السامعُ إلى حقيقتِه ، و يهجمَ على محصولِه كائنًا ما كانَ ذلكَ البيانُ ، و من أي جنسٍ كانَ الدليلُ ؛ لأنّ مدارَ الأمرِ و الغايةَ التي إليها يجري القائلُ و السامعُ ، إنّما هو الفهمُ و الإفهامُ ؛ فبأي شيءٍ بلغتَ الإفهامَ و أوضحتَ عن المعنى ، فذلك هو البيانُ في ذلك الموضعِ “. 
ونستقي مما دونَه الجاحظُ أنّه وضعَ اليدَ على أمرينِ غايةً في لأهميةِ هما : الجانبُ النفسي ، والجانبُ الاجتماعيّ للغةِ الانسانيةِ.
فالجانبُ النفسيُّ متمثّلٌ بوجودِ فكرةٍ مركوزةٍ في ذهنِ المتكلّمِ يريدُ أن ينقلَها إلى المتلقي ، ومن ثمَّ يختارُ المتكلمُ وسيلةً من وسائلِ البيانِ  : وهي إمّا لفظٌ أو خطٌّ أو إشارةٌ أو عقدٌ أو حالٌ؛ من أجلِ الوصولِ إلى إفهامِ السامعِ، وكشفِ قناعِ المعنى له .
وقد أكدَ الدرسُ اللسانيُّ الحديثُ ارتباطَ الجانبِ النفسي بعمليةِ التواصلِ ، إذ يرى ماريوباي أنَّ ” عمليةَ الكلامِ –إذن- تتكونُ من جانبينِ عضويٍّ و نفسيٍّ ، وحركةُ الكلامِ تبدأُ من الرباطِ النفسيِّ ، أو العقليِّ الذي سبقَ الاتفاقُ عليه في عقولِ المتكلمينَ بينَ دلالةٍ معينةٍ و مجموعةٍ من الأصواتِ ترمزُ إليها” .
و في هذا السياقِ يقولُ فندريس : “إنَّ اللغةَ تنشبُ جذورُها في أقصى أعماقِ الشعورِ الفرديِّ ، ومن هنا تستمدُّ قوّتَها لتتفتّحَ على شفاه بني الانسانِ “.
أمّا الجانبُ الاجتماعيُّ فمفهومٌ من تعريفِ الجاحظِ للغةِ ، بيدَ أنّه أكثر وضوحًا و جلاءً في تعريفِ ابنِ جني الذي يقولُ فيه : “أمّا حدُّها فإنّها أصواتٌ يعبرُ بها كلُّ قومٍ عن أغراضِهم ” ، و نلحظُ في هذا التعريفِ أنَّ ابنَ جني لم يقتصرْ في تعريفِه على اللغةِ العربيةِ فحسب ، و إنّما شملَ تعريفُه اللغةَ الانسانيةَ عامّةً .
فاللغةُ بحسبِ هذا التعريفِ هي :
  1. أصواتٌ
  2. ظاهرةٌ اجتماعيةٌ
  3. لها وظيفةٌ
و هذا قوامُ اللغاتِ جميعِها من دونِ استثناءِ ، و هو ما ركنت إليه (مدرسةُ علمِ الاجتماعِ الفرنسيةُ) ، و التي من أشهرِ علمائِها (رولان بارت) ، إذ ذهبَتْ هذه المدرسةُ إلى أنّ اللغةَ إنّما هي نظامٌ أو نسقٌ اجتماعيٌّ و ثقافيٌّ لا يرتبطُ وجودُه بوجودِ الفردِ ، بل إنّ الفردَ هو الذي يدخلُ في هذا النسقِ من ولادتِه ، و يتربّى عليه. 
و صفوةُ القولِ في ذلكَ أنَّ تعريفَ اللغةِ عندَ علمائِنا القدماءِ ، كانَ له حضورٌ واضحٌ في الدرسِ اللساني الحديثِ .
مصادر المقالة :
  1. اسس علم اللغة ، ماريوباي ، ترجمة وتعليق :د.أحمد مختار عمر ،عالم الكتب ، القاهرة .
  2. البيان و التبيين ، لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ(255هـ) ، تحقيق : ابراهيم شمس الدين ، ط.1 ، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات ، بيروت ،1423هـ – 2003م.
  3. الخصائص ،لابي الفتح عثمان بن جني (392هـ) ، تحقيق : محمد علي النجار ، دار الكتب المصرية .
  4. اللغة ، ج.فندريس ، تعريب :عبد الحميد الدواخلي ، و محمد القصاص ، مكتبة الانجلو المصرية .
  5. النصوص والاشارات قراءة في فكر رولان بارت، احمد ابو زيد ، عالم الفكر ، المجلد الحادي عشر ، العدد الثاني ، وزارة الاعلام في الكويت ، 1980م.
 

شارك هذا الموضوع: