يعد المؤتمر الثلاثي عبر القوقاز عام 1920 محطة مهمة في تاريخ المنطقة، حيث اجتمعت كل من أرمينيا وأذربيجان وجورجيا في محاولة لحل الخلافات الإقليمية وتحديد مستقبل القوقاز بعد تفكك الإمبراطورية الروسية. جاء المؤتمر وسط أجواء من التوترات السياسية والصراعات الداخلية، مما جعل التوصل إلى اتفاق دائم أمرًا صعبًا.
تم الترتيب لوقف إطلاق النار الأول بين الأرمن والأذربيجانيين في 9 نيسان 1920 الا ان التوترات على طول الشريط الحدودي لم تتوقف إلا في الثامن عشر من نيسان بناءً على اتفاق وقف إطلاق النار المكون من 11 نقطة والذي وقعه المسؤولون الأرمينيون والأذربيجانيون في أوزونتالا، ومن المهم الإشارة إلى أنه تم إرسال وفد خاص يضم سارجيس ماناسيان (Sarkis Minassian) مساعد وزير الداخلية الأرميني، وخان خويسكي (Khan Khoyski) حاكم مقاطعة كازاخستان الأذربيجانية، من تبليسي ليشهدوا الاتفاق, كانت التوترات العرقية الأرمنية الأذربيجانية من بين الاهتمامات الرئيسية للمؤتمر الثلاثي عبر القوقاز الذي انعقد في 9 نيسان في تبليسي قبل انعقاد المؤتمر، و قد طالب المفاوضون البريطانيون والإيطاليون والفرنسيون في القوقاز بأن تسعى السلطات الأذربيجانية إلى إيجاد حل سلمي للنزاعات.
وفي الجلسة الأولى للمؤتمر، ألقى يفغيني جيجتشكوري (Evgeni Gegechkori ) كلمة حث فيها الأطراف على تحقيق تقدم في حل الصراع, و اقترح الوفد الجورجي وقف جميع الأنشطة العسكرية على الفور لإعطاء فرصة للمفاوضات، لأنه كان من المستحيل استئناف المحادثات مع استمرار اطلاق النار ، الا ان المقترح قوبل بالرفض ، اذ ان الوفد الأذربيجاني غير مخول بالبت في هذا الأمر.
وافق رئيس الوفد الأذربيجاني في الجلسة الرابعة على إدراج بند وقف إراقة الدماء في جدول الأعمال، وحتى ذلك الحين، خلال الدورتين الثانية والثالثة، اتهم هامازاب أوهانجانيان (Hamazasp Ohandjanian) وزير الخارجية الأرميني، الممثلين الأذربيجانيين بالسعي إلى “إبادة” أرمن كاراباخ قبل وقف الأعمال العدائية, ولم يكن من الحكمة تأخير مثل هذه القضية بينما كان الطرفان يجريان المفاوضات. علاوة على ذلك، اتهم الحلفاء أيضًا بالقول إنهم بينما كانوا يقترحون إنهاء الصراع سلميًا، إلا أنهم لم يفعلوا شيئًا ملموسًا لتحقيق هذا الهدف. وبعد مناقشات مطولة، تم اعتماد جدول الأعمال التالي:
وقف الأعمال العدائية.
تشكيل جهاز دائم للجمهوريات الثلاث.
حل النزاعات الإقليمية.
رابعا، تنسيق السياسات الخارجية.
تحقيق الكونفدرالية .
القضايا الاقتصادية.
وكانت أعمال المؤتمر بطيئة للغاية اذ ان معظم المناقشات خصصت للبند الأول ومع ذلك، نظرت الجلسة الخامسة اقتراح جورجيا بشأن استعادة الوضع الذي كان قائما قبل الحرب في كاراباخ. أصر الأرمن على أن الوضع الراهن يجب أن يستند إلى اتفاقية 22 آب 1919، في حين حاول الأذربيجانيون التخلص من بعض القيود المنصوص عليها في تلك الاتفاقية. أصر الأذربيجانيون أيضًا على أن جميع الاتفاقيات السابقة قد تمت مراجعتها وإدراجها في انفراج نوفمبر 1919 بين خاتيسيان وأوسوبيكوف. بالإضافة إلى ذلك، أكدوا أن اتفاق أغسطس هو شأن داخلي أذربيجاني، في حين ينبغي اعتبار اتفاق نوفمبر كأساس للحل النهائي.
ومن أجل إيجاد أرضية مشتركة بين الموقفين الأرمني والأذربيجاني، اقترح الممثلون الجورجيون النظر في اتفاقي آب/أغسطس وتشرين الثاني/نوفمبر عند اتخاذ قرار بشأن نزاع كاراباخ. وأخيراً، تقرر إنشاء لجنة مختلطة وإرسالها إلى كاراباخ وكازاخستان لتأكيد استعادة الوضع الراهن. وجاء في القرار المعتمد ما يلي.
قام المؤتمر بتعيين لجنة مكونة من ستة أشخاص تقوم أولاً بتطبيق قرارات المؤتمر المتعلقة بوقف الأعمال العدائية وإعادة الوضع الراهن والمراقبة على أرض الواقع. ثانياً: التحقيق في أسباب ومسار الأحداث التي جرت أدخل الأذربيجانيون تعديلات على القرار المعتمد في 14 نيسان لتعزيز إرادة حكومتهم بشأن كاراباخ، وأكدوا أن المؤتمر الوطني في كاراباخ، بحكم قبوله للحكم الأذربيجاني المؤقت، قد أنهى بالفعل سيادته على كاراباخ. من وجهة نظر قضائية، لا يمكن وضع كاراباخ تحت سيادتين.
لم يتقدم المؤتمر الثلاثي عبر القوقاز إلى ما بعد هذه النقطة, وكانت الخطوة الوحيدة المعتمدة هي الإعلان عن ثلاث لجان كان من المفترض إرسالها إلى كاراباخ وكازاخستان وناخيتشيفان لمحاولة وقف الأعمال العدائية. فقط اللجنة الكازاخستانية تمكنت من تحقيق نجاح بسيط. ولم يتمكن الاثنان الآخران من إنجاز مهمتهما لأن التطورات السياسية في القوقاز بدأت مرحلة جديدة مع دخول الجيش الأحمر إلى أذربيجان في أبريل 1920. وفي 28 أبريل 1920، أعلنت اللجنة الثورية العسكرية الأذربيجانية إنشاء الجمهورية الاشتراكية السوفيتية الأذربيجانية.
الخاتمة
لم يحقق المؤتمر الثلاثي عبر القوقاز عام 1920 نتائج حاسمة بسبب الخلافات العميقة بين الأطراف، إلى جانب الضغوط الخارجية والتدخلات السوفييتية. سرعان ما انتهت محاولات التعاون السياسي مع اجتياح الجيش الأحمر للمنطقة، مما أدى إلى ضم جمهوريات القوقاز إلى الاتحاد السوفييتي، وهو ما شكَّل مسارها السياسي لعقود لاحقة.