كثير من الذين يقدمون على الزواج قد يكون هدفهم صناعة مؤسسة زوجية وليس علاقة عاطفية، ولهذا يجب أن تكون واعيا عزيزي القارئ من غرض الشريك وطبيعة العلاقة التي يبحث عنها فهو لن يصرح بأنه يريد مؤسسة زوجية.
تبنى على عقد خفي لا واع موروث في المجتمع على دور ثابت لكل من المرأة والرجل بحقوق وواجبات. تدعى مؤسسة لأن العلاقة العاطفية يجب أن تبنى على مبدأ الاهتمام التلقائي وليس الإلزامي. فنحن إن أردنا أن نعطى حبا لن نستطيع تقديمه لأنه واجب، فهو شعور يبنى على تراكمية يقدم بشكل تلقائي. طرح هذا المفهوم المفكر إبراهيم البليهي فيما يخص العمل وكيف أن العمل الناجم عن شغف هو الذي قد يكون ذا لمسة متفردة. سابقا ، كان الرجل هو الذي يعمل والمرأة تنجب وتهتم بالأطفال وهذه وظيفتها الوحيدة، لكن الإنسان وجد في هذا الكون لتحقيق ذاته والعمل أساس لتحقيق الذات والانغماس في الشغف، فعقولنا اللاواعية صممت للتوجه لهدف واضح يعطي الحياة معنى، وقد بدأت المرأة العربية تتدارك الأمر وتعود لمعترك العمل وتبحث عن شغفها ولكن رواسب الدور الذي منح لها من دون خيار ما زالت موجودة، فلا زال العقد الخفي ينص على أنها المربية للأطفال رغم أنها اليوم كما الرجل تملك عملها ، فيا ترى لماذا لم يصبح دور المربي مشتركا بين الأبوين فهما في حالة تكافؤ بما يخص العمل؟ ولهذا تجد الكثير من الرجال الذكوريين يمقتون أن تنتزع السلطة الذكورية من بين أيديهم فيحاربون كل ما يخص عمل المرأة ودراستها خوفا من أن تتمرد عليهم وألا تكون بحاجة إليهم، بينما الرجل الحقيقي يدافع عن حق المرأة في أن تعيش وفقا لما تريد هي وبتقبل لخياراتها، لأنه يريد شخصاً مكافئا وليس خاضعاً مملوكا يخدمه ويظل معه من باب الحاجة. قد تعتقد عزيزي القارئ أنني منحاز للمرأة فيما أكتب لكن الإنسان الحقيقي سيدافع عن كل شخص يضطهد أو لا يمنح حقوقه بشكل كامل لا أكثر ولا أقل
لست ضد أن تختار المرأة أن تكون ربة المنزل بعد أن تكون واعية كفاية بأبعاد هذا الخيار، وبأن يكون لفترة محددة لإعداد الطفل للحياة وليس عمراً كاملا حيث تجد نفسها يوما ما في منتصف عمرها بلا عمل أو شغف والأطفال كبروا وانطلقوا للحياة ولكنني ضد أن يكون مصيراً محتوماً على كل امرأة أن تجبر على هذا الدور.
لترجع خطوة للوراء مع الدكتور خزعل الماجدي الباحث في علم الأديان والتاريخ حيث وضح أن البشر في فترة ما قبل ٥٠٠ عام قبل الميلاد كانوا في مجتمع أموي يتبع الرجل فيه المرأة، لأنه يعتقد أنها تملك سر الكون، فهي التي تنجب الطفل – الإنجاب كان صلب الحياة وأقدس شيء في العصور القديمة لأنه الضمان الاستمرارية النوع البشري – فتم تقديس المرأة حتى جعلوا الآلهة التي يعبدونها بمسميات نسائية مثل: “عشتار وإيزيس”، ثم جاء العصر الحجري النحاسي وحصل الانقلاب الذكوري للرجل على المرأة حين وعى بدوره الفعال بالإخصاب، وبما أنه يعرف أن القوة الجسدية بيولوجيا غالبا تكون من نصيبه فقام بإخضاع المرأة وتهميش دورها وجعلها مماثلة للسلع المملوكة له، حتى إن عقد الزواج أن ذاك كان شبيها بعقد شراء وبيع، وتأثرت بهذا الانقلاب الذكوري الكثير من الفلسفات والمعتقدات والأعراف الاجتماعية.
ما زلت أرى بوضوح تأثير ما حدث في ذلك الوقت على مجتمعاتنا اليوم، فالتسلط الذكوري وخضوع المرأة أصبح رمزا لهذا العقد الخفي ولتوزيع الحقوق والواجبات فيه. هو يتكفل بالإنفاق وهي تتكفل بالاعتناء بالأطفال. الجنس يمارس كحق وواجب، وغالبا.
لا يحمل الشغف بقدر ما يحمل التفريغ الغريزي. الخيانة العاطفية والجنسية واردة جدا في هذه المؤسسة لأنها مؤسسة وليست علاقة وما يبنى على الإلزاميات يقتل أي نوع من الشغف.
عقدة التسلط
التحكم بتفاصيل حياة الآخر بما يتناسب مع أهوائك، وهي آلية لا تمت للحب بصلة، لكنها جزء أساسي من مؤسسة الزواج، وقد يستخدم المتسلط أسلوب المحدودية في الإنفاق ليجعل الخاضع في حاجة دائمة إليه.
عقدة الخضوع : (سؤال عقدة الخضوع)
منذ طفولتها ، يتم تهيئة المرأة على أن تكون الزوجة الصالحة التي تعتني بزوجها أكثر من تهيئتها لتكون إنسانا حقيقيا صاحب هدف واضح لنفسه، وعلى هذا الأساس تبنى عقدة الخضوع بالخوف من المواجهة والحاجة للتبرير الدائم عن خياراتها ونمط حياتها .
الصبر على أمر جلل أصابك هو دلالة على القوة، ولكن الصبر على التسلط أو الإهانة أو عدم الاكتراث أو إشعارك بالذنب فهو خضوع. الأمر نفسه ينطبق على كلمة ابتلاء التي يستغلها البعض ليواسي نفسه ولكن في موضع خاطئ لأن الابتلاء شيء لا حول لك فيه ولا قوة، أما المواجهة ومعرفة حقوقك ووضع حدود واضحة هو أمر رغم صعوبة التمرس عليه لأنه يحتاج أولا إلى مواجهة مع الذات إلا أنه ليس مستحيلا .
تذكري عزيزي القارئ، لا أحد ينجذب لشخص خاضع لا يعرف قيمة نفسه . فالجاذبية وليدة التكافؤ وحدود الشخصية والتفرد والقيمة الذاتية، وجميع هذه الأساسيات تفقد في عقدة الخضوع.
يجب أن أنوه عن أمر مهم في النهاية أنت صاحبة الخيار في أن تكوني ضمن هذه المؤسسة أو رفضها ، فأنا لا أدفعك للتخلي عنها حيث إن هدف البعض هو الإنجاب وتكوين هذه المؤسسة وهو واع بأبعادها، ويسعى لإلغاء العقد الخفي للتسلط والخضوع واستبدالها بتعامل متكافئ.