المحتوى الرقمي في التعليم الجامعي
أ. د. صادق عبيس الشافعي
لقد شهدت العقود الاخيرة من القرن العشرين تقدماً هائلاً وتطوراً سريعاً في مجال التكنولوجيا التي استطاعت ان تغزوا جميع ميادين حياة الانسان بشكل عام ، وميادين التعلم بشكل خاص ، فقد سهلت الانتقال والاتصال ، وقربت الزمان والمكان ، وحولت العالم الى قرية صغيرة يستطيع الكل التفاعل معها وجهاً لوجه يتأثر بها ويؤثر في احداثها ، وقد اصبحت الوسائل التكنولوجية الحديثة عنواناً للعملية التعليمية اذ يمكن توظيفها في عملية الاتصال بين الافراد في عصر يتميز بكثرة المتطلبات والالتزامات الشخصية التي قد تؤدي الى اثار سلبية وزيادة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية على الفرد ، مما يدفعه الى ترك عمله من اجل متابعة الدراسة الجامعية وفي ظل توظيف الاجهزة التكنولوجية الحديثة يمكن ان يحدث التعلم في اي مكان وزمان عن طريق الاجهزة المرتبطة بأجهزة الاتصال متعدد الوسائط ، اذ تساعد هذه الاجهزة على توفير معلومات تربوية وفرص تدريب تلبي احتياجات المتعلمين ، وهنا ينبغي التأكيد على أن العالم اليوم يعيش عصراً يمكن انَّ يطلق عليه بعصر (الرقمنة) هذا العصر الذي أدى إلى حدوث تغيير في جميع مجالات الحياة ومنها المجال التعليمي، الذي تغيرت أهدافه ومجالاته وطرقه وأساليبه وظهرت مصطلحات ومسميات جديدة لطرائق التعليم ، وجميعها تركز على توظيف التكنولوجيا الرقمية في عملية التعليم والتعلم، لذلك لابد أن يواكب التعليم هذا التغيير من خلال استبدال البيئة التعليمية التقليدية التي تعتمد على الورقة والقلم فضلا عن اعتمادها على المعلم والكتاب كمصدر أساسي للتعلم في بيئة متطورة تستخدم التكنولوجيا الحديثة واعتماد الوسائط المتعددة في التعليم وهو ما يطلق عليه بالتعلم الرقمي، وان استخدام التعلم الرقمي في العملية التعليمية ليس وليد اليوم بل يعود إلى عدة سنوات ماضية ، ولكن في ظل أزمة كورونا التي عاشها العالم قبل عدة سنوات، توجهت المؤسسات التعليمية ومنها الجامعات نحو التعليم الرقمي كبديل لضمان استمرار العملية التعليمية، ويعد التعليم الرقمي محيطاً غنياً بالمصادر المتنوعة وفق حاجات المتعلمين ومهاراتهم المختلفة ، ويسهم في اعادة صياغة ادوار عناصر العملية التعليمية بما يتناسب مع المستجدات والتطورات في الفكر التربوي الحديث ويشجع على التواصل والتفاعل بين عناصر العملية التعليمية ،ويزيد من التفاعل بين المعلم والمتعلم وبين المتعلمين انفسهم ، ويتميز بالقدرة على فتح مجالات متنوعة للحوار والنقاش مثل البريد الالكتروني وغرف الدردشة والمنصات التعليمية، والتي توفر الفرص لتبادل الافكار في المواضيع المطروحة ويحفز الطلبة على المشاركة والتفاعل في اي وقت دون حرج او خوف ، وبناء على ما سبق، نلحظ أن التعلم الرقمي يمكن أن يكون له دور كبير في تعزيز مهارات القرن الحادي والعشرين، وتمكين المتعلمين منها، فهو يضمن للمتعلم ، الانخراط في العملية التعليمية دون القيد بحدود الزمان والمكان، كما يساعدهم على الابتكار والابداع والمشاركة والتواصل الفعال، وإتقان المهارات التقنية عن طريق استخدام الوسائط المتعددة والمتمثلة في شبكة الانترنت والحواسيب والهواتف النقالة والسبورات الذكية، التوسع في العملية التعليمية خارج نطاق المؤسسة وربطها بالحياة الواقعية، مما يساعد على المشاركة الفاعلة في المجتمع والتأهل لمهن المستقبل، وفي الوقت الذي ازداد فيه انتشار التعليم الرقمي الى حد كبير، ادركت المؤسسات التربوية ومنها الجامعات ضرورة تطوير قدراتها وتجميع جهودها في مجال صناعة المحتوى الرقمي لاسيما في الجانب التعليمي ، وذلك من خلال وضع مبادرات وتجارب خاصة بصناعة ونشر المحتوى الرقمي ، فقد اسهم ذلك في زيادة انتشار التعليم الرقمي واصبح له مكانة واضحة في النظام التعليمي وازدادت مكانته بعد جائحة كورونا واصبح المحتوى الرقمي احد اهم العناصر الاساسية في بيئات التعليم الالكترونية واساليب تنظيمها والتفاعل معها فالمحتوى الرقمي من اكثر نواحي التعليم الالكتروني اهمية وكلما كان المحتوى جيداً ، كانت عملية التعلم اكثر كفاءة، ومع تطور المحتوى الرقمي وتجدده اصبح يأخذ صوراً واشكالاً متعددة ، وفي ظل هذا التعدد تظهر اهمية الاهتمام بتصميمه بناءً على اسس نظرية ومعايير علمية نابعة من النظريات التربوية المتعددة، وكذلك مراعاة خصائص المتعلمين واساليب تعلمهم وعليه فأن المحتوى الرقمي التفاعلي يمكن ان يوجه الطلبة الى مصادر علمية الكترونية متنوعة تشجعهم وترتقي بقدراتهم، ويعد المحتوى الرقمي بما يحتويه من وسائط متعددة تتكامل مع بعضها لتكون وحداته الاساسية ، وتكون متداخلة مع بعضها بما يتناسب مع المادة العلمية ومع خصائص المتعلمين ، اذ انه يسهل ويجعل خبراتهم ذات اثر باق ، ويزودهم بالخبرات التعليمية اللازمة لتحقيق اهداف التعلم ويقدم طرقاً متعددة ويجعل العملية التعليمية اكثر سهولة بالنسبة للمعلم والمتعلم ، وقد يعمل المحتوى الرقمي التفاعلي على زيادة التحول من الطرق التي التقليدية الاعتيادية الى استخدام الوسائط المتعددة التي تتميز بالمتعة والتشويق كما انها تشجع على اثارة الدوافع وحب الاستطلاع لدى المتعلمين.
وحري بنا ان نشير الى ان استخدام التكنولوجيا في التعليم قد مكن من ايجاد بيئات تعلم فاعلة واتاح الفرصة للمتعلمين من ايجاد الفرص للحصول على المعرفة والتعلم ‘اينما كانوا داخل الحرم الجامعي او خارجه ، كما ان التكنولوجيا تعد الاساس التعليمي الذي تنطلق منه عملية اعداد المحتوى الرقمي التفاعلي بل تعد الوسيلة الاكثر فعالية من حيث التكلفة لتحقيق بيئات تعلم مناسبة للمتعلمين .