المدائح النبوية في العصر الوسيط
م.م نوال حسن ساجت
ملك حب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قلوب الناس، وأصبحت سيرته الشريفة نبراسا يهتدي بها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، وبانت صفاته النبيلة مثالا يقتدى به، فانبرى الشعراء يتغنون بحبهم لشخصه الكريم، مستلهمين تلك القيم الرفيعة في سيرته العطرة، وتظافرت أسباب عدة لشيوع هذه المدائح في العصر الوسيط، منها محاولة الدفاع عن الدين والعقيدة، بعد أن داهم الإسلام خطر الغزوات الصليبية والحروب مع المغول وسواهم، وهو ما دفع  للشعراء للوقوف بوجه هذه التحديات التي كانت تستهدف الدين الإسلامي الحنيف، ثم نجد الظروف الصعبة التي شهدها المجتمع العربي ساهمت بشكل كبير في  شيوع هذا اللون من الشعر، حيث دفعت المجاعات والأوبئة والحروب وتردي الحالة المعيشية اتجاه الناس نحو الجانب الديني ليجدوا فيه المتنفس الذي يعينهم على تحمل أعباء هذه الظروف، فاتجهوا إلى جناب النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ مستغيثين بشفاعته ومعونته في مواجهة صعوبات العيش. وكان للتصوف أيضًا أثر بارز في تعزيز انتشار المدائح النبوية، وفضلا عن هذه الأسباب فقد لعب الإرث الأدبي دورًا كبيرًا في شيوع هذا اللون من الشعر في العصر الوسيط؛ فقد وقف الشعراء في هذه المرحلة على كنوز من الأشعار التي خلفها الشعراء في عهد الفاطميين والأيوبيين تناولوا فيها موضوع المديح النبوي، وكانت حافزا آخر لاستمرار هذا اللون من النظم.
      لقد تعددت ألوان وأساليب مديح النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأحد هذه الأساليب هو الإشادة بصفاته النبيلة ومعجزاته التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، فهو النبي الهادي الشفيع والرحيم والبشير والنذير والشهيد والصادق….
ومن ألوان هذا المديح التغزل بمدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وبموطنه بالحجاز، وكل ما يرتبط بالرحلة إليها، معبرين عن حبهم للأرض التي احتضنت جسده الشريف.
 
يبدو أن هذا التقليد الذي سار عليه الشعراء في العصر الوسيط كان شائعا في المدائح النبوية قبل هذه المرحلة ولابد من التنويه بان شعر الحنين إلى أرض الحجاز والأماكن المقدسة وذكر معالمها ومباهجها، وما دب فيها من انسان وحيوان، لم يكن من ابتداع شعراء هذا العصر بل سبقهم كثير من الشعراء من العصور السابقة لعصرهم، وكانت الشفاعة والتوسل إلى الله بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) موضوعًا بارزًا في المدائح النبوية على مر العصور، حيث وردت كحقيقة مؤكدة في القرآن الكريم بقوله تعالى: “وابتغوا إليه الوسيلة”. والشفاعة هي تكريم إلهي لأنبيائه، وأعظمهم شفيعاً لهذه الأمة هو النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). وقد ازدادت أهمية هذا الموضوع في العصر الوسيط بسبب كثرة المحن والنكبات التي دفعت المسلمين إلى التوسل بالرسول طلبًا للعون والرحمة.
       ومنه فقد زها المديح النبوي في هذا العصر وكثر الأقبال عليه ، ، بعد أن تضافرت له الدواعي والأسباب  حتى انه قد ألفت فيه الدواوين ، مثل : صحائح المدائح لابن ابي الاصبع المصري (ت ٦٥٤هـ )، و الضراعة الناجحة و البضاعة الرابحة لأبي الحسن الجزار (ت ٦٧٩ هـ) و بشري اللبيب بذكرى الحبيب لابن سيد الناس اليعمري (ت ٧٣٤ هـ) و منتخب الهدية في المدائح النبوية لابن نباتة المصري (ت ٧٦٨ هـ) و فرائد الأشعار في مدح النبي المختار، لابن العطار الدنيسري (ت ٧٩٤ ٨) و شفاء الكليم بمدح النبي الكريم لابن عربشاه الدمشقي (ت ۹۰۱ هـ) .
 

شارك هذا الموضوع: