أنسنة المدن مصطلح مهم وحيوي يهدف لجعل المدن أكثر ملاءمة للإنسان يشعر فيها أنه يعيش في مدينة صديقة له، وليس مجرد مكان يقيم فيه. مدينة تخدمه وتمكنه من الاستمتاع بحياته وتطوير إمكاناته ومزاولة حياته الفكرية والعملية والاجتماعية. وأنسنة المدن تجعل المدينة صديقة للإنسان، وألا تكون عبارة عن علب إسمنتية، بل ينبغي أن يسعى جميع المختصين لتعزيز البعد الإنساني في جميع مشروعاتهم لتطوير المدينة، وجعلها أكثر جاذبية لحياة الإنسان. ويعد تطبيق أنسنة المدن من الأمور الصعبة، خاصة في المدن القائمة، والتي صممت فعلياً لتخدم وسائل النقل الحديثة، خاصة السيارات، وعدم النظر إلى وجود الإنسان كعنصر أساسي في التخطيط والعمران.
تلعب الأماكن العامة دورًا أساسيًا في تعزيز جودة الحياة في المدن. ولكي يتم تحقيق هذا الهدف، يجب مراعاة احتياجات السكان المتنوعة في تصميم الأحياء السكنية والأماكن العامة. وقد برز مؤخرًا توجه عالمي يشجع على التفكير في فئات السكان المتنوعة واحتياجاتهم عند تصميم المساحات العامة. وبهذا الصدد، يسعى المعهد دعم البلديات في نشر ممارسات تشجع على تصميم أماكن عامة أكثر حيوية واستجابة للاحتياجات الانسانية لكافة فئات المجتمع.
إن طريقة النقل الأساسية في المدن تؤثر بشكل كبير على شكلها وتخطيطها وكثافتها السكانية والخدمات المقدمة، بالإضافة إلى البنية التحتية. وهذا ما يمكن أن نشاهده في عدد من المدن السعودية، وخاصة مدينة الرياض. وقد ساهمت قروض صندوق التنمية
في توسع المدن، مما جعل توفر الخدمات أمراً مكلفاً وضاعت فرصة الإنسان في مدن صديقة تلبي جميع احتياجاته. ويعد مشروع المدن الإنسانية أحد المشروعات المهمة في أنسنة المدن، حيث تتشارك فيه 12 مدينة في الاتحاد الأوروبي تحت مسمى (تحدي مقياس المدينة والذي يحاول فيه المختصون أن يخططوا لتجارب حضرية لاستعادة السكان لمدنهم، وجعل الحياة
فيها أكثر ملاءمة لمعيشة الإنسان ويركز المشروع على جودة الحياة في المدن، بدلاً من تحديد شكل المدينة الفيزيائي. وتتبنى المدينة الإنسانية عدداً من القيم والمبادئ ومنها الاستدامة والألفة والتعاطف والرفاهية والعيش المشترك والجماليات والتضامن والاحترام والترفيه..إلخ.
إن المدينة التي تتعاطف مع سكانها وتحترمهم سوف تلبي احتياجاتهم من أصغر فرد إلى أكبرهم، ومن الأشخاص العاديين إلى ذوي الاحتياجات الخاصة، هذه المدن تغذي روح الإنسان وخياله من خلال تجارب حسية تلامس وجدان الإنسان وحواسه الخمس، وهي مدن لا تخدش شعور الإنسان وتجعله عرضة للضوضاء المفاجئة أو التلوث البصري والروائح غير المرغوب فيها، إنها مدن تمنح الإنسان مكاناً يشعر فيه بقيمته وإنسانيته، ولا تجعله قزماً بين مبانٍ إسمنتية عملاقة.
والمدينة المستدامة توفر للإنسان مقومات الحياة المستدامة، وتمنحه الخيال لتصور ما يحدث حوله من نشاطات أو مشاهد رائعة. لقد كانت المدن نتاج التخطيط العمراني فقط، أما الآن فهي تتجه لتصبح نتاج شراكة بين المعماريين والمصممين والفنانين وعلماء الاجتماع والمثقفين وغيرهم، لكي تتضافر الجهود لجعل المدينة ملائمة للإنسان بشكل يثري حياته.
الرؤية المستقبلية لانماء المدن:
الاستجابة لاحتياجات وتطلعات المدن.
توفير برامج ومنصات تدريبية نوعية .
تعزيز الشراكات بين المدن والمنظمات.
انتاج ابحاث سياسات حضرية ذات جودة عالية .
مجالات التركيز:
الحوكمة والتطوير المؤسسي
المرونة الحضرية
التنمية الاقتصادية المحلية.
مدن للناس.
ولذلك فإن المرتكز الأساسي والمصدر المعرفي في أنسنة المدن كمنهجية عمرانية هو في فهم وتفكيك العلاقة بين السلوك البشري والتفاعلات الاجتماعية وعلاقتها بالمدينة وفضاءاتها. وتكمن الأهمية هنا في أن السلوك البشري والتفاعل الاجتماعي يساهم في بناء المعرفة العمرانية المحلية والتي تجمع ما بين الجوانب الشكلانية الملموسة في المدينة وكذلك الجوانب غير الشكلانية، حيث تجدر الإشارة هنا إلى أن الجوانب غير الملموسة في العمران هي ما يلعب دوراً رئيسياً في رسم الانطباع العاطفي عن المكان والشعور والإحساس بروح وحميمية وعفوية المدينة، ولذلك فإن أنسنة المدن كمنهج عمراني تسعى إلى إعادة تقديم البعد الثقافي والاجتماعي في المدينة إلى طاولة أولويات الأجندة التخطيطية والعمرانية. وهذا لا يعني أن تكون هناك قطيعة مع المنهج العلمي والعقلاني في تخطيط المدن.
عمران الحياة اليومية وإعادة إنتاج المحتوى المعرفي العمراني
من المهم جداً الانتباه هنا إلى أن البعد الثقافي والعرف الاجتماعي للمدينة ليس في حالة من السكون والثبات الدائم بل على العكس هو في حالة من التغير والتجدد المستمر حيث تتم مفاوضتها وإعادة تشكيلها من قبل أفراد المجتمع أنفسهم. وهذا ما يعني أن هذه الأبعاد الثقافية والاجتماعية في المدينة خاضعة لعامل الزمن وحالة التغير والمفاوضة المستمرة